شعارات الثورة في الحراك

دليل آخر على تواصل الأجيال

دليل آخر على تواصل الأجيال
  • القراءات: 2943
استطلاع: رشيد كعبوب استطلاع: رشيد كعبوب

يتفق الأكاديميون والشباب وعموم الشعب الجزائري على أن توظيف شعارات الثورة التحريرية وبيان أول نوفمبر، في الحراك الشعبي، على امتداد المسيرات السلمية المتتالية، يعد ظاهرة صحية ومرجعية قوية ونموذجا حيا للتغيير والانتصار وتثمينا لرسالة الشهداء، الذين ضحوا بالنفس والنفيس من أجل إزالة حقبة استعمار مقيت، جثم على صدر هذه الأمة لأكثر من قرن وربع قرن من الزمن. ويرى محدثونا ومنهم أساتذة جامعيون، أن رفع الشعارات المرتبطة بالثورة، لها عدة دلالات، تصب كلها في كونها تؤكد أن الشعب الجزائري لا يرى الحل خارج الأطر التي رسمها قادة الثورة، التي انتصرت على أعتى قوة استعمارية.

لم تخلُ أي جمعة من جمعات الحراك الشعبي، من صور ورموز الثورة، ومبادئها المدوّنة في بيان أوّل نوفمبر، وأقوال أبطالها كالعربي بن مهيدي وديدوش مراد وغيرهما. ووجد المتظاهرون في رعيل الثورة قدسية النضال وروح الانتصار وقوة الإرادة رغم مصاعب التغيير، وتحديات الوضع، وكان الحديث عن ضرورة التغيير السياسي في كلّ المسيرات مرتبطا بعدم الخروج عن مبادئ نوفمبر التي ذابت فيها كلّ الخلافات والحزازات واتّفقت على هدف واحد هو هزم الاستعمار والتحرّر من هيمنته وجبروته.

وكان المتظاهرون، لاسيما الشباب منهم، الرافعون لشعارات الثورة ورموزها، يتوسمون الخير والسداد في مسيرة أولئك الأبطال الذين ـ حسبما كتبه أحد المتظاهرين ـ حرروا التراب في 1962، وأن المهمة، اليوم، في 2019، هي تحرير الشعب، وعبارات تقول: "جمهورية مدنية بمبادئ نوفمبرية"، وغيرها من العبارات، التي تؤكد مدى ارتباط الشعب الجزائري بثورته وماضيه العريق. 

الأستاذة يسمينة سعودي: بيان نوفمبر شحن الحراك وأعاد الاعتبار لأبطال الثورة

ترى الأستاذة يسمينة سعودي من قسم التاريخ بجامعة الجزائر 2 ببوزريعة أن بيان أول نوفمبر وشعارات الثورة أعطت حراك 22 فيفري شحنة للشعب الجزائري، وحرر العديد من القطاعات، حيث لاحظنا منذ بداية الحراك أن الشعارات التي كان يرفعها المواطنون، والمرتبطة بالثورة ومبادئها، كانت نبعا حقيقيا لبناء جزائر جديدة، تريد التغيير العميق، وللأسف لاحظنا بعد ذلك أن هناك من يريد أن ينحرف بهذا الحراك.

وتستدرك الأستاذة قائلة إنه رغم توظيف الثورة في الحراك الشعبي، إلا أن التاريخ الجزائري لم تعط له الأهمية الكبيرة، وأن معظم الطلبة لا يفهمون التاريخ، وأن هذا التخصص تراجع وتدحرج في المنظومة التعليمية الجزائرية، مستدلة على ذلك بكون التاريخ أصبح في ذيل الترتيب، وأن هذا مؤسف جدا. وترى المتحدثة أن العودة إلى التاريخ يجب أن تكون بغرسه في المنظومة التربوية، وكذا المنظومة السياسية.

