"المساء” تستقصي خبراء وكالة تهيئة وجاذبية الأقاليم حولها

برامج تنموية واعدة للرقيّ بـ 57 بلدية حدودية

برامج تنموية واعدة للرقيّ بـ 57 بلدية حدودية
  • القراءات: 1015
رشيد كعبوب رشيد كعبوب

 جاذبية الأقاليم الحدودية مرتبطة بتلبية احتياجات الساكنة الأساسية

خبراء تهيئة الأقاليم: هكذا يتم إعداد الخطة التنموية للمناطق الحدودية

 الدولة بذلت جهودا كبيرة لفك العزلة في انتظار تجسيد خطة استحداث "مصادر الرزق"

استفادت 57 بلدية حدودية موزعة على 9 ولايات، من برامج تنموية واعدة، حظيت بعناية رئيس الجمهورية، بعضها وُضع حيز التنفيذ، وأخرى يجري استكمال الدراسات بشأنها؛ حيث تسعى الدولة من خلالها، حسب تأكيد خبراء تهيئة الإقليم، إلى ترقيتها، وإعمارها، وتثبيت ساكنتها، بما يحقق الرؤية الوطنية، الهادفة إلى تقليص الفوارق، وتحقيق مبدأ التوازنات الجهوية، والإنصاف الإقليمي، والجاذبية التي تمكن من توفير سبل الحياة، وتحدّ من النزوح نحو المدن.

ما هي الخطة التنموية التي تبنّتها الدولة لترقية المناطق الحدودية؟ وكيف تسير عملية إعداد الدراسات واللقاءات والمناقشات لمعرفة الاحتياجات الأساسية لسكان هذه المناطق "الحساسة"، التي تُعد "حاجزا بشريا" يتأثر بما يجري محليا، وبما يدور في الضفة الأخرى من حدودنا مع دول الجوار، سلبا وإيجابا؟ وهل تنتهي الأمور عند حد إعداد الدراسات من قبل الخبراء والمختصين، أم أنّ هناك متابعة ميدانية من قبل وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية، التي تشرف على تأطير هذه الاستراتيجية بالتنسيق مع كل القطاعات ذات الصلة؟ طرحت "المساء" هذه الأسئلة وأخرى على خبراء ومسؤولين بالوكالة الوطنية لتهيئة وجاذبية الأقاليم، منهم مديرة الوكالة سعاد اسكندر، والمدير التقني بالوكالة علي بن صديق، اللذان فصّلا ماهية قطاع التهيئة، وأهميته، وأسباب اهتمام الدولة بالمناطق الحدودية؛ باعتبارها واجهة البلاد نحو دول الجوار.

وحسب السيدة اسكندر، فإن الوكالة الوطنية لتهيئة وجاذبية الأقاليم التي تشرف على إعداد دراسات المناطق الحدودية بـ 7 ولايات من أصل 9، هذه الهيئة العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري، اكتسبت خبرة فاقت 30 سنة، وأُوكلت لها مرارا مهمة إعداد المخطط الوطني لتهيئة الإقليم، ومخططات أخرى جهوية وولائية وغيرها. وتمكّن إطاراتها، عن قرب، من معرفة نقاط القوة والضعف، واحتياجات المجتمع على اختلاف خصوصياته الطبيعية والبشرية، مشيرة إلى أن الوكالة تتطلع لترقية هذه الهيئة الحساسة، بتغيير نظامها القانوني الحالي (مؤسسة عمومية ذات طابع صناعي وتجاري)، ومنحها قانونا خاصا يصنفها كهيئة وطنية للرقابة التقنية، لكل ما يتعلق بدراسات تهيئة الأقاليم على اختلاف أنواعها الوطنية والجهوية والولائية، وإعطائها صلاحية التأشير على مطابقة الدراسات المتعلقة بمخططات تهيئة الأقاليم.

ويُعد مخطط تنمية المناطق الحدودية جزءا من المخطط الوطني لتهيئة الإقليم وتنميته المستديمة؛ باعتباره المرجع العام في تهيئة الإقليم؛ عن طريق توزيع التنمية على مختلف الفضاءات الوطنية، وإعمارها، ليضمن تهيئته وتنميته المستدامة؛ حيث يُعد المخطط الوطني لتهيئة الإقليم آفاق 2030، الأداة الرئيسة لتنظيم وشغل المجال الوطني. وتتفرع منه مخططات أخرى جهوية، ولائية وأخرى خاصة، سياحية وساحلية وغيرها.

