أطفئوا الأضواء.. أريحوا الأرض

- 5551

تشارك الجزائر، أمسية اليوم، مختلف دول العالم فعاليات أكبر تظاهرة إيكولوجية تحمل عنوان "ساعة للأرض"، في طبعتها الحادية عشرة على التوالي، وهو الحدث العالمي الذي يتم من خلاله تشجيع الأفراد والمجتمعات على إطفاء الأضواء والأجهزة الكهرومنزلية غير الضرورية لمدة ساعة من الزمن، لترشيد الاستهلاك والتقليل من المخاطر الناجمة عن الاستهلاك المفرط للطاقة. وقد اختير توقيت من الثامنة والنصف إلى التاسعة والنصف الذي ستشارك فيه السلطات وكل من الشركة الوطنية لتوزيع الكهرباء والغاز (سونلغاز) وولاية الجزائر والمقاطعات الإدارية والبلديات، ومركز تنمية الطاقات المتجددة والمجتمع المدني، على غرار جمعية "سيدرا"، علما أن الحدث تحت الرعاية السامية لفخامة رئيس الجمهورية.
"المساء" أعدت ملفا، تطرقت من خلاله لثقافة الجزائري حيال ترشيد الطاقة، وكيف يصف حدث "ساعة للأرض"، وهي المناسبة التي وصفها المختصون بالمثالية لإرشاد المواطن نحو الاستهلاك العقلاني للطاقة، وذلك بهدف حماية بيئتنا من التغيرات المناخية التي تهدد وجود الإنسان على الأرض، وإطلاق مشروع إضاءة عمارات العاصمة بالطاقة الشمسية.
ثقافة ترشيد الاستهلاك ... بين إدراك المقاصد واللامبالاة
تختلف وجهة نظر أفراد مجتمعنا حيال ترشيد الطاقة في المنازل، فهناك من يتبناها كثقافة عيش منذ سنوات، بل وتتوارثها العائلات أمّا عن جدة. وهناك من لا علاقة له بالترشيد ولا يدرك أهميته؛ سواء من جهة الاقتصاد في الطاقة أو حتى في المصاريف.
لمعرفة وجهة نظر المواطن في هذا الجانب قمنا بهذا الاستطلاع الذي مس فئات مختلفة من المجتمع.
أشارت العديد من السيدات وخاصة الكبيرات في السن اللائي تحدثن إليهن في الموضوع، إلى أنهن منذ سنوات خلت، يمارسن ثقافة الاقتصاد في استهلاك الطاقة على مستوى البيوت، إذ يحرصن على إطفاء الأضواء والأجهزة الإلكترونية غير الضرورية؛ حرصا على ترشيد الطاقة، ومنه تجنب تضخم فاتورة الكهرباء والغاز. تقول السيدة حفيظة ربة بيت (65 سنة): "تعلمت من والدتي، رحمها الله، الاقتصاد في البيت، فقد كبرنا على المثل القائل: "الاقتصاد في الكوزينة يعمل قصر في المدينة". ومنذ سنوات وأنا أحرص على المحافظة على مستويات الطاقة في البيت، خاصة حيال مصابيح الإنارة، حيث علّمت أبنائي ذكورا وإناثا الاقتصاد في استعمال الطاقة الكهرومنزلية، فكل واحد منهم يدرك جيدا أنه مطالَب بإطفاء المصباح في الغرفة التي لا يجلس فيها. ولا أخفيكم أن، على مر السنين، أصبحت هذه الممارسة بالنسبة لأبنائي عادة".
وأشارت سيدة في معرض حديثها معنا، إلى أنها تشعر بالأسف لما تشاهد الاستغلال السلبي للطاقة؛ سواء داخل منزلها أو خارجه، مشيرة إلى أنها كانت تتضايق في وقت سابق، عند مشاهدتها أعمدة الإنارة العمومية مشتعلة في ضوء النهار بفعل سوء البرمجة أو السهو.
