تيميمون: جوهرة الصحراء التي سقطت من السماء

واحات تشرق فيها الشمس كل مساء...و سياحة تبحث عن مستثمرين و مرافق إيواء

واحات تشرق فيها الشمس كل مساء...و سياحة  تبحث عن مستثمرين و مرافق إيواء
  • 5076
ربورتاج: نسيمة زيداني ربورتاج: نسيمة زيداني

تراجع عدد السياح بتيميمون لن يحول دون انطلاقة فعلية في القطاع السياحي بـ"الواحة الحمراء"، اعتبارا للمشاريع العديدة والمتنوعة المقرر إنجازها، بما فيها القرى السياحية التي أعطى وزير السياحة والتهيئة العمرانية والصناعات التقليدية، السيد عمار غول، إشارة انطلاقها مؤخرا، المنطقة ستفتح أبوابها للمستثمرين قصد تقديم مشاريعهم، بعد التسهيلات الإدارية الجارية، لما تملكه تيميمون من واحات وقصور قديمة موزعة بين كثبان الرمال، وتعرف بمغاراتها وكهوفها، وهو ما سنكتشفه في ربورتاج "المساء".

في رحلة برية استغرقت ساعات طويلة، انطلاقا من العاصمة، مرورا بالبليدة، المدية، حاسي بحبح، الجلفة، الأغواط، غرداية والمنيعة، وصولا إلى أدرار، على مسافة 1600 كلم طريقا، وعلى محطات متفرقة؛ كل محطة تتميز عن الأخرى بخصوصيتها الجغرافية وطقسها وملامحها، لنصل إلى عاصمة القورارة "تيميمون" أو "الواحة الحمراء"، كما يلقبها البعض. واحات النخيل التي تتوسط كثبان الرمال والصحاري ، جعلت من المنطقة مقصدا سياحيا مميزا، يفتتن بها الزائر الذي يجد بين مكونات هذه الطبيعة السكينة والهدوء. لكن ما شدّ انتباهنا وأقدامنا تطأ رمال "تيميمون"؛ غياب السياح الأجانب الذين طالما جعلوا من "الواحة الحمراء" قبلتهم في هذه الفترة من السنة.

[widgetkit id="34" name="تيميمون: جوهرة الصحراء التي سقطت من السماء"]


 

"الواحة الحمراء" موقع استراتيجي للاستثمار السياحي

حطت "المساء" الرحال بمدينة تيميمون التابعة لولاية أدرار، رفقة فريق من الصحفيين، يمثلون مختلف المؤسسات الإعلامية، حيث كان لنا شرف زيارة "عروس الصحراء"، كما تسمى، كونها تمتاز بطابع عمراني ومعماري فريد من نوعه، الشيء الذي دفع بالباحثين الفرنسيين في الفترة الاستعمارية، إلى تصنيفها على أساس أنها من الواحات الرائعة في العالم. وأنت تتجول في المنطقة، تلاحظ أنها واسعة وغنية وخصبة، تحيط بها من كل الجهات هضاب وتلال صغيرة ذات تربة حمراء، يوجد بها قصور قديمة آية في الجمال، وهي منطقة غنية بمنابع المياه الجوفية وتعد قبلة سياحية بامتياز، يقول الوالي المنتدب للمنطقة، السيد عون مبروك، الذي أكد أنها تشهد كل سنة توافدا كبيرا للسياح، نظرا للمناظر الخلابة التي تتمتع بها.

الوالي المنتدب يفتح الأبواب للمستثمرين

استقبلنا والي تيميمون المنتدب، رفقة بعض المسؤولين، بمجرد وصولنا حيث حظينا بكرم الضيافة، وهي الصفة التي يتميز بها سكان "الواحة الحمراء". فُتحت كل الأبواب لاستقبال الوفد وكانت لنا زيارة ميدانية تحت إشراف وزارة السياحة، للوقوف عند أهم المعالم السياحية الصحراوية التي تعمل السلطات المعنية على تطويرها مستقبلا أكثر فأكثر، حسبما أكده السيد عون مبروك. على هامش الجولة التي قمنا بها، وضع الوزير غول حجر الأساس لقرية سياحية بمنطقة تيميمون، وهذا يدل على تطوير النظرة البعيدة للقطاع السياحي، يقول عون، موجها دعوة لكل المستثمرين من أجا التقرب من  المصالح المعنية بهدف الاستثمار، واعدا إياهم بتقديم أيدي المساعدة ماديا ومعنويا لإعادة نهوض القطاع السياحي.

