بعدما أصبحت العلاقة الأسرية مهدّدة بالإرادة المنفردة للزوجة

مختصون في القانون: الخلع حق أُريد به باطل

مختصون في القانون: الخلع حق أُريد به باطل
  • القراءات: 649
رشيدة بلال رشيدة بلال

أرجع مختصون في القانون تفاقم قضايا فك الرابطة الزوجية من طرف المرأة عن طريق الخلع، الذي أقره الدين واعتمده القانون في نصوص قانون الأسرة إلى التكنولوجيا وما حملته مختلف مواقع التواصل الاجتماعي من محتويات حولت هذا العقد المقدس في نظر النساء إلى مجرد عقد عادي يمكن لأي سبب كان أن يتم حلّه بالإرادة المنفردة للزوجة، وحسبهم، فرغم كون الخلع حق مشروع للزوجة تشتري عن طريقه حريتها في الحالات التي يستحيل فيها استمرار الحياة الزوجية أمام تعنت الزوج ورفضه الطلاق، إلا أن الكثير من النساء يلجأن إليه بطريقة مبالغ فيها، لفك الرابطة الزوجية لأتفه الأسباب وللحصول على حيّز من الحرية، الذي يمكنهن من القيام بما يرغبن فيه دون قيد ولا شرط، تبعا لما تروج له المواقع من أفكار غربية تحررية، الأمر الذي عزز مفهوم أن "الخلع حق أريد به باطل".

احتكت "المساء"على هامش زيارتها محكمة العفرون بولاية البليدة، بعدد من المحامين المختصين في قضايا الأحوال الشخصية، وعن رأيهم حول مدى تفاقم قضايا الخلع في السنوات الأخيرة، وأهم الأسباب وراء فك هذا العقد المقدس عن طريق الخلع، أوضح الأستاذ "محمد. ع" محامي معتمد لدى المجلس، بأن "المجتمع يعيش منذ سنوات أزمة حقيقية، في مفهوم الزواج عموما، إذ فقد الكثير من اعتباراته وأصبح مبنيا على النظرة البيولوجية والمادية فقط".

وحسبه فإن فك الرابطة الزوجية، خلال السنوات العشر الأخيرة، لا يعرف منحى تصاعديا فقط في قضايا الخلع، وإنما تسجل المحاكم يوميا أعداد كبيرة من قضايا فك الرابطة الزوجية بمختلف الطرق سواء بالطلاق أو التطليق أو الخلع. ما يعكس، حسبه، الارتفاع غير المسبوق في قضايا الأحوال الشخصية، مشيرا إلى أن قضايا الأحوال الشخصية كانت في وقت سابق، تبرمج لها جلستين في الأسبوع فقط.

وأضاف المحامي قائلا: "أما اليوم أصبحت قضايا الأحوال الشخصية مبرمجة على مدار الأسبوع، ما يعكس عدد القضايا الكبير، وأكثر من هذا أصبحت فروع الأحوال الشخصية تعرف ازدحاما أكثر من فروع الجنح والمخالفات. هذا من ناحية ومن جهة أخرى، واحد من الأسباب الهامة التي جعلت قضايا فك الرابطة الزوجية عن طريق الخلع يتفاقم خلال السنوات الأخيرة هو الفهم الخاطئ لماهية الخلع في حد ذاته".

وأردف المحامي: "يفترض أن الدين الإسلامي أقر الخلع لصالح الزوجة، لترجع إليه في حال ما إذا استحال عليها مواصلة الحياة الزوجية وتعنت الزوج ورفض الطلاق، غير أن ما يحدث للأسف الشديد، بعيد كل البعد عن هذا المفهوم وهو ما نشهده خلال جلسات المحاكمة، أين تطالب الزوجة بالطلاق لأسباب تافهة تعكس عدم رغبتها في الإبقاء على  عقد الزواج"، مؤكدا أنه من بين العوامل التي غذت رغبة المرأة في اللجوء إلى الخلع، بمجرد حدوث خلاف أو سوء تفاهم بينها وبين زوجها، تأثرها بما يعرض عبر صفحات التواصل الاجتماعي وما يروّج له المؤثرون من أفكار تحررية توهم المرأة بأن الرجل أصبح بمثابة العبء، وأنه يمكنها التخلي عنه لتعيش حياة مختلفة.