الاقتصاد في استعمال الكهرباء والغاز والماء ثقافة تبنّاها الرجال أيضا، خاصة كبار السن؛ لاعتبارات عديدة، أهمها حرص الواحد منهم على أن تكون الفاتورة في المتناول، علاوة على نبذ التبذير، حيث أشار محدثونا إلى أن الطاقة نعمة لا بد من المحافظة عليها. يقول السيد زياني (أستاذ): "أحاول أن أكون مقتصدا وغير مبذر في حياتي عامة، فما احتاج إليه من مشتريات أقتنيه. كما أحافظ على الماء والغاز والكهرباء. وقد علّمت أبنائي أن يفتحوا الحنفية برفق، وأن لا يتركوا الماء يسيل في الفراغ. كما أوصيهم بإطفاء المصابيح بمجرد الخروج من الغرفة أو قضاء حوائجهم في المطبخ أو الحمام، ولا أسمح بتاتا بإبقاء المصابيح مشتعلة ليلا في الغرف الفارغة. كما عملت خلال سنوات، على تحسيس أبنائي بأن في اقتصادهم في استهلاك الطاقة منافع، حيث أشتري لهم بفوارق الفواتير هدايا بالتناوب، وفي كل مرة ينتظر أحدهم هديته بشوق، ويشارك الجميع في إيصالها إليه".
كما أشار آخرون إلى أنهم يمارسون ثقافة الاقتصاد في كل الأماكن وحتى في المكاتب التي يعملون بها، تقول السيدة ربيعة: "لا أحب التبذير واستهلاك الطاقة في الفراغ. شخصيا، أحرص على إطفاء الأضواء المشتعلة في المكاتب التي يخرج منها زملائي للعمل حتى لا تبقى مضيئة في الفراغ".
الاقتصاد فن عيش
ونبهت العديد من السيدات وحتى الفتيات إلى أن الاقتصاد في الطاقة فن عيش لا يدركه الكثيرون، فهناك من يغفل عن إطفاء المصابيح خاصة في الليل؛ مما يساهم في راحة العينين اللتين تحتاجان للراحة من الضوء بعد يوم شاق في العمل أو بسبب الجلوس لأوقات طويلة أمام شاشة الكمبيوتر، تقول السيدة نجاة /ع طبيبة عامة: "الكثير من الناس يجلسون لساعات طويلة أمام شاشة التلفزيون لمشاهدة الأفلام أو المسلسلات، ومنهم من يترك التلفاز مشعولا؛ لأنه ينام على صوته، ليطفئه بعدما يستيقظ في الصباح، وكلها ممارسات سيئة سواء من جهة استهلاك الطاقة في المنازل أو تأثيرها على راحة العينين والدماغ، فالعيون التي تتعرض كثيرا لضوء شاشة الكمبيوتر والتلفزيون تجف، وصحة العين تعتمد على مدى ترطيبها بالدموع، وأشعة التلفاز والكمبيوتر تجفف العيون؛ مما يسبب ضعف النظر على المدى البعيد. كما أن الدماغ الذي يبقى تحت تأثير المثيرات الحسية بفعل الأصوات المنبعثة من التلفاز، لا يعرف الراحة، إذ يجد الفرد نفسه في صبيحة ذلك اليوم مرهقا ورأسه ثقيل، وغالبا ما يدخل في شجارات مع أفراد العائلة أو العامة لأسباب هو يجهلها، لكنها تعود إلى عدم حصوله على القدر الكافي من الراحة".
"لم أطفئ المصباح يوما"
إذا كان هناك من يدرك أهمية الاقتصاد في الطاقة المنزلية ويمارسه في يومياته لا شعوريا بفعل التعود، فإن هناك، للأسف، من لا يهتم بهذا الجانب قطعا وخاصة الذكور، الذين يغفلون أو يتعمدون أحيانا ترك المصابيح مشعولة لأوقات طويلة في غياب الأهل عن البيت. يقول سمير 25 سنة الذي بدا متعجبا من سؤالنا: هل تقتصد في طاقة البيت؟ "صراحة لا أفعل، لا أذكر يوما أنني أطفأت المصباح بعدما أشعلته إلا إذا كنت سأخلد للنوم؛ لأنه يزعجني، وغالبا ما تشير إليّ والدتي بالفعل، لكني لا أعطي الأمر أهمية".
