خبراء يتحدثون لـ "المساء" عن رداءة إنجاز المشاريع السكنية:

الغش باق ما لم تطبق الدولة حلولا وقائية

الغش باق ما لم تطبق الدولة حلولا وقائية
  • القراءات: 2866
رشيد كعبوب رشيد كعبوب

يقترح خبراء العقار والبناء والتعمير عدة حلول للقضاء على ظاهرة الغش في إنجاز المشاريع السكنية، تفاديا للمخاطر التي تهدد شاغليها، لاسيما المشاريع السكنية، التي طفت فيها مظاهر "الغش" على السطح، مما دفع بالحكومة إلى تشكيل لجنة مراقبة تتكون من عدة مراكز ومخابر تقنية وطنية، لتشخيص الظاهرة. في هذا الصدد، يؤكد المختصون على ضرورة إيجاد حلول وقائية وليست علاجية، وأن ذلك لا يتأتى إلا برؤية جديدة يتم من خلالها تتبع نشاط المتدخلين منذ منح المشروع إلى غاية تسليمه، ومساءلة الأطراف قبل وقوع الكارثة، مع إشراك الخبرات العمومية والخاصة في العملية.

ويرى من حاورناهم في الموضوع أنه، على الحكومة أن تجتهد حتى لا تقع مثل هذه التجاوزات في أشغال البناء والتعمير، التي ترتبط بحياة الناس وممتلكاتهم، ولا تقتصر على تعيين لجان تفتيش ظرفية تقوم بمعاينة الضرر في جهة معنية، وتتجاهل أخرى ستظهر عيوبها لاحقا، ويبقى الأمر على حاله حتى تفاجئنا كوارث لم تكن في الحسبان.

إشراك هيئات المراقبة في المسؤولية المدنية والجزائية

يرى الخبير الدولي في التراث المعماري، مصطفى معزوز، أن إنجاز المشاريع العمومية يخضع لمنظومة قانونية تضبط العملية من منح المشروع إلى غاية تسليمه، ويتطلب احترام المعايير والمقاييس المحددة من طرف كل المتدخلين، وأن أي اختراقات أو تجاوزات تترتب عليها متابعات مدنية وجزائية، في إشارة إلى ظاهرة الغش في الإنجاز التي أسالت الكثير من الحبر، ودفعت الحكومة للتدخل قصد إيجاد حل لها.

وعدّد الخبير معزوز أسباب الغش المستشري في قطاع البناء والتعمير بكونه يبدأ من اختيار الأرضية، مؤكدا أن العديد من المشاريع أنجزت على أرضيات غير صالحة، زادت في كلفة المشروع من خلال تجريف الأرضية ونزع الأطنان من الأتربة للوصول إلى الطبقة الصلبة، وصب كمية هائلة من الخرسانة المسلحة، مثلما حدث بالسويدانية غرب العاصمة.

أما العامل الثاني، فيتعلق ـ حسب الخبير ـ بنوعية مواد البناء من حديد وإسمنت وآجر، التي تكتشف نوعيتها بعدة عوامل طبيعية كحركة الأرض والبرودة والحرارة، التي تعد المخبر الحقيقي، لتأتي بعد ذلك كفاءة المقاولات والآليات المستعملة في الإنجاز، وكذا دور مكاتب الدراسات في متابعة الأشغال، ومديريات البناء والتعمير الولائية، وحتى مكاتب التعمير على المستوى المحلي.

وأضاف المتحدث أنه، إذا أخل أي طرف في أي مرحلة من مراحل الإنجاز بالمهام المنوطة به، وهي مراقبة الإطار المبني، تحسبا لأي غش لأنه سيظهر إن عاجلا أو آجلا، وحينها سيطال القانون طرفين اثنين وهما مكتب الدراسات ومؤسسة الإنجاز، المسؤولان مدنيا وجزائيا عن أي مشروع لمدة عشر سنوات، حسب نص المادتين 554، 555 من قانون الترقية العقارية، وتتعلقان بالتضامن في المسؤولية العشرية، التي بمقتضاها يخول القانون لرب العمل مساءلة المهندس المعماري والمقاول عن الأضرار المادية التي تصيب البناء وعن العيوب التي تهدده، ويلزمهما بالتعويض الجابر لهذه الأضرار.

في هذا السياق، يرى الخبير معزوز أن التضامن في المسؤولية المدنية والجزائية يجب ألّا يقتصر على هذين المتدخلين، بل يتعين إدخال طرف ثالث وهو جهاز المراقبة "سي.تي.سي"، الذي له دور مهم في العملية.

كما دعا محدثنا إلى عدم تهويل الأمور لأنه لا توجد دراسة إحصائية للبنايات التي طالها الغش، وعندما يتم تحديد نسبة الغش يجوز دق ناقوس الخطر، مقترحا إيجاد هيئة توفر بنكا للمعلومات يعهد إليها بتسجيل كل الأخطاء في الإنجاز وتحديد أطرافها.

هكذا يمكن القضاء على الغش

من جهته، أكد الخبير في العقار والهندسة المالية عبد الرحمن بن يمينة، أنه لمعرفة الخلل الموجود في الإنجاز، يجب تتبع العملية من منح المشروع إلى الانتهاء من إنجازه وتسليمه، ومعرفة مهام ومسؤولية الأطراف المتدخلة في الإنجاز، انطلاقا من صاحب المشروع إلى مكتب الدراسات ومقاولة الإنجاز وأجهزة المراقبة التقنية والمخابر المعتمدة التي تخضع للقوانين المنظمة لهذا القطاع والملزمة بالمقاييس الواجب احترامها.

لكن الواقع ـ يقول محدثنا ـ يؤكد أن الأطراف المتدخلة لا تحترم الشروط والإجراءات المطلوبة، بل الأخطر تغييب الدراسة، خاصة أمام ضعف المراقبة، أو إجرائها في ظروف استعجالية.

ويؤكد الخبير بن يمينة أن صاحب المشروع مسؤول عن احترام شروط تأمين وجودة المشروع، من خلال اختيار مكتب الدراسات وشركة الإنجاز المناسبة لحجم المشروع، كما يمكن لصاحب المشروع أن يضع شروطا للمتدخلين، ويقترح في هذا السياق استحداث خريطة تبين مستويات مكاتب الدراسات ومقاولات الإنجاز، كي نعرف كيف نتصرف في الميدان، وندرك ما إذا كان الأمر يتطلب إيجاد صيغ أخرى لاختيار هذه الأطراف، من خلال إشراك مكاتب وشركات أجنبية ذات خبرة، كما يرى محدثنا أنه يجب أن ينشئ أصحاب مكاتب الدراسات ومقاولات البناء "مجمعات" حتى تتظافر خبرتها لتجسيد المشاريع الهامة.

وبشأن قرار الحكومة الأخير القاضي بإنشاء لجنة مراقبة لمعالجة التجاوزات وعمليات الغش، قال الخبير بن يمينة، إنها استحدثت بعد أن بلغ السيل الزُبَى، منتظرا أن تحدد مكمن الخلل، وتطبق القوانين الردعية على المتورطين، وذلك بعد الاطلاع على محاضر منح المشاريع، وتحديد طبيعة مكاتب الدراسات والشركات المنجزة، ومحاضر تسليم المشاريع وغيرها، لمعرفة الحلقة التي أضرّت بالمشروع، على أن تضم اللجنة خبراء تقنيين وقانونيين وماليين، وفي مجال العقود، ويشرك فيها خبراء من القطاعين العام والخاص.