قبل اكتمال إجراءات الخلع ... زواج جديد

وذكر الأستاذ محمد بقوله: "لعل أبسط مثال على ذلك، أن بعض القضايا التي تم معالجتها كانت لنساء طالبن بالخلع، وعلى الرغم من أن القضية لا تزال سارية في المحاكم، نجدها تتهيّأ من أجل إبرام عقد زواج آخر، الأمر الذي يجعلنا نوقن بأن فك الرابطة الزوجية بالإرادة المنفردة للزوجة أصبح يستعمل بطريقة تخالف ما يفترض أن يكون عليه وما أقره الدين".

من جهة أخرى أشار المحامي "زكريا. ن" إلى أن تجربته الميدانية في التعامل مع قضايا الأحوال الشخصية جعلته يقتنع بأن الارتفاع المسجل في قضايا الخلع، مرجعه غياب الاستشارة العائلة"، شارحا ذلك بقوله: "كل زوجة ترغب في الانفصال عن زوجها تتخذ القرار بصورة منفردة دون تدخل أفراد العائلة، الذين في كثير من الأحيان يقفون إلى جانبها، وأكثر من هذا أصبحت الكثيرات وتحديدا العاملات يقمن بعملية حسابية بسيطة تنطلق من أن لها الحق في مبلغ الإيجار بحكم الحضانة، وكذا نفقات الحضانة، لتقرر إنهاء علاقتها الزوجية والتمتع على غرار ما تعتقد الكثيرات بالحرية التي غذتها مواقع التواصل الاجتماعي، وجعلت الكثير من النساء لا يتزوجن رغبة في بناء أسرة، وإنما يتزوجن لمجرد الزواج وينهين هذا الميثاق الغليظ بشراء الحرية عن طريق الخلع ما يجعلنا نوقن بأن عقد الزواج فقد الكثير من قدسيته بسبب الجهل بأهمية هذا الرابط المقدس".

من جهته يرى المحامي الأستاذ "سفيان. م" بأن قضايا الخلع عرفت منحى تصاعديا تحديدا منذ جائحة كورونا، حيث كشفت المرأة عن حقيقتها بكونها لا تصبر على الزوج، خاصة وأن الجائحة أثرت على الكثير من أرباب الأسر من الذين فقدوا مناصب عملهم، وتضررت أنشطتهم التجارية، الأمر الذي جعل بعض النسوة يقررن التخلي على أزواجهن.

ويوضح قائلا: "ما يعني أن الزواج لم يكن مبنيا على المودة والرحمة، وإنما على العامل المادي، هذا من ناحية، ومن جهة أخرى أسهمت التكنولوجيا في إقناع المرأة بضرورة تحررها بدليل أن بعض النساء، طالبن بالخلع وباشرن علاقات جديدة كما يجري الترويج لها عبر المواقع أو المسلسلات التركية خاصة"، مشيرا الى أن الزواج في السنوات الأخيرة أصبح عبارة عن ألفاظ يجري تداولها وفقد قيمته الشرعية، كميثاق غليظ، في نظر كلا الطرفين، خاصة المرأة التي أصبحت تستصغر عقد الزواج وبتشجيع من أسرتها لاسيما من طرف والدتها أو أخواتها. لافتا إلى أنه وقف مؤخرا في العاصمة، على تسجيل أكثر من 700 قضية تخص الخلع فقط في جلسة واحدة، وهو عدد قال إنه كبير جدا.

وفي السياق أوضح المتحدث بأن أسباب لجوء المرأة إلى الخلع، لم يعد بمني على أسباب حقيقية ومقنعة وإنما هي أسباب واهية تعكس نيتها في التخلص من شريك حياتها عن طريق استعمال هذا الحق المشروع، لافتا الى أن المرأة تتحمل مسؤولية تفاقم قضايا الخلع بسبب استعماله بطريقة عشوائية، وأكثر من هذا أصبحت تجد التشجيع من وسطها العائلي، مقترحا في هذا الإطار أن يتم تفعيل دور المجالس العائلية، في محاولة لإيجاد سبيل يضمن الحفاظ على عقد الزواج قائما قبل اللجوء إلى المحاكم، خاصة في حال ما إذا وجد الأطفال لحمايتهم من الآثار السلبية الناجمة عن تفكك الأسرة.