تراجع ملحوظ في عدد السياح المحليين والأجانب

أول ما لفت انتباهنا؛ الغياب التام للسياح في عز الفترة المناسبة لاستقبالهم، وحين استفسرنا عن الأمر، أكد الوالي المنتدب أن هناك تراجعا في عدد السياح الداخليين والأجانب مقارنة بالسنوات الماضية. وأشار الوالي إلى وجود نقائص تحول دون ذلك، دفعت إلى تراجع السياحة، منها النقص الكبير في وسائل النقل، لاسيما تلك التي لها علاقة بالخطوط الجوية الجزائرية التي تفتح رحلتين فقط في الأسبوع؛ يومي الأحد والأربعاء لفائدة السياح في اتجاه العاصمة – تيميمون وبسعر باهظ يصل إلى 20 ألف دينار جزائري. بالمناسبة، اغتنم السيد عون الفرصة لمطالبة السلطات المعنية بفتح خطوط جوية جديدة وتكييف الأسعار، لتشجيع السياحة في الجنوب وتمكين السياح من زيارة "الواحة الحمراء" والاستمتاع بسحر طبيعتها الخلابة، لاسيما أنها تستقطب مستقبلا قرى سياحية ومشاريع سياحية هامة.

الإعلام الغربي وراء تراجع السياحة بالجنوب

في حديث مع ممثل عن القطاع السياحي، السيد عبد الرحيم مولاي، أكد لـ "المساء"، أنه قبل العشرية السوداء، شهدت تيميمون ازدحام السياح من مختلف أنحاء العالم والجزائر أيضا، لكن نظرا للظروف الأمنية التي عاشتها الجزائر في التسعينات، عرفت المنطقة تراجعا ملحوظا في عدد السياح والسياحة بشكل عام. عودة الانتعاش بدأت مع سنة 2000، حيث بدا القطاع يشهد تحركا ولو طفيفا، من خلال دعم الدولة التي فتحت الأبواب لعودة السياح، عن طرق الإشهار بالتراث الصحراوي، وتيميمون تضم عددا هائلا من الهياكل السياحية التي تضمن إقامة للسائح من داخل أو خارج الوطن، يضيف مصدرنا. كما أكد السيد عبد الرحيم مولاي أن الإعلام الغربي يروج بتدهور الأوضاع الأمنية بالحدود الجزائرية، وهي المعلومة التي تستحق الاستدراك، لأن الأمن متوفر والسائح يحظى بالأمان، داعيا السياح الأجانب والمحليين إلى زيارة المنطقة وإنعاشها من جديد.

الهياكل السياحية جاهزة لاستقبال السياح

تتوفر تيميمون على العديد من الهياكل السياحية التي تضمن الراحة للسياح، منها فنادق حديثة وأخرى ترمز إلى تاريخ وأصالة السكان، أي تحتفظ بالتراث التقليدي المحلي، حيث يروي لنا مولاي أن "الواحة الحمراء" تقدم خدمات سياحية مختلفة؛ دينية، استجمامية وصحراوية وتضم 10 فنادق تعمل وفق رخص استغلال قانونية. وأشار إلى أن هناك مشاريع قيد الإنجاز وأخرى ستعطى إشارة انطلاقها لاحقا، بعد تمكين المستثمرين من الحصول على إتمام الإجراءات، في المقابل، طالب هذا الأخير بفتح خطوط جوية لازدهار السياحة الصحراوية وإمضاء نهاية الأسبوع، مثلا، في "الواحة الحمراء"٠ أسعار الحجز في غرف بعض الفنادق التي زارتها "المساء"، على غرار "جنان مالك"، "أخام"، "قورارة" مقبولة، حيث تترواح بين 5 إلى 8 آلاف دينار فرديا. وأوضح عبد الحليم أن الموسم السياحي يبدأ من 10 ديسمبر إلى 03 جانفي، يعني أن الهياكل لا تعمل طيلة السنة سوى في الفترة المذكورة، الأمر الذي يجعل المستثمر يضاعف من ثمن الغرف، مستغلا فترة العمل.

