التراث الوطني في صميم المشاريع الكبرى

مكاسب حقّقتها الرؤية الثقافية الشاملة

مكاسب حقّقتها الرؤية الثقافية الشاملة
  • 88
 مريم . ن مريم . ن

تعمل الجزائر بثبات وتصميم على حماية وصيانة تراثها الثقافي الوطني، ملتزمة في ذلك بالدعم والمتابعة المستمرة التي أثمرت الكثير من المكتسبات التي تجسّد الإرادة السياسية للدولة لإبراز المقوّمات الحضارية والطبيعية للجزائر، ضمن رؤية ثقافية شاملة ومستدامة، تعيد الاعتبار للتراث بوصفه رافعة للهوية الوطنية.

شهدت الجزائر خلال السنوات القليلة الماضية خطوات عملاقة نحو حماية وإدارة التراث الثقافي يجب الحفاظ عليه للأجيال، وذلك بالاعتماد على الأساليب والاستراتيجيات المستخدمة في إدارة وحماية هذا التراث الثقافي، مثل سياسات الحكومة وتشجيع التعاون الدولي واستخدام التكنولوجيا الحديثة، وتعزيز الوعي وتشجيع المشاركة المجتمعية في هذا المجال، مع الوقوف في وجه التحديات التي تواجه مختلف الجهود المبذولة .

استراتيجيات لإدارة التراث الثقافي

تبنّت الجزائر السياسات والاستراتيجيات لحماية وإدارة التراث الثقافي، بما في ذلك التوعية الثقافية، والتدريب، وتنظيم الفعاليات الثقافية، وتحقيق مختلف المشاريع وغيرها، ضمن منظومة وحدة ثقافية.

تولي القيادة السياسية في الجزائر ممثلة في رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون أهمية بالغة لحماية التراث الثقافي انطلاقا من المادة 76 من دستور البلاد التي تنصّ على أنّ الدولة تحمي التراث الثقافي الوطني المادي وغير المادي وتعمل على الحفاظ عليه، وبالتالي عملت الدولة على حماية التراث وتصنيفه، وطنيا ودوليا، من خلال إجراءات كان من أهمّها دسترة التراث الثقافي.

سمحت عملية دسترة التراث الثقافي بمراجعة وتحيين الإطار القانوني لحماية التراث، وكان من ثمارها تنصيب اللجنة الوطنية المكلّفة بمراجعة قانون حماية التراث الثقافي، وذلك من أجل صياغة نصّ جديد يرتكز على تعديلات عميقة للقانون 98-04، أو إصدار قانون تراث ثقافي جزائري جديد.

للإشارة، تعدّدت المناسبات التي أكّد فيها رئيس الجمهورية ضرورة حماية التراث، منها خلال اجتماع مجلس الوزراء في 20 سبتمبر 2020، الذي عالج نقاطا منها الاستغلال المنجمي للذهب بولايتي تمنراست وإيليزي، حيث كلف سيادة الرئيس وزارة الدفاع الوطني بمعالجة مسائل منها "حماية معالم التراث الثقافي والمواقع الأثرية بالجنوب الكبير".

ومن الجوائز الثقافية التي أسّس لها الرئيس عبد المجيد تبّون، "جائزة رئيس الجمهورية للأدب واللّغة الأمازيغية"، والتي تشمل أربع فئات، إحداها فئة "الأبحاث في التراث الثقافي الأمازيغي غير المادي"، وتتعلّق بالأعمال الميدانية التي "تتناول جمع التراث الثقافي غير المادي الأمازيغي بجميع تنوّعاته".

حضور قويّ على قائمة اليونسكو

الجزائر حاضرة في قائمة التراث العالمي لليونسكو، من خلال قلعة بني حمّاد، ومواقع تيبازة، وتيمقاد، وجميلة، وتاسيلي ناجّر، ووادي مزاب، وقصبة الجزائر.