الآلات ومصابيح اقتصادية
أشار العديد من المواطنين وأصحاب المحلات الخاصة بالأدوات الكهرومنزلية، إلى ارتفاع درجة الوعي لدى المواطن الذي بات يطلب الأجهزة الاقتصادية، على غرار الثلاجات والسخانات وحتى المصابيح قليلة التوهج، التي يمكن أن تظل قيد الخدمة لأزيد من أربع سنوات، حيث أشار الكثير من محدثينا إلى مزايا المصباح المقتصد للطّاقة، والمتمثلة في استهلاكه خمس الطّاقة الكهربائية للمصباح العادي. وأشار أصحاب المحلات إلى الإقبال الكبير على الأجهزة الاقتصادية رغم غلاء سعرها مقارنة بالعادية، حيث يعرف قيمتها أصحابها بعد الاستعمال وخاصة مع وصول الفاتورة. وأشار مراد، صاحب محل للأدوات الكهرومنزلية بعين النعجة، إلى أن الكثير من الناس يغفلون عن إطفاء الأجهزة، على غرار التلفاز، الحاسوب والتي تبقى في حالة يقظة طيلة يوم واحد، كما لو أنها كانت قيد الاستعمال لمدة أربع ساعات.
وقد أوصانا نبيّنا بإطفاء المصابيح ليلا
أمرنا الحبيب مُحمد، صلى الله عليه وسلم، بإطفاء المصابيح في الليل، في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ بِاللَّيْلِ إِذَا رَقَدْتُمْ وَغَلِّقُوا الأبْوَابَ، وَأَوْكُوا الأسْقِيَةَ وَخَمِّرُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ". رواه البخاري
وبعد سنوات عديدة من البحث العلمي حول تأثير الضوء على الإنسان والبيئة، قال العلم صدق رسول الإسلام، فإظلام المصابيح إعجاز نبوي، يقي الإنسان وبيئته من التلوث الضوئي، الذي ينشأ من التعرض الزائد للضوء في الليل.
عمارات العاصمة ستضاء بالطاقة الشمسية
كشف نبيل رياش مستشار والي ولاية الجزائر والمكلف بالطاقة، في حديث خص به جريدة "المساء"، أن الولاية ستعمل قريبا على إطلاق مشروع إضاءة العمارات بالعاصمة بالاستعانة بالطاقة الشمسية، ذاكرا أن هذا البرنامج سيكون مشروعا نموذجيا لعاصمة "نظيفة"، تعمل وفق الطاقات المتجددة، ليتم تعميمها مستقبلا على بلديات أخرى بالعاصمة.
وسيعمل هذا المشروع، حسب المتحدث، على تطوير العاصمة؛ من خلال الطاقات المتجددة التي تجعلها منطقة "ذكية"، تعمل وفق نظام نظيف وصديق للبيئة.
في سهرة مؤسسة "فنون وثقافة" للكبار والصغار .. اُرسم لي الأرض
اختارت مؤسسة فنون وثقافة بولاية الجزائر المشاركة في فعاليات الحدث الإيكولوجي الذي ستعيشه الجزائر على غرار دول العالم لمدة ساعة؛ في صورة شكر للأرض في طبعتها الحادية عشرة على التوالي، هذا الكوكب الرائع الذي يحضننا.
وقد سطرت المؤسسة برنامجا ثريا انطلقت فعالياته منذ أسبوع، وشهدته مختلف فروعها والهياكل التابعة بالعاصمة، على غرار ميدياتك هراوة، معالمة والمحمدية، منها عروض للدمى حول موضوع التظاهرة وفن الاسترجاع. كما وُزعت على إثره مطويات وملصقات توعوية تحث على الاقتصاد في الطاقة وحماية الأرض على الكبار والصغار. كما كان للأطفال بمنتزه الصابلات حصة الأسد منها، خاصة أن الحدث تزامن مع أيام العطلة؛ حيث تعرّف الصغار على طرق المحافظة على البيئة وعلى الأخطار التي تهدد كوكبنا.
وقد أشارت فنون وثقافة في بيان لها تلقت المساء نسخة منه، إلى أن الهدف من إحياء "ساعة للأرض"، هو تشجيع الأفراد والمجتمعات على إطفاء الأضواء والأجهزة الكهرومنزلية غير الضرورية لمدة ساعة من الزمن، بغرض ترشيد الاستهلاك، ورفع درجة الوعي حيال كيفية توفير الطاقة، والتقليل من المخاطر الناجمة عن الاستهلاك المفرط للطاقة.
