"المساء" تستنطق المختصين حول "صورة البطل في الشريط المرسوم"

بحث عن الخصوصية شكلا ومضمونا وحنين لأبطال رافقوا يوميات الجزائريين

بحث عن الخصوصية شكلا ومضمونا وحنين لأبطال رافقوا يوميات الجزائريين
  • 220
مريم. ن مريم. ن

تعد صورة البطل في فن الشريط المرسوم ركنا قارا غير قابل للغياب، على اعتبار أنه الشخصية المحورية التي تدور حولها الأحداث والملاحم والخوارق، فيكون البطل في أغلب حالاته، ذلك المغوار المدافع عن الحق والضعيف، أو ذلك الذي يتدخل في الوقت المناسب، ليجد الحلول لأزمات الآخرين. إذ ظل الجمهور الجزائري معجبا ومتابعا لمغامرات هؤلاء الأبطال، عبر مجلات وأفلام وكتب الشريط المرسوم، وظل بالمقابل، السعي لتقديم أبطال بملامح وخصوصية ثقافية جزائرية، يجد فيها الجزائريون ذاتهم المشتركة المطعمة بشتى الاهتمامات والقضايا. التقت "المساء"، بفناني الشريط المرسوم، منهم بعض الأسماء من جيل الرواد، ليبدوا آراءهم حول ضرورة صناعة بطل جزائري خالص لهذا الفن التاسع.


الرسام محفوظ عيدر: 

فخور بانتمائي لجيل الرواد

أشار المتحدث، إلى أن الشريط المرسوم كان ولا يزال وسيلة هامة للتعبير عن الهوية الجزائرية، خاصة بعد استرجاعنا للسيادة الوطنية، وتوقف عند التجربة الأولى، أي عام 1967، متحدثا عن سلسلة "نعار وحوريات سيدي فرج" للفنان الراحل محمد عرام (1934- 2020)، مع الإشارة إلى أن "النعار" هو البطل الذي يدافع عن الحق والخير، وبالفعل ـ حسبه- كان السعي دوما لإيجاد بطلنا الذي يحمل مقومات الشخصية الجزائرية، عوض الاكتفاء بـ"أبطال الآخرين المستوردة".

كما أوضح السيد عيدر، وهو من الرواد الأوائل لهذا الفن في الجزائر، أن الشريط المرسوم السائد حينها، اعتمد على كل ما هو جزائري من لباس (قشابية، سروال، تستيفة، العمامة، الحايك، الموستاش وغيرها" ولغة وهيئة وديكور (الأحياء الشعبية)، خاصة بالنسبة لبطل السلسلة.

تحدث الفنان الكبير عيدر، أيضا، عن فضل الراحل عبد الرحمان ماضوي (1925- 2013) في تأسيس مجلة مقيدش سنة 1969، وكيف كانت مشروعا جزائريا ناجحا، معبرا عن الهوية الوطنية، عوض الاكتفاء فقط بالشريط المرسوم الأجنبي، الذي كان سائدا حينها، خاصة الفرنكو بلجيكي والأمريكي.

قال السبد عيدر، أن جيله قدم ما بوسعه، ولقي التجاوب رغم قلة الإمكانيات، مستحضرا أسماء عرفها منها محمد عرام وأحمد هارون ومحمد مازاري ومحمد بوصلاح وسليم وسليمان زيغيدور وغيرهم، وظهر بعض هؤلاء أبطال لا زالوا في الذاكرة، خرجوا من عمق المجتمع الجزائري، وتكلموا باسمه وعبروا عن اهتماماته وتطلعاته ووثقوا يومياته، وصانوا ذاكرته، خاصة ما تعلق بثورة التحرير، ومن هؤلاء الأبطال، هناك نعار وقويدر وامبارك ومقيدش وريشة وجحا.

قال الفنان، إن من بين الشخصيات البطولية التي قدمها شخصية "عيشة وباندو" في مجلة "المنشار"، وكانت مغامراتهما تحمل إيحاءات سياسية واجتماعية، ثم شخصية "علي بترول" سنة 1982، بمناسبة كأس العالم بإسبانيا، وباع 50 ألف نسخة بمناسبة المونديال.

