ملتقى الفن والعمران

مدينة محصّنة حافظت على تميّزها

مدينة محصّنة حافظت على تميّزها
  • القراءات: 1347
 لطيفة داريب لطيفة داريب

احتضن مركز "الفنون والثقافة" في قصر "رياس البحر"، يوما دراسيا حول العمارة والفنون الإسلامية في مدينة الجزائر تحت شعار القصبة ملتقى الفن والعمران احتفاء باليوم الوطني للقصبة، وقصد تصحيح بعض المفاهيم، من بينها تأكيد وجود القصبة قبل الفترة العثمانية بالجزائر.

بالمناسبة، اعتبر الأستاذ محمد طيب عقاب أنّ القصبة كانت سيّدة العالم وعرفت حقبا تاريخية عديدة بدءا من فجر التاريخ، وهو ما برهنت عليه بعض المعالم الأثرية مثل المدافن الشاقولية العمودية التي يوجد نموذج منها في متحف باردو، وكذا قطعة نقدية كشفت عن اسمها القديم ايكوسيم، علاوة على جرار ودلال تعود إلى الفترة الفينيقية وجدت في منطقة لالهم، وكذا قطعة خشبية في الكيتاني، يرجح أنّها تعود إلى أسطول فينيقي. وأضاف أنّه يمكن معرفة عدد سكان القصبة من خلال مساحة الجامع الكبير الذي شيّد في القرن الحادي عشر، كما بني مسجد سيدي رمضان على أنقاض القصبة البربرية، ليتم توسعة القصبة وتحصينها من طرف بلكين بن زيري بن مناد.

وأكّد المتحدّث حفاظ القصبة على وحدتها العمرانية وأسوارها وأزقتها، من خلال الحسبة التي أوكلت إليها مهمة مراقبة تشييد المساكن سواء كانت بيوتا أو قصورا، فبنيت جميعها وفق معايير إسلامية مثل تخصيص وسط الدار وقنوات داخل الجدران يمرّ منها الماء من الأعلى الى الأسفل والجب وسقف مفتوح لكي تتنفس الدار ولا تتعرّض للاهتراء. علاوة على تميّز شوارعها وأزقتها وأسوارها وبروجها، وحتى خندقها للماء الذي كان موجودا في باب الواد وأطلق عليه اسم "واد المغاسل".

وتابع أنّه أطلق على الجزائر تسميات عديدة مثل ايكوسيم، ايكوزيوم، البهجة، الجزائر البيضاء، المحروسة، كما كان لها قسمان، العليا والسفلى التي يطلق عليها اسم لوطا، التي قضت فرنسا عليها ولم تترك بصمة منها إلا القليل جدا. كما كانت مدينة محصنة وقوية ولها نظام دفاعي معقد. مؤكّدا قوّة الجزائر التي تعتبر أوّل دولة خرجت عن المركز من خلال الدولة الرستمية التي أسّست في تيارت ثم انتقلت إلى سدراتة، في حين قضت فرنسا على رموز الحضارة الإسلامية في الجزائر وبقيت نماذج قليلة في بعض المناطق مثل تلمسان وعنابة وقسنطينة.

أما الأستاذة صباح بعارسية، فقد تناولت في مداخلتها تاريخ القصبة قبل الاحتلال الفرنسي، كما تحدّثت أيضا عن الرحالة والعلماء الذين كتبوا عن القصبة مثل أبو عبيد الله البكري والإدريسي ومحمد بن حوقل وابن خلدون. وأضافت أنّ القصبة أصبحت مدينة القراصنة ويقصد من هذه الكلمة السباق وليس القرصنة في حدّ ذاتها، مشيرة إلى قوّة الجزائر في تلك الفترة حيث أصبحت مصدر رعب للسفن التي تعبر البحر المتوسط.

واستعانت المحاضرة بمعلومات استقتها من كتب هايدو الذي كان أسيرا في الجزائر وكتب أنّ الجزائر في القرن السادس عشر كانت تضمّ مئة مسجد ومصلى وزاوية تعرّضت جميعها إلى الهدم، أما عن سكانها فكانوا يتشكّلون من البلدية، اللاجئين الأندلسيين، القبايل، العرب، اليهود، الكراغلة والأسرى، بينما كانوا يتحدّثون اللغة العثمانية والعربية الدارجة والأمازيغية والفرنكا وهي لغة مختلطة، لتشكّل الجزائر طيلة ثلاثة قرون، مسرح صراع بين الإسلام والمسيحية، وقد عرفت ازدهارا بتدفّق بضائع القرصنة التي تحوّلت إلى هيئة رسمية تبنّتها السلطة الحاكمة.

بالمقابل، تطرّق المهندس نصر الدين مخلوفي إلى خصائص العمران في القصبة في العهد العثماني، فقال إنّ الجزائريين لم يكونوا يعيشون في خيم قبل الفترة العثمانية بل كانت لديهم مساكن عرفت تحسّنا وتمازجا بالهندسة العثمانية بعد دخول العثمان إلى الجزائر والذين شيّدوا مساجد وقصورا ببصمتهم الخاصة. كما قدّم مقارنة بين بيت من القصبة وآخر من البورصة بتركيا، فقال إنّ الأول مبني من طوب الطين وله وسط دار بسقف مفتوح بفعل الجو المعتدل للجزائر، في حين أنّ الثاني مبني بالخشب والبيزي، وسط داره مغلق ولديه نوافذ كبيرة تطلّ على الخارج.

أما الأستاذ الياس عريفي فقد تحدث عن مشاركته في حفريات بساحة الشهداء، والبداية عام 1994 بمنطقة لالهم التي تم فيها اكتشاف أجزاء من دور تعود بعضها الى الفترات قديمة ومنها الفترة العثمانية، وكذا عام2013، في الساحة التي تحتضن حاليا المترو التي عرفت بدورها اكتشافات مذهلة.

من جهتها، قدمت الأستاذة عائشة حنفي محاضرة حول اللباس والحلي في مدينة الجزائر، فقالت إن المرأة الجزائرية كانت تخصص لباسا محددا لكل مناسبة، كما كانت تهتم بزينتها ولم يكن يخلو جسدها من حلي وان كانت فقيرة.

وأضافت أن المرأة الجزائرية مثلها مثل نساء شمال افريقيا كانت ترتدي الملحفة، ثم عرفت تغيرات في اللباس وفق الحضارات المختلفة التي مرت بالجزائر، مؤكدة ميلاد الشاشية في الجزائر ولكنها اضمحلت بعد دخول المحتل الفرنسي الى الجزائر. كما أن المرأة الجزائرية لم تعرف الذهب الا بعد الاحتلال الفرنسي في حين كانت تتزين بالفضة المرصعة باللآلئ والأحجار الكريمة. أما عن الحايك فقد ارتداه الرجل الجزائري قبل المرأة.