وتشهد فضاءات "فنون وثقافة" في سهرة اليوم على الساعة الثامنة والنصف ليلا، نشاطات ثقافية لصالح الأطفال تحت عنوان "ساعة للأرض"، وورشات رسم تحت عنوان "اُرسم لي الأرض" للأطفال والكبار. نبيل رياش مستشار والي ولاية الجزائر: الحدث يبرّر موقفنا إزاء التلوث البيئي
كشف نبيل رياش، مستشار والي ولاية الجزائر العاصمة والمكلف بالطاقة، أن الولاية ستطلق خلال الأيام القليلة المقبلة، مناقصة دولية من أجل إنتاج 4000 ميغاوات من الطاقة البديلة باستعمال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مشيرا إلى أن العمل وفق هذه المعايير، سيمنح الجزائر فرصة مواكبة العالم فيما يخص استعمال "الطاقة النظيفة".
وأوضح المتحدث أن هذا المشروع سيتابَع من طرف فرع "شركة الكهرباء والطاقات المتجددة" التابع لشركة سونلغاز المهتم بالطاقة المتجددة، الذي يعمل منذ خمس سنوات، في مجال الطاقات النظيفة، والذي قام بإنتاج إلى حد الساعة 400 ميغاوات في الصحراء عاملة بالطاقة الشمسية، لتطلق في الأيام القليلة المقبلة مشروع 4000 ميغاوات، وتدعّم هذه الوحدة بوحدات أخرى عبر كافة أرجاء الوطن.
وأكد مستشار الوالي أن هذا المشروع سيكون بالاستعانة بخبرات محلية وأخرى دولية، حيث سيتم تصنيع الصفائح الشمسية وعنقات الرياح ذات التصنيع المحلي، والهدف من هذا المشروع المتمثل في مزارع طاقات الرياح والطاقة الشمسية، حسب المتحدث، هو الاستثمار في مجال الطاقة النظيفة، التي تُعد مفتاح التنمية المستدامة في الجزائر، باعتباره مصدرا حيويا للمستقبل الطاقوي للبلاد، والضمانة الحقيقية لانتقال الطاقة، مشيرا إلى طموح محفز لاستعمال على أوسع نطاق، الطاقات النظيفة والمتجددة بدل الطاقات الأحفورية غير المتجددة، وضمان توفرها لفائدة الجميع وبأسعار تنافسية.
وفي هذا الصدد حدثنا نبيل رياش أن الجزائر تعمل على تحسيس مواطنيها والراغبين في إنشاء مؤسسات جديدة صغيرة أو متوسطة، بالتوجه نحو الاستثمار في الطاقات البديلة والاستعانة بها في مؤسساتهم وبيوتهم، مشيرا إلى أن مناسبة "ساعة للأرض" التي سيحتفل العالم بها اليوم، فرصة مثالية لنقل وتعميم تلك الثقافة.
وحول هذا أوضح المتحدث أن ولاية الجزائر ستواكب الحدث من خلال برنامج سينطلق من قاعة ابن خلدون على الساعة السادسة مساء، رفقة مجموعة من الأطفال الذين سيكونون في الموعد للاحتفال بهذه المناسبة واستغلال وجودهم لتحسيسهم وتوعيتهم بمدى إرشاد استهلاك تلك الطاقات التي يُستعمل لتشغيلها، الغاز الطبيعي، الذي يؤدي احتراقه إلى تلويث الجو، وبالتالي التسبب في التغيرات المناخية، ليتم بعد ذلك الاتجاه نحو البريد المركزي الذي ستطفأ أنواره، وكذا المجلس الشعبي الوطني، ومقام الشهيد، وقصر الثقافة، وفندق الأوراسي، والواجهة البحرية، وشارع زيغود يوسف، إلى جانب أكبر الشوارع بالعاصمة ومختلف المؤسسات العمومية. وحسب المتحدث ستكون هذه المبادرة رمزية فقط، من المنتظر أن تكون ذات صدى أكبر من السنتين السابقتين؛ حيث كان الاحتفال بها محتشما، الهدف من خلالها حث المواطنين على العمل بالمثل في بيوتهم وممتلكاتهم، لتقوم الجهات الوصية غدا بإحصاء الطاقة المقتصدة في تلك الفترة.
والهدف من إطفاء الضوء، حسب المتحدث، ليس إبقاء العاصميين في العتمة، بل سيكون حدثا، لا بد من مواكبة من خلاله، جهود العالم والدول المشاركة في حماية "الأرض"، كوسيلة لتبرير وقفة الجزائر إزاء هذا الموضوع الحساس الذي يهدد طبيعتنا، وبالتالي حياتنا على كوكب الأرض.