قال المتحدث، بأن ما يقدم اليوم، يكاد ينحصر في فن المانغا، وهذا ليس عيبا، لكن يجب أن تكون بشخصيات وأبطال جزائريين وليسوا أجانب، وأضاف "رأيت أن وجوه أبطال المانغا ليست جزائرية، ليس بها ملامح الجزائريين، فنجد مثلا، الشعر الأزرق، ونجد أن كل الشخصيات تتشابه، وأحيانا أخرى يكون الرسم جميل، لكن المضمون يفتقد للبطولة الجزائرية".

كما نصح الفنان جيل الشباب، بضرورة عدم الاعتماد فقط على المانغا، على حساب أنواع أخرى من الشريط المرسوم، وعدم التقيد فقط بخرافات مضمون المانغا، داعيا إلى ضرورة نشر مجلة خاصة بالشريط المرسوم في الجزائر، كما دعا الشباب إلى صناعة بطل جديد وبعقلية جزائرية، وليس كما هو جار اليوم، حيث يلاحظ الاستيلاب والولع بالغير وبثقافته، عكس الآسيوين، مثلا، الذين خدموا ثقافتهم وخصوصيتهم، وأبدى المتحدث أيضا، حرصه على الاهتمام بالجانب العلمي الأكاديمي، فالفن وحده لا يكفي إذا لم ينتبه الشاب لدراسته.

عن الشخصيات البطولية، قال إنه قدم الكثير منها، أغلبها تواكب الأحداث السياسية والاجتماعية الحاصلة، وهنا أشار إلى أنه ليس مهما أن يكون البطل خارقا، بل من الممكن أن يكون شخصا بسيطا، فمثلا، قد يكون رجل نظافة "زبال" للتحسيس بأهمية نظافة البيئة، وقد يكون له أيضا دلالات سياسية، كما أن هناك أبطال من التاريخ، منهم رايس حميدو أو "عمر الصغير"، أو مثلا، ما قدم مؤخرا حول "اتفاقيات إيفيان". ختم عيدر حديثه بالقول "أرسم البطل، ثم يتبناه الجمهور".


الفنان شاهين لعجوز:

البطولة بصيغة جزائرية

قال شاهين لعجوز لـ"المساء"، إنه قدم شخصية البطل الجزائري في فيلمه المصور وكتابه المرسوم "الريس حميدو"، واقترح بعض اللمسات الخاصة، كي يقربه أكثر من الشباب، فمثلا، قدمه مع حبيبته مريومة وما جمعهما من حوارات ساخرة أحيانا، وبلهجة جزائرية جميلة، كما اهتم بتصميم الملابس التاريخية، خاصة للبطل، لكن ليس بشكل صارم، بل جعل للبطل قصة شعر عصرية، وكانت له بعض التصرفات الطريفة، قصد تحاشي الصرامة في عرض الأحداث.

علما أن المنجز ليس كتاب تاريخ، وليس كتابا تعليميا (كسر الأسلوب التاريخي المحض)، بل هو فن هدفه تقريب تاريخنا للشباب، باستغلال هذا الفن بتقنياته، كما أشار إلى أنه في أعمال أخرى، قدم البطل امرأة، حيث اقترح مجموعة من ريسات البحر.

أشار محدث "المساء"، إلى أنه يجب مراعاة تفاصيل الشخصية البطولية، وعدم بترها من محيطها الاجتماعي والثقافي، فالقيم التي بنت هذه الشخصية لابد أن تثمن وتفعل في القصة، فالبطل ليس هو من يقفز ويحارب ويملك زمام الأمور، بل هو أيضا خصوصية وثقافة وانتماء، وإلا أصبح كل الأبطال نسخة واحدة مكررة. كما أبدى الفنان تذمره من البطولة الجاهزة غير المبررة، تدخل المشهد دون سابق إنذار، وتحدث أيضا عن البطولة التي تفرضها الظروف لمواجهة الصعاب، أو الظلم، وهو ما لا يعكس ما اعتاد عليه الجمهور، وهو "السوبر بطل".


رضا مناسل إعلامي ومهتم بفن الشريط المرسوم:

البطل يصنعه الفنان

تحدث الإعلامي رضا مناسل (رئيس تحرير القسم الثقافي بالقناة الإذاعية الثالثة سابقا)، عن مسار هذا الفن في بلادنا، مبديا إعجابه بتجربة الراحل عرام مع البطل نعار، وهي أول شخصية بطل جزائري بإيحاءات تاريخية وسياسية، تدين الإستعمار الفرنسي الذي هجم على الجزائر من جهة سيدي فرج، ليتصدى بكل بطولة للغزو.