فندق "جنان مالك" يستحق الزيارة

ضمن البرنامج الذي وضعته وزارة السياحة في خرجتها الاستطلاعية، حظينا بزيارة فندق "جنان مالك" الذي أثار انتباهنا، لما يملكه من مؤهلات سياحية تجلب الزائرين، حيث يتوفر على 30 سريرا، إضافة إلى مرافق أخرى في مختلف الخدمات. فكرة إنجاز هذا المركب كانت في نهاية الثمانينات، بهدف سد النقص الكبير في الهياكل السياحية بالمنطقة، يقول صاحب المركب، السيد توفيق بوذراع، موضحا أن المستثمر يتخذ كل الإجراءات اللازمة لتحريك القطاع السياحي وجلب السياح، و"أنا شخصيا أعتمد على نفسي في كل شيء، رغم الصعوبات الجمة التي تعترض المستثمر"، كما يضيف. فسنة 2010 عرفت إقبالا سياحيا أجنبيا ووطنيا، لكن تراجع الإقبال بعد ذلك نظرا للظروف الأمنية، مشيرا إلى أن عدد السياح المسجلين في السنة الجارية قدر بألف جزائري عابر من 200 إلى 300 سائح دائم. كما قمنا بدراسة دقيقة لجعل ثمن الإقامة معقولا ونطالب بمساعدة من الدولة لتزويد الخطوط الجوية وتخفيض التسعيرة الباهضة التي لا تتناسب مع المواطن البسيط، صاحب الدخل المحدود.

"قورارة" و"أماسين" هياكل سياحية بامتياز

جولتنا الاستكشافية قادتنا أيضا رفقة وزير السياحة، السيد عمار غول، إلى فندق "قورارة" المتواجد بقلب مدينة تيميمون، هذا الأخير يتمتع بمؤهلات سياحية كبيرة، وينتظر تكاثف السياح عليه مستقبلا. والملفت للانتباه في هذا الفندق؛ نظافة المحيط والاستقبال الحسن بفعل موظفين أغلبهم من خريجي "معاهد تكوين الفندقة"، كما يجلب نظرك المسبح الجميل الموجود بقلب الفندق، والشيء الذي زاد من جماله؛ علو سطحه، حيث تمكنا من متابعة غروب الشمس من على حافة شرفه. وعلى نفس المنوال، وجدنا فندق "ماسين" الذي استقبلنا فيه بكرم عماله الذين قدموا لنا الشاي والمكسرات، وبوجوه بشوشة وضاحكة تركنا الفندق. 

‘’أخام" رمز من رموز "الواحة الحمراء"

تلقت "المساء" دعوة لزيارة فندق صغير يدعى "أخام"، فندق جذاب  يحمل طابعا محليا 100 بالمائة، ويرمز إلى أصالة وعراقة مدينة تيميمون، حيث ننصح السائح بزيارته لأنه يمثل تراث المنطقة. يحتوي على غرف للنوم نظيفة وبأسعار معقولة، وسطه عبارة عن "قعدة" تزينها لوحات فنية تروي حكايات مدينة تيميمون العريقة و"تجلب نظرك تلك التحف المصنوعة من الطين وأخرى عبارة عن صناعات تقليدية، لكل منها رمز يدل على تاريخ المنطقة. في مدخله، توجد خيمة أصيلة مخصصة للزوار والسياح، يستمتع السائح بطعم الشواء والشاي الذي يحضره صاحب الفندق الذي أكد لنا أنه يسهر على خدمة السائح والترويج لأشهر مأكولات المنطقة، لكن كل الأمل يبقى في التفاتة السلطات لاستقطاب السياح والتعريف بهذا الهيكل الأصيل.

الفن التشكيلي يطبع سكان "الواحة الحمراء"

الحديث عن أصالة أهل تيميمون والتعريف بتراثهم، يتطلب وقتا كبيرا للإلمام بكل التفاصيل واللوحات الفنية التي يصنعها مقران بوزيد، الذي استضافنا في بيته المتواضع، كفيلة بالتعبير عن أصالة وتقاليد عروس الصحراء بصفة عامة ومنطقة "القورارة" بصفة خاصة. مقران بوزيد الذي يقطن بقورارة منذ زمن بعيد، وهو ابن بلدية بئر خادم بالعاصمة، لم يجد من يساعده للترويج بلوحاته التي ترمز إلى عراقة المنطقة، بدليل عدم تحصله على "بطاقة الحرفي" التي لا يزال ينتظرها، لكن رغم هذه العراقيل، يشدد هذا الفنان التشكيلي على الاستمرار في الإنتاج وترويج اللوحات التي وجدناها في ورشته البسيطة، كل لوحة لها أبعادها الفنية، بعضها رمز لفرقة "أهاليل" المشهورة، إلى غير ذلك. وكان السيد عمار غول قد شدد سابقا، على دعم الهياكل السياحية بالمنتوج المحلي، لذا لابد من إعطاء أهمية للحرفيين والترويج للوحاتهم. 