وتتابع محدثتنا قائلة إن خروج الشعب بشعارات الثورة وبيان أول نوفمبر، هو إعادة الاعتبار للأبطال الذين ضحوا من أجل هذا البلد، وتذكير بأن هذا البلد لديه أبناء ضحوا من أجله بالنفس والنفيس، وأنه لا يخفى على أحد تلك القيم التي زرعتها الثورة الجزائرية، سواء على المستوى المحلي، الإقليمي أو العالمي، وكانت سببا في تحرير عدة أوطان، وهي قيم يجب ألاّ نتجاهلها، فالثورة الجزائرية التي فجرها الشعب الجزائري، وعلى رأسها الشباب آنذاك، استطاعت أن تقهر حينها القوة العسكرية الثالثة عالميا وهي فرنسا رغم عدتها وعتادها الفتاك.

ولا يمكن أن نتحدث عن الثورة الجزائرية من دون الإشارة إلى قيم التحرر التي غرست في جيل الأمس روح التحرر من العبودية والاستغلال، التي دامت أكثر من قرن وربع قرن من الزمن.

أكيد أن الجزائر مرت بعد الاستقلال بفترات عصيبة، سياسية واقتصادية، وهذا راجع، ربما لأن المسار السياسي للدولة لم يكن كما أراده بيان أول نوفمبر وقادة الثورة، ثم أتت انتفاضة أكتوبر 1988 التي فتحت للجزائريين حرية الممارسة الديمقراطية، بعد افتكاك الاستقلال من المستعمر في 1962، كون الجزائري يحب التغيير نحو الأفضل، ثم منعرج دوامة العشرية السوداء، لنجد أنفسنا بعدها بحوالي 20 سنة قد تأخرنا عن الركب، مقارنة بالدول الأخرى، خاصة الآسيوية التي أصبحت قوى اقتصادية كبيرة.

الدكتور محمد خيشان: ماضي الجزائر التاريخي خزّان حلول

قال الدكتور محمد خيشان بقسم التاريخ بجامعة بوزريعة إن توظيف رموز الثورة ومبادئ التاريخ في الحراك الشعبي يعد ظاهرة صحية، لأن: "الماضي خزان حلول"، وأن المواطنين المنتفضين، الذين رفعوا شعارات الثورة وقادتها في المسيرات الشعبية، إنما يريدون الاستلهام من بطولات الرعيل الأول، الذي ضرب أروع أمثلة البطولة. والقول بأنه مثلما استطاع أبطال جيل الثورة تغيير مجرى التاريخ والانتصار على جبروت واحدة من أعتى القوى العسكرية آنذاك، فإنه بالإمكان السير على خطاهم لتغيير الواقع الحالي نحوا الأحسن، مشيرا إلى أن غالبية الشعب الجزائر، الذي خرج في المسيرات المتتالية، يسير وفق هذه الرؤية لأنها نموذج حقيقي للنجاح والانتصار.

الطلبة: بيان أول نوفمبر مصدر قوة في الحراك

الشباب، وعلى رأسهم الطلبة الجامعيون، الذين يعدون من صفوة أبناء البلد، لا يحيد عن هذا التوجه العام، ويجمعون على أنهم يفتخرون ويتشرفون لكونهم أحفاد أولئك الأبطال الذين قدموا بالتضحيات الجسام، وحرروا البلاد من براثن الاستعمار.

وفي هذا السياق، أكد الطالب عبد الرؤوف محمد آكلي الذي وجدناه بجامعة بوزريعة، وهو المكلف بالإعلام في الرابطة الوطنية للطلبة الجزائريين، أنه من الطبيعي والأكيد أن الحراك ينادي دائما بدولة نوفمبرية، نرجع فيها لبيان أول نوفمبر المجيد الذي بنى معالم الدولة الجزائرية، وتوظيفه في الحراك والرجوع إليه إنما لكونه منبع قوة، وأنه يجب على كل فئات المجتمع التكاتف والتراص للخروج بجزائر آمنة وقوية.

وأكد محدثنا أن الثورة التحريرية رسخت المعنى الحقيقي للحرية والتضحية، وأن الشباب والطلبة سيكونون بقوة إلى جانب الجزائر في هذه المرحلة، التي نعيشها لنجسد معنى القوة والتكاتف من أجل جزائر حرة وآمنة وديمقراطية.