ونجد من العناصر المدرجة ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية، أهاليل القورارة، والعادات والمهارات الحرفية المرتبطة بتقاليد زيّ الزفاف التلمساني، والممارسات والمعارف المرتبطة بموسيقى الإمزاد وآلتها عند جماعات الطوارق في الجزائر ومالي والنيجر، والزيارة السنوية لضريح سيدي عبد القادر بن محمد سيدي الشيخ، والطقوس والاحتفالات الخاصة بعيد السبيبة في واحة جانت بالجزائر، و«السبوع" (الزيارة السنوية إلى زاوية سيدي الحاج بلقاسم في قورارة بمناسبة المولد النبوي). كما نجد في قائمة التراث الثقافي غير المادي الذي يحتاج إلى صون عاجل، والمعارف والمهارات الخاصة بكيالي الماء العاملين في الفقارة في توات وتيديكلت.

أودعت الجزائر ملفا لتسجيل "فن التزيين بالحلي الفضي المينائي اللباس النسوي القبائلي: صناعة وتفصيل وارتداء" في اليونسكو بعدما صنّفت الزيّ الاحتفالي النسوي للشرق الجزائري بمختلف تصاميمه من القندورة والملحفة والقفطان، إلى جانب الحلي التقليدي المرافقة له.

ويجدر بالذكر أن ملف "الزليج الجزائري" قيد الدراسة لدى اليونسكو كما تسهر وزارة الثقافة والفنون على استكمال الجرد العام لعناصر تراثية أخرى مقترحة للتسجيل، تشمل الطبوع الموسيقية الجزائرية بمختلف مناطق الوطن، وأزياء اللباس النسوي والرجالي في الوسط والجنوب الكبير. وتخضع هذه الملفات حاليًا للدراسة والتحضير، تمهيدًا لإيداعها في الدورات القادمة للجنة الدولية للتراث غير المادي  للإنسانية.

أصبحت الجزائر في السنوات الأخيرة مثالا يقتدى به في عديد الدول وخصوصا في القارة الإفريقية لإنشاء بنوك للمعلومات، وهو ما أدّى باليونسكو إلى الموافقة على احتضان الجزائر المركز الإقليمي الإفريقي لصون التراث غير المادي الصنف 2.

كما أنّ الجهود على المستوى المحلي لا تقلّ أهمية منها صدور قرار تنفيذي يتضمن مخطط حماية الموقع الأثري هيبون والمنطقة المحمية التابعة له، وصدور مراسيم تنفيذية تتضمّن إنشاء القطاع المحفوظ وتعيين الحدود لكلّ من قصر ازلواز وقصر أجاهيل، وكذا الموافقة على قرارين وزاريين مشتركين يتضمّنان الموافقة على المخطّط الدائم لحفظ واستصلاح القطاع المحفوظ للمدينة العتيقة لميلة، والمخطّط الدائم لحفظ واستصلاح القطاع المحفوظ للمدينة العتيقة لتنس.

هناك أيضا إدراج كتاب "القانون في الطب" وهو مخطوط نادر محفوظ في المكتبة الوطنية، ضمن السجل الدولي لذاكرة العالم، وقد تقدّمت الجزائر بهذا الترشيح لإبراز أهمية هذا الأثر العلمي الثمين، ويكتسب هذا المخطوط قيمته العلمية والتاريخية من شخصية مالكه الشهير موفّق الدين ابن المطران (أسعد بن إلياس بن جرجس)، الطبيب الخاص للسلطان صلاح الدين الأيوبي .

يشمل التراث الثقافي المحيط الطبيعي بتنوّعه البيولوجي وتعايش الإنسان معه على مرّ العصور، وهو ما كرّسه مشروع "المحافظة على التنوّع البيولوجي ذي الأهميّة العالمية والاستعمال المستدام لخدمات الأنظمة البيئية في الحظائر الثقافية بالجزائر"، وهو مشروع وطني في إطار شراكة دولية بين وزارة الثقافة وصندوق البيئة العالمي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وكان من إنجازاته المحقّقة رصد الفهد الصحراوي، المهدّد بالانقراض "أمياس"، مع اقتراح تصنيف حضيرتي تيزي وزو والقالة، وغيرهما من المواقع الممتدة عبر التراب الوطني.