هكذا يتم تحديد احتياجات سكان المناطق الحدودية

سألت "المساء" المدير التقني عن الطرق التي يتم بموجبها إعداد الدراسة، ومعرفة احتياجات الساكنة، فقال المتحدث: حينما تحصُل الوكالة على صفقة المشروع، ينتشر خبراؤها ومهندسوها عبر البلديات والولايات المعنية، لجمع كل المعلومات بالتنسيق والتشاور مع ممثلي القطاعات ذات الصلة، والمجالس المنتخبة والمجتمع المدني؛ حيث تناقش المؤهلات والمقدرات الاقتصادية لكل منطقة، وما هو موجود من هياكل عمومية وخاصة، فتشرّح مَواطن الاحتياجات الأساسية، وتشخّص النقائص في العديد من المجالات .وحسب نفس المصدر، فإن الدولة التي أنفقت الكثير من الأموال بهدف تحسين قطاعات الصحة والتمدرس والطرق، تأكدت أن هذا لا يكفي وحده ما لم يتم تطوير الجانب الاقتصادي للساكنة وتحسين معيشتهم. وهي النقطة المحورية التي تُبنى عليها الدراسات، والبرنامج المقترح.

ومن هذا المنطلق، أكد محدث "المساء" على ضرورة توفير نظام تحفيزي خاص بالمناطق الحدودية؛ سواء في الجانب الاقتصادي من حيث إقرار إعفاءات ضريبية على النشاطات التجارية والخدماتية، أو تحفيزات تخص الموارد البشرية من وظائف إدارية في قطاعات الصحة، والتعليم وغيرهما، واعتماد تسهيلات في تكوين وتوظيف أبناء المنطقة. وهي عوامل تحقق مبدأ الجاذبية، وتثبيت الساكنة في مناطقهم، وتحول دُون نزوحهم نحو المدن الكبرى.

هذه هي الخطة التنموية المقترحة للمناطق الحدودية

أوضح علي بن صديق المدير التقني بالوكالة المذكورة بشأن الخطة التنموية المقترحة للمناطق الحدودية، تستند إلى محاور كبرى مطروحة في هذا المجال، تتلخص في عدة نقاط أساسية رغم الاختلاف الطبيعي والبشري للسكان القاطنين؛ فمناطق الشمال تختلف عن الهضاب العليا وكذا الجنوب؛ سواء من حيث التضاريس، أو الموارد المحلية، أو التركيبة البشرية.

وحسب المسؤول، فإن النقاط التي تركز عليها دراسات تهيئة الإقليم، تمس، أساسا ترقية هذه المناطق من حيث توفير ظروف السكن، وهياكل التمدرس، والصحة، وفك العزلة... وغيرها.وفي هذا السياق، يعترف مسؤولو الوكالة بأن الدولة بذلت جهودا كبيرة خاصة خلال السنوات الأخيرة، بإنجاز العديد من الهياكل وشق الطرقات، وهو ما لمسته الساكنة، وشجع على إعادة إعمار المناطق المهجورة، لكن هذا، حسبهم، لا يكفي مادامت أسباب الاسترزاق قليلة أو منعدمة.

وتوصي الدراسات بضرورة التشجيع على استحداث مؤسسات صغيرة، لتثمين الموارد المحلية في الفلاحة، والسياحة، والصناعة التقليدية، خاصة إذا كانت المناطق تتوفر على مؤهلات تسمح بتطوير مشروع مهيكل (عمومي أو خاص)، من شأنه استحداث مؤسسات مناولة، تنتج ما يحتاجه المشروع المهيكل.

ويستدل السيد بن صديق بمثال عن فكرة المشروع المهيكل بالبلديات القريبة من منجم الحديد بتندوف، الذي يتطلب استحداث تخصصات تكوينية، ومؤسسات مناولة تلبي احتياجات المعمل، تنتج الثروة، وتوفر مناصب الشغل للساكنة، مما يحقق مبدأ الجاذبية.

وأكدت مديرة الوكالة سعاد اسكندر في هذا السياق، أن هناك مناطق توجد بها قدرات اقتصادية فلاحية، مثلما هي الحال في ولاية تبسة، التي اشتهرت في السنوات الأخيرة، باستحداث مؤسسات صغيرة تهتم بنشاط استخلاص الزيوت العطرية، منها زيت الضرو، وكذا ولاية سوق أهراس باستخلاص زيوت التين الشوكي، التي تُعد موادَّ مطلوبة بقوة في السوق الدولية، وهي نشاطات يمكن دعمها من قبل الدولة، وتكييف التكوين مع هذه النشاطات.

وذكر المسؤول التقني أن الدراسات توصي بضرورة العمل على استحداث نظام تشاوري بين البلديات الحدودية، لمناقشة الأفكار المشتركة، واقتراح حلول للمشاكل والتحديات، وفق خصوصيات كل منطقة. كما يتعيّن أن يكون هناك تقارب في مستوى التنمية لساكنة المناطق الحدودية للدولتين المتجاورتين، قائلا: "اقترحنا إعداد دراسات مشتركة مع دول الجوار لمعرفة متطلبات الساكنة، وألا تكون هناك فوارق تنموية كبيرة بين سكان الضفتين"، مشيرا إلى أن الجزائر خصصت في إطار سياسة التعاون مع دول الجوار، أموالا لتنمية المناطق الحدودية بهذه الدول؛ لتخفيف الفوارق، وتحقيق الأهداف المنشودة المرتبطة بالتبادل التجاري.