‘’مخيم المعمورة" موقع هام يستهوي السياح

لم تفوت بلدية أولاد سعيد بتيميمون، الفرصة للكشف عن كرم الضيافة لديهم، حيث اغتنم رئيس البلدية، السيد عطاوات عثمان فرصة تواجدنا هناك لاستضافتنا بـ"مخيم معمورة" بتيميمون، الذي يبعد بحوالي 220 كلم عن مدينة أدرار، ويتواجد بين يغزر وأولاد سعيد، وهو من صنف نجمتين. هذا المخيم فتح أبوابه سنة 2001 ويتواجد في منطقة مميزة واستراتيجية تستهوي السياح الجزائريين والأجانب، لأن خلفه مباشرة يوجد "جبل المرسى" و"قصر فرعون" التاريخي الذي تم بناؤه بالطين الأحمر. يوفر المخيم لزبائنه الإقامة في الغرف، حيث يتسع لـ30 شخصا، يحضر وجبات تقليدية محلية معروفة في تيميمون، كما توجد وسط المخيم، خيمة كبيرة الحجم مخصصة للأشخاص الذين يرغبون في قضاء ليلتهم فيها. وكانت لنا سهرة هناك واستمتعنا بألذ الأطباق التقليدية، على غرار "الملفوف"، "الكسكسي" و"الحريرية"، بالإضافة إلى احتساء الشاي على أنغام "الأهاليل". 

بلدية أولاد سعيد تحتاج إلى هياكل سياحية جديدة

بلدية أولاد سعيد  تتربع على مساحة 664 كلم مربع، ويبلغ عدد سكانها 9 آلاف نسمة، أكد لنا السيد عطاوات عثمان أنها منطقة سياحية وكل عابر في اتجاه ولاية أدرار يقف عندها، لكنها تعرف أزمة في الهياكل السياحية. غير أن هذه المنطقة كانت تعرف في ماض قريب 4500 سائح محلي و850 سائحا أجنبيا، قبل التراجع الكبير بسبب نقص مرافق الإيواء، موضحا أن الأبواب مفتوحة أمام المستثمرين، حيث تمت الموافقة على إنجاز أربعة مخيمات في المنطقة في أقرب الآجال، إلى جانب مركب سياحي لإضافة مداخيل للبلدية الفقيرة ماديا.

مغارة "يغزر" وزاوية "الدباغ" حلاوة تيميمون

ضمن المواقع الأثرية والتاريخية التي كانت في برنامج الزيارات المخصصة للسياح بتيميمون، زرنا مغارة "يغزر" وزاوية "دباغ" التي كانت عبارة عن ثكنة عسكرية وقت المستعمر الفرنسي، يروي لنا ممثل البيئة بدائرة تيمركوك ورئيس مشروع المنطقة المحمية ومسؤول محطة القوافل، السيد  قدوري عبد السلام. وفي تاريخ 21 نوفمبر 1951، انهزم المستعمر الفرنسي في هذه المنطقة وسجلت عدة معارك بمنطقة "تيمركوك" التي تضم زاوية "دباغ"، بعد خروج المستعمر الفرنسي سنة 1962، بقيت الثكنة العسكرية التي أنجزت على مساحة 4 آلاف و176 مترا على حالها إلى غاية عام 2001. الثكنة العسكرية مبنية بطريقة القصور القديمة، اعتمادا على اليد العاملة المحلية والمواد الأولية المحلية، وأصبحت عبارة عن زاوية بعدما دشنها وزير السياحة السابق، السيد شريف رحماني.

غروب الشمس من عالم آخر في العرق

ومن بين الأماكن التي يزورها كل سائح يحل بتيميمون، يوجد "العرق" بالواحة الرملية مواقع للمراقبة والتمتع بغروب الشمس فوق الكثبان الرملية، حيث يوجد عرقان معروفان وهما؛ العرق الغربي من بشار- تندوف وعرق شرقي من ورقلة- المنيعة، ويقصده العديد من السياح. تجلب هذه المنطقة السياح من مختلف ولايات الوطن والعديد من العائلات التي تمتعت بمشاهدة غروب الشمس، يروي لنا البعض.

الفنان "حمدو" يستحق التفاتة السلطات المعنية

ختام زيارتنا لمنطقة تيميمون كان بطعم المسك، استقبلنا الفنان "حمدو" المشهور بالفن الراقي والكلمات المعبرة، وهو ما لاحظناه في سهرة أحياها على شرف الوفد "حمدو"، فنان بأتم معنى الكلمة، عند سماع نبرات صوته ينتابك شعور جميل، حين يحكي عراقة وأصالة المنطقة عزفا وغناء. الفنان حمدو محبوب جدا وسط أهله بـ"الواحة الحمراء"، كاتب وملحن وحنجرته من ذهب، من أشهر أغانيه؛ "ديما.. ديما"، "سامحيني يا بنت الناس"، "الله لا يزيد أكثر"، "الله يهديك يا السمرا" وغيرها، ينشط حفلات راقية في فندقه الذي يتمتع بمؤهلات سياحية كبيرة ويقصده الأجانب من كل منطقة.