بوضياف يبرز العلاقة الوثيقة بين محطات النضال الثوري
مظاهرات 8 ماي 1945 تعكس إرادة شعب يسعى إلى الحرية

- 2315

في 22 أوت 1961، كتب الفقيد محمد بوضياف، الرئيس الأسبق الراحل، وأحد أبرز القادة الفاعلين الذين فجروا الثورة العظيمة نصا. تطرق فيه للأسباب العميقة التي دفعت بمجموعة من الشباب المتحمس للكفاح المسلح إلى تفجير ثورة نوفمبر 1954، فبدأ شهادته التاريخية بالقول؛ "سيأتي اليوم الذي يتم فيه الاعتراف بكل المجازر، وهنا لن يمر تاريخ الفاتح نوفمبر مرور الكرام، بل سيبقى مقدسا إلى الأبد وسيستمر الاحتفال به، كونه يمثل انطلاق مسيرة تاريخية، كان لها أثر عميق في قارة بكاملها وأدهشت العالم بقوتها وفعاليتها ضد خصم تنتابه أفكار مشوشة تماما، جعلته يجازف بقيمه وتوازنه النفسي وتماسكه الوطني".
وتطرق بوضياف إلى الأسباب العميقة التي كانت وراء تاريخ الفاتح نوفمبر والأحداث التي تلته، مشيرا إلى أنه "في عام 1945، كانت بوادر هذه الثورة واضحة وضوح الشمس للملاحظ العاقل وغير المنحاز، لأن العلاقة بين أحداث ماي 1945 واندلاع الثورة في نوفمبر 1954 وثيقة جدا، بالتالي يتعين علينا أن نؤكد على هذه العلاقة لتفادي الوقوع في الخطأ الذي ارتكبه أغلب قادتنا السياسيين قبل الفاتح نوفمبر".
ولدى خوضه في العلاقة بين التاريخين، أشار بوضياف إلى أن "مظاهرات 8 ماي 1945 كانت تعكس إرادة شعب يسعى إلى الحرية، غير أن الاختلاف مع الفاتح نوفمبر يكمن في أن الشعب كان يعتقد عام 1945 أنه يمكن أن يستعيد حقوقه عن طريق وسائل سلمية، بينما سنة 1954 كان عازما على عدم الوقوع في الخطأ مرة أخرى واللجوء إلى الوسائل المناسبة التي من شأنها أن تواجه قوة المستعمر".
وذكر المتحدث في شهادته بأنه "على عكس ما كان منتظرا، وعوض أن تعزز مجزرة 8 ماي 1945 الوحدة الوطنية، تسببت في تشتت مؤسف لأحباب البيان والحرية الذين نجحوا في مارس 1945 للمرة الأولى، في جمع كل التوجهات في الجزائر، باستثناء الحزب الشيوعي الجزائري .. وسرعان ما تحقق هذا الانقسام عند فتح السجون في مارس 1946..".
ولا حظ بوضياف بأن "فشل الأحزاب السياسية التي شكلها شخص واحد أو مجموعة من الأشخاص، يرجع إلى عدة أسباب، لاسيما عدم معرفة الشعب وعدم القدرة على الاستلهام منه والمعارضات بين الأشخاص الذين لا يبالون بالأفكار والمبادئ، إضافة إلى التقدم السريع جدا لعمر الأحزاب السياسية في البلدان الفتية والنشيطة التي يسودها الغليان الثوري، ولا تستطيع أن تتأقلم بسهولة مع كل ما يمت بصلة لحالة الجمود".
كما أوضح الرئيس الأسبق للجزائر، بأن هذه الظروف التي زادها تعنت الإدارة الاستعمارية "بعد قمع سنة 1948 بمناسبة انتخابات المجلس الجزائري التي ميزها التزوير، وبعد ما سمي بمؤامرة 1950 التي كانت بمثابة التدمير الجزئي للمنظمة شبه العسكرية التي تم تكوينها برعاية حزب الشعب الجزائري وحركة انتصار الحريات الديمقراطية.."، أدت إلى حصول تقارب أول بين الأحزاب السياسية.. وكان هذا التقارب سببا في ميلاد الجبهة الديمقراطية التي كانت تضم حركة انتصار الحريات الديمقراطية والاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين والحزب الشيوعي الجزائري الذين كافحوا القمع معا".
غير أن هذا التقارب لم يدم طويلا، حسب صاحب الشهادة التاريخية، وعادت بوادر التفسخ من جديد، وشمل التدهور الأوضاع الداخلية للتشكيلات السياسية، ومنها حركة أنصار الحريات الديمقراطية التي عرفت أزمة أدت إلى انقسامها إلى فئتين، ناصرت كل منها توجها محددا، فبرزت بينهما مجموعة من الشباب الثوري، اختاروا عدم التأخير في التحضير للكفاح المسلح. ويذكر بوضياف الذي كان واحدا من هؤلاء الشباب المتحمس للثورة في اختصاره لتلك المرحلة بقوله؛ "كل الظروف كانت مهيأة ومجسدة في قوتين، شعب حافظ على مكاسبه الثورية الأسطورية التي تعززت بمعاناته من الاستعمار، ومؤخرا أحداث 8 ماي 1945، وساخط لما يحدث في حدوده وأصبح لا يثق إلا في الكفاح المباشر بالقوة والتصدي للقوة، ومن جهة أخرى، طليعة قومية مناضلة منحدرة من الشعب الذي كانت تقاسمه تجاربه اليومية ومعاناته، وعازمة على وضع حد لهيمنة استغرقت وقتا طويلا".
وأعاد أستاذ التاريخ محمد عباس بمناسبة الذكرى الخمسين لاندلاع الثورة التحريرية المجيدة نشر رسالة تاريخية بعث بها بوضياف من العاصمة السويسرية "برن" إلى الوفد الخارجي بالقاهرة في 29 أكتوبر 1954، تضمنت تشخيصا دقيقا للأوضاع التي سبقت تفجير الثورة وظروف إطلاقها وبشكل خاص الازمة السياسية التي مست جميع الأحزاب السياسية مطلع الخمسينيات وأبرزها أزمة حركة انتصار الحريات الديمقراطية، حيث ذكر بأن هذه الأزمة التي مكنت الجناح الثوري في نهاية المطاف من تحرير المناضلين وقيادتهم في معركة الشرف والحرية، اكتشف خلالها بوضياف ورفاقه أن فكرة "الزعيم" مصالي الحاج عن الثورة كانت "غامضة وبسيطة..".
كما تناول المؤرخ الأطوار الأخيرة لتحضير الموعد التاريخي وساعة الصفر للثورة التحريرية، وكيف تم تحديد موعد ثان لإعلان الثورة التي كان يفترض إطلاقها، في 15 أكتوبر، استنادا إلى ما كتب..
ويشير المؤرخ الذي يستند على رسالة بوضياف إلى أن الوضعية السياسية في الجزائر، في مطلع الخمسينات، كانت في حالة انسداد خطير، بسبب تطرف إدارة الاحتلال وإفراغ الإنتخابات من محتواها، بالإمعان في التزوير على أوسع نطاق، مثلما حصل في تشريعيات عام 1951، حيث لم يفز أي مرشح عن الأحزاب الوطنية الممثلة في حركة انتصار الحريات الديمقراطية والاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري.. وطالت أزمة الثقة العميقة الجماهير تجاه الأحزاب السياسية دون استثناء، لأنها كانت في حالة جمود، عاجزة أو مترددة عن تقديم طريق واضح لتحرير البلاد من الاستعمار، فيما كانت الجماهير واعية بحالها.. وازدادت أزمة الثقة حدة، بعد انطلاق الكفاح المسلح بكل من تونس والمغرب".
ويضيف المؤرخ أنه "في هذه الظروف السياسية المتأزمة، جاء مؤتمر حركة الانتصار في أفريل 1953 ليزيد الطين بلة"، وذكر في هذا الصدد بغياب الأصوات النادرة للجناح الثوري، على غرار بن مهيدي الذي كان متابعا من مصالح الأمن، فضلا عن تأثير القانون الأساسي الذي صادق عليه المؤتمر على الأزمة الكامنة بين الأمانة العامة برئاسة بن يوسف بن خدة وزعيم الحزب الحاج مصالي، "حيث لم تكن نتائج المؤتمر في صالح الزعيم، وتم الحد من صلاحياته بموجب القانون الأساسي الجديد، وإسقاط أهم أنصاره من تشكيلة المكتب السياسي، لاسيما منهم أحمد مزغنة ومولاي مرباح".
كما كان تطور الأزمة على هذا النحو وانعكاساتها في الشارع، حسب بوضياف، مثارا للألم والحسرة على صعيد الرأي العام الجزائري الذي كان لسان حاله يقول؛ "أتتخاصمون، بينما الأبطال الوطنيون في تونس والمغرب يبذلون دماءهم لتحرير بