أمام للا مبالاة المصالح المعنية وعشوائية المواطن..

بيئة نظيفة حلم صعب التحقيق

بيئة نظيفة حلم صعب التحقيق
  • القراءات: 2402

نتج عن داء الكوليرا الذي تم محاصرته بالجزائر،  حالة من الخوف والهلع في نفوس المواطنين. ولعل من أهم  أثاره انتشار شيء من الوعي المجتمعي بأهمية العناية بنظافة المحيط، حيث سارع المواطنون والحركات الجمعوية وحتى الجهات المعنية بالنظافة إلى التكثيف من جهودها في محاولة جادة للقضاء على كل النقاط السوداء التي يمكن أن تكون مصدرا للأمراض والأوبئة، غير أن المفارقة التي  نعيشها اليوم أنه وبمجرد تراجع الداء والسيطرة عليه، عادت الأمور إلى سابق عهدها وكما يقال عادت ريمة إلى عادتها القديمة، وهو ما تعكسه النفايات المرمية هنا وهنالك بمختلف الشوارع و الأحياء،الأمر الذي جعل « المساء» تطرح عددا من الأسئلة على غرار :لماذا تظل النظافة آخر اهتمامات المجتمع؟ وهل نحتاج في كل مرة إلى وقوع كارثة حتى يتفطن  المواطنون لأهمية التقيد ببعض القواعد التي تجعل أحياءهم نظيفة كالتقيد مثلا: بمواعيد الرمي؟ ولما ذا نشعر أن الجهود المبذولة من الجهات المعنية في رفع القمامة لا تأتي بالنتيجة المطلوبة؟ ولماذا لا تقوم المصالح المختصة في كثيرمن البلديات بمهمتها ؟ و هل أن المواطن هو وحده المسؤولعن هذا الوضع أم أن هناك جهات معينة بالنظافة لا تقوم بدورها؟ .أسئلة وأخرى حاولت المساء من خلال هذا الربورتاج تسليط الضوء عليها والبحث في أسبابها.

إخراج النفايات على مدار الساعة

من خلال الجولة الاستطلاعية التي قادت المساء إلى عدد من بلديات العاصمة،اتضح اجتماعها في قواسم مشتركة يتمثل أولها، في أن النفايات موجودة طيلة اليوم في الوقت الذي يفترض فيه أن عمال النظافة قد قاموا بدورهم في الليل أو بوقت مبكر،غير أن ما رصدناه كان مغايرا،ما يعني بأن التحلي بثقافة التقيد بمواعيد الرمي تكاد تكون منعدمة وان المواطن  يلقي بنفاياته طوال اليوم، وهو ما يجعلنا نجزم بأن التخلص من منظر النفايات أمر مستبعد إن لم نقل أنه  أصبح «مستحيلا»، وهو ما سبق وان أكد عليه  والي الجزائر العاصمة عبد القادر زوخ، حيث أرجع في تصريح له لوسائل الإعلام  ذلك إلى الاعتماد على أكياس صغيرة سرعان ما تمتلئ مما يجعل إخراج النفايات المنزلية لا يتوقف طيلة اليوم ويؤثر بذلك على المنظر العام للأحياء ويعطي الانطباع بأن عمال النظافة لا يقومون بدورهم.

الرمي العشوائي  صعب التخلص منه

القاسم المشترك الآخر الذي يرتبط هو الآخر بغياب السلوك الحضاري للمواطنين يتمثل في منظر النفايات، حيث نجدها ملقاة في كل مكان وفي الغالب هي بقايا   قوارير المياه المعدنية بمختلف الأحجام و عبوات العصائر  البلاستيكية والكرتونية والمعدنية، إلى جانب  أكواب الشاي و أوراق التغليف مثل: أغلفة الشيبس والسجائر والحلويات والمثلجات، وهي نفايات عادة ما يسارع أصحابها إلى التخلص منها بإلقائها على الأرض رغم أن سلال المهملات موزعة في كل مكان.

ولا يقتصر الأمر على كبار السن فحسب،  بل حتى بعض الأطفال الذين أصبح تفكيرهم  ينطلق من فكرة أن ما يلقيه هو لن يكون سببا في تلويث البيئة، وهو ما جاء على لسان طفل دردشت معه المساء والذي أشار إلى أن كل ما رماه عبارة عن مغلّف حلوى وأنه  لن يكون سببا في تلويث البيئة بالنظر إلى ما تحويه من نفايات.

بينما يعتبر القاسم المشترك الأخير واحدا من أهم الأسباب التي ساعدت على انتشار بعض الأمراض الرمي العشوائي  للنفايات في كل مكان، وهو ما وقفت عليه المساء ببلدية واد قريش،  حيث نجد النفايات موضوعة بالقرب من الحاويات  غير الممتلئة، و أكثر من هذا  مبعثرة بسبب عدم إحكام إغلاقها الأمر الذي جعلها عرضة  للحيوانات الضالة، بينما يجري التخلص من نفايات أخرى برميها بصورة عشوائية في أي مكان  حتى وان كان ذلك بالقرب من مدرسة أو حديقة أو محل أو سوق.

تبادل التهم والضحية هي البيئة

حاولت المساء من خلال الاحتكاك بعدد من المواطنين بمختلف البلديات التي مسّها الاستطلاع، جسّ النبض عن سبب بقاء بعض الأحياء غارقة في النفايات رغم الجهود المبذولة من المصالح المعنية،فكانت إجاباتهم  في معظمها توجه أصابع الاتهام إلى المؤسسات المعنية  ممثلة في مصالح البلديات ومؤسسات حفظ الصحة . حيث أكد أغلب المستجوبين أن المواطن  يتحمل جزءا من المسؤولية في عدم التحلي مثلا بمواعيد الرمي، غير أن المسؤولية الكبرى تتحملها الجهات المعنية التي لا تقوم بدورها كما يجب، على حد قولهم، وبشهادة احد المواطنين الذي اشتكى تقصير عمال النظافة الذين يكتفون بجمع  النفايات بالشاحنات ويبقون المكان غير نظيف وسلال المهملات مقلوبة دون تكبد عناء إرجاعها إلى وضعها الصحيح وفي كثير من الأحيان يردف: ما تخلفه شاحنات جمع القمامة أثناء سيرها  أكثر بكثير مما تحمله ، و أكثر من هذا يعلق: في بعض الأحيان تسقط بعض النفايات  من الشاحنات في الشارع لا يأبه لها العمال”.وبالمقابل ينفي بعض عمال النظافة الذين تحدثنا إليهم ما يدعيه المواطنون، ويوجهون أصابع الاتهام إلى المواطنين الذين لا يقدرون حجم الجهد المبذول  لجمع ما يخلفونه من نفايات منزلية،الأمر الذي يوحي على حد قولهم بأنهم لا يقومون بعملهم على أكمل صورة، كأن يسارع البعض إلى تعبئة حاويات جمع القمامات دقائق فقط بعد تفريغها، وعلى حد قول محمد عامل نظافة  ببلدية الجزائر الوسطى المتهم الأكبر في قضية النظافة هو المواطن   بدليل أن النفايات  ترمى بضع خطوات عن الحاويات أو سلال المهملات خاصة ما تعلق منها بأكواب الشاي أو قوارير المياه المعدنية وعوض أن يكتفي العامل بتفريغ السلال،يقوم بجمع النفايات عن الأرض التي سرعان ما تجتمع مجددا بسبب غياب الحس البيئي”.   ويردف محدثنا انطلاقا من القاعدة التي تبناه اليوم حتى الأطفال كاين ألّي يرفد أوراه خالص عليها هي الأخرى أسهمت في تعميق الشعور باللامبالاة  التي جعلت عمال النظافة في قفص الاتهام”.

في حين أكد العامل ياسين ف أن ما يجعل الجهود  الكبيرة لعمال النظافة غير مثمرة تقصير المواطنين ووعيهم المناسباتي كما حدث مؤخرا بسبب داء الكوليرا، حيث شعر البعض من المواطنين بالخوف،  فسارعوا إلى تنظيم حملات نظافة لأحيائهم ما فتئت تتراجع بعد التحكم في المرض، يقول على غرار ما حدث في بلدية حيدرة،  حين سارع السكان إلى تنظيم حملة تحسيسية أشركوا فيها الأطفال خوفا من المرض،موضحا أن ما يرهن النظافة في مجتمعنا هو غياب الاستمرارية، فالزائر اليوم لبلدية حيدرة يقف مثل كل بلديات العاصمة على جملة من المخالفات التي تعكس ضعف الحس البيئي و عدم جدية الحملات التطوعية .

جمعية نظافة  لترقية المحيط  الحضاري وحمايته .... ربط العمل التحسيسي بالمناسبات  كشف ضعف الثقافة البيئية

يرى نائب رئيس جمعية نظافة   لترقية المحيط  الحضاري وحمايته  جمال باجوج،  أن الجهود المبذولة في سبيل الوصول إلى الحفاظ على المحيط نظيفا تظل دائما غير كافية  يقول بدليل ما نراه بالعين المجردة من أوساخ ومخلفات  تغزو كل الأماكن على غرار المدن والأرياف  والغابات و الشواطئ وحتى الجبال، كلها تجعل البيئة في خطر كبير ينعكس مباشرة على صحة الإنسان.

وبالمناسبة يشير إلى أن الاهتمام بنظافة المحيط ، حتى يفهم المواطن ، ليست مناسباتية و يقول:   و هو ما وقفنا عليه خلال  ما صاحب ظهور داء الكوليرا،حيث سارعت بعض  الجمعيات التي تقتنص الفرص للاصطياد في المياه العكرة بغرض الإشهار أو أي شيء آخر يختلف تماما عن المبادئ والقيم الاجتماعية التي من المفروض أن تتحلى بها هذه الجمعيات، إلى تنظيم حملات تنظيف سرعان ما انتهت، الأمر الذي يجعل الحديث عن النظافة  والبيئة حديثا ذا شجون،ويحتاج حقيقة الى تغير الذهنيات والاستمرار في العمل على مدار السنة.

من جهة أخرى، أكد محدثنا أن الجهود المبذولة من المجتمع المدني  رغم أنها ضعيفة إلا أن هناك نتائج ملموسة ساهمت في إظهارها  الجمعية،ويذكر على سبيل المثال النشاطات النموذجية التي قامت بها،حيث تركت بصمة لدى أفراد المجتمع وجعلتهم يتسابقون لتزيين أحيائهم ،وبالرغم من أنها وقتية إلا أنها أثبتت وجود ثمرة خير وصلاح داخل نفوس الشباب وحب الاستثمار فيها، مشيرا إلى أن  ضعف النتائج راجع إلى عدة أسباب أهمها: تهميش الجمعيات الناشطة وعدم إعطاء أولوية قصوى للبيئة،غياب الدعم سواء من المواطنين الذين يعتبرون الحلقة الأهم، إلى جانب تقصير السلطات، الجهل التام لمعنى العمل الجمعوي والتطوعي لدى شريحة واسعة من المجتمع، يردف الأمر الذي يجعل  تحقيق النتيجة المرجوة ممثلة في بيئة  نظيفة على مدار السنة أمرا صعب التحقيق، فضلا عن عدم تطبيق القوانين الخاصة بحماية البيئة.