بعده جاء أبطال آخرون، تناولوا قضايا اجتماعية من عمق الجزائر المستقلة، منهم سليم وبطله معاشو، الذي انتقلت شخصيته للإنتاج التلفزيوني أيضا سنة 1988، وكانت بمثابة نقد للراهن المعاش، علما أن الجزائر عرفت حينها انفتاحا سياسيا معتبرا، بعدها وخلال 20 سنة، تمكنت "المانغا" من الساحة الجزائرية، وفرضت ملامحها وتطبيقاتها، لكن ذلك لم يمنع ـ حسبه- الشباب، ومنهم رياض آيت حمو، من الاستلهام من جيل الرواد.

قال المتحدث، إنه معجب بأبطال محفوظ عيدر، منهم "السندبادالبحري" في الثمانينيات، والذي يعكس ظاهرة الحرقة. وكذا شخصية "علي بترول"، وهي مغامرات تفضح الرشوة في الوسط الرياضي. كما أبدى إعجابه بشخصيات أخرى لفنانين آخرين، منها "رجيول" الذي يغوص في مجتمعه، ويطرح التساؤلات. أكد المتحدث أيضا، على الخصوصية، موضحا أن أبطال الرسم البلجيكي ليسوا نفسهم في الأمريكي، بالتالي على الفنان أن يصنع بطله. 


الكاتب والفنان كمال بن طه:

تراثنا اعتمد على البطل الحكيم وليس على العضلات المفتولة

قال بن طه لـ"المساء"، إنه يفضل رؤية البطل ضمن الشريط المرسوم الجزائري "تيفغال"، معلقا "لدى فن المانغا والكوميكس أبطالهم ولنا بطلنا الجزائري".

وعن هذا البطل الجزائري، شدد على أن يكون من صميم تراثنا وثقافتنا، بعيدا عن فكرة الاستيراد و"الكوبياج"، موضحا أننا شعب اتسم أبطاله بالحكمة والتشبث بالأرض وبالمجتمع، مضيفا أننا لا زلنا متأثرين بـ"الكوميكس"، وعلينا التخلص من ذلك، ومن تعريف مفهوم البطل في المعاجم الأجنبية.

يرى المتحدث، أن البطل في الثقافة الجزائرية، هو "العاقل" والحكيم، وهو من يحدد مسار الأمور، وتطلب منه الاستشارة، علما أن لكل منطقة من مناطق بلادنا خصوصيتها في هذا الأمر، وهو ما زاد في إثراء الإبداع وتنوعه، فالتفكير الأصيل المستمد من الذات الجزائرية ـ حسبه ـ يوصل حتما إلى إيجاد بطولة خاصة بنا، عوض تبني بطل من كوكب آخر، يتم في غالبية الأمور بالعنف، علما أن ثقافتنا، كما يرى، لا تتسم بالعنف والاعتداء، بل هي بسيطة وثرية ومتنوعة، تحتاج ربما لبطل يجمع كل خصوصياتها.


أحمد هارون:

البطل بن راهنه

 أشار الفنان الكبير أحمد هارون، الذي كان اسمه أشهر من نار، على علم من أن أي رسام عليه أن يراعي مسألة أن يكون بطله ابن راهنه المعاش، كي يصل للناي، لأنه يعبر عنهم وعن واقعهم، وطبعا بأساليب مختلفة، علما أن لكل فنان أسلوبه الخاص المعتمد، كمثل الأسلوب الساخر الكوميدي والواقعي.

عن تجربته، قال لـ"المساء"، إنها بدأت في الستينيات مع الراحل مضوي، ليلتقي مع مجموعة من الزملاء، ويخوضوا تجربة جديدة ورائدة، بعد خضوعهم لتكوين من طرف رسام أجنبي، فكانوا الأفضل في إفريقيا بفضل إبداعاتهم، حينها "اخترع" كل واحد بطله الذي تميز بهويته الجزائرية وبلهجته ولباسه الجزائري الخاص، مضيفا "لاحظت أن شبابنا اليوم، متأثر بفن "المانغا"، وهذا ليس عيبا، بشرط ـ كما قلنا لهم ـ أن عليكم أن تثمنوا الروح الجزائرية لأبطالكم".