الدكتورة حورية جيلالي:
الثورة التحريرية حافظت على الهوية الجزائرية

- 2139

قالت الدكتورة جيلالي لـ "المساء": "تحل علينا الذكرى 67 لاندلاع الثورة التحريرية المجيدة، التي تُعد أهم وأعظم حدث في تاريخ الجزائر المعاصرة، والتي كانت فيها الجزائر مسرحا لعشرات العمليات المسلحة التي مست مراكز ونقاطا حساسة، نفّذها مئات المجاهدين الجزائريين، الذين لبوا نداء جبهة التحرير الوطني، التي ركزت في بيانها على إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية والاجتماعية ذات السيادة في المبادئ الإسلامية، وكان بيان الفاتح من نوفمبر يحمل مشروع دولة بأتم معنى الكلمة".
أضافت الباحثة بالمركز الوطني للبحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية "كراسك وهران"، أن بيان الفاتح من نوفمبر 1954 يُعتبر أحد أبرز وثائق الثورة التحريرية، ويمثل مرحلة مفصلية من تاريخ الجزائر بفضل مبادئه وقيمه ذات الأبعاد الإنسانية والحضارية. ولعل أبرزها مبادئ الحرية والعدل والدفاع عن حقوق الإنسان. كما كان لهذا البيان دور كبير في ترسيخ قيم ومبادئ وثوابت الأمة الجزائرية، مع التركيز على البعد الحضاري للبيان الجزائري. وتابعت: "استهدفت هجمات جيش التحرير الوطني مراكز حساسة للسلطات الاستعمارية في مختلف مناطق الوطن، على غرار الثكنات العسكرية، ومحافظات الشرطة، ومخازن الأسلحة، ومزارع المستوطنين، وتعطيل شبكات الهاتف، وحرق وسائل النقل، وتصفية بعض المتعاونين مع السلطات الاستعمارية، مع التركيز على دور الريف الجزائري في دعم الثورة بكل إمكانياته في ظل تمركز الكولون في المدن الكبرى".
ملف الذاكرة التاريخية يتصدر واجهة الأحداث
وتابعت مجددا: "ونظرا لأهمية هذا الحدث التاريخي فإنه يتم إحياء هذه الذكرى سنويا بتنظيم عدة فعاليات تاريخية وثقافية؛ كالندوات والملتقيات والأيام الدراسية، ناهيك عن الأنشطة الثقافية والفنية المخلدة لهذا اليوم التاريخي؛ تعبيرا من الجزائريين قيادة وشعبا، عن وفائهم للشهداء الذين ضحوا بأنفسهم لتحيا الجزائر حرة مستقلة”. واعتبرت الثورة الجزائرية إحدى المحطات التاريخية الهامة في تاريخ الجزائر المعاصر، بفضل تتويجها بالاستقلال، وانعكاساتها الإقليمية والدولية، ولا سيما في دفع حركات التحرر في إفريقيا وآسيا، مذلة بذلك الاستعمار الفرنسي، ومكبدة إياه خسائر مادية ودبلوماسية جسيمة، لعب فيها الشعب الجزائري دورا أساسيا، سواء كان ذلك داخل الجزائر أو خارجها، فقد احتضنها ودعمها، وآمن بها، ولعل أكبر دليل على ذلك تلك المظاهرات التي قام بها الجزائريون بفرنسا يوم 17 أكتوبر 1961؛ تعبيرا منهم عن دعمهم للثورة ووقوفهم إلى جانبها، ناهيك عن مظاهرات 11 ديسمبر 1960 ومختلف الإضرابات، التي عبّرت عن قوة الثورة، ومدى انغراسها بين مختلف شرائح الشعب الجزائري. كما أشارت إلى أن ذكرى اندلاع الثورة الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي، تمر هذه السنة في أجواء استثنائية بفعل التطورات السياسية المتلاحقة، وعودة ملف الذاكرة التاريخية لتصدّر واجهة الأحداث، وتصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون التي نقلتها صحيفة “لوموند” الفرنسية، وهي التصريحات التي لم تتوقف عند حد انتقاد النظام السياسي الجزائري، وإنما امتدت لتطال كيان الأمة الجزائرية وتاريخها.
وفي هذا الصدد قالت: “لا تخلو الأمة الجزائرية من خبراء ومفكرين تمتعوا بثقافة كبيرة ونظرة واسعة إلى الحياة السياسية؛ على غرار مولود قاسم نايت بلقاسم، وأبوالقاسم سعد الله، وعبد الله شريط، ومالك بن نبي وغيرهم، ممن اهتموا بتاريخ الجزائر وهويتها، في إطار النضال ضد الاستعمار الفرنسي، مع الإشارة إلى أن التاريخ أداة ووسيلة لغرس حب الوطن، وعامل هام في توطيد أركان الاستقرار في الدولة؛ من خلال غرس عوامل التماسك والارتباط بذلك الوطن بين المواطنين، وهو الحصن الذي نصد به الأكاذيب والادعاءات الاستعمارية حول تاريخنا”. وتشير هنا إلى أن الهوية الوطنية كانت مهددة من طرف السياسة الاستعمارية، الرامية إلى القضاء على كل مقومات المجتمع الجزائري؛ فقد سعى الاستعمار منذ بدايته لتبرير وجوده وسياسته بالجزائر؛ من خلال انتقائه الفترات التاريخية التي اهتم بها، والمواضيع التي عالجها. كما عمل على منع تدريس التاريخ في إطار التعليم العربي الحر؛ ما جعل مختلف المنظمات الوطنية (المدارس، الجمعيات والنوادي) تلجأ إلى التحايل على هذا القرار، بتدريسه تحت عناوين مختلفة مثل “دراسة المواريث”، و«دراسة مواقيت العبادات” أو دراسة تاريخ الإسلام، ثم تشجيع كتابة التاريخ الوطني، وهذا ما تميزت به، بالخصوص، جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
خصوم الأمس لايزالون يهاجمون الجزائر
ولمواجهة هذا الوضع قام الجزائريون فيما بين الحربين في خضم التحول الذي عرفته الحركة الوطنية في شكلها العصري وعلى أكتاف رجال الإصلاح، كما هي الحال بالنسبة لمبارك الميلي وتوفيق المدني، قاموا بمحاولة كتابة تاريخ يشمل كل الحقب؛ من العهد الفينيقي البربري القديم إلى غاية الفترة المعاصرة، مع تفضيل الارتباط بالشرق الإسلامي والطابع المغربي الإسلامي للجزائر؛ ردا على الإيديولوجية الاستعمارية التي اجتهدت في إيجاد أسباب الوجود الفرنسي، بإبراز الفترة الرومانية مع خصائصها اللاتينية والمسيحية، على حساب الفترات البربرية العربية والعثمانية؛ كعهود غابرة من الفوضى والاستبداد والانحطاط.
وهنا ترجع الدكتورة إلى ما كتبه المرحوم مولود قاسم نايت بلقاسم في كتابه القيّم “شخصية الجزائر الدولية وهيبتها العالمية قبل 1830"، "إن خصوم الجزائر بالأمس لازالوا يهاجمون الجزائر من هذه النقطة. إن الهجوم يقتضي بالضرورة الرد، بل بهجوم مضاد إن اقتضت الضرورة"، مع الإشارة إلى أن هذا الكتاب جاء ردا على إهانة الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان الجزائر في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين سنة 1975 عند تصريحه في المطار قائلا: "فرنسا التاريخية تحيي الجزائر المستقلة".
وأضافت أن وجود الجزائر ككيان ثقافي مميز وأصيل، ليس وليد اللحظة الاستقلالية، بل هو خلاصة تراكمات وتطورات عرفتها الجزائر أزمنة قبل الاحتلال الفرنسي؛ فالاهتمام بالتاريخ في نظر المؤرخين الجزائريين، مرتبط بمسألة الهوية الوطنية وبناء الدولة الوطنية، ومقابل حركة التغريب الاستعماري التي تقوم على نَفي مقومات الدولة والأمة في المستعمرات. وقد حاولت الثورة الجزائرية خلال فترة الكفاح المسلح، بعث الثقافة العربية، وربطها بمعارف العصر وعلومه، عن طريق إرسال البعثات إلى مختلف الأقطار العربية.وأكدت الدكتورة: "رغم كل محاولات طمس الهوية الجزائرية وتشويه التاريخ الجزائري، فإن الثورة الجزائرية بجيشها وجبهتها تمكنت من المقاومة والحفاظ على مقومات الثقافة الجزائرية"، وأكبر دليل على ذلك هو الفعاليات التي تقام عند كل مناسبة تاريخية، والتفاف الشعب الجزائري حول تاريخه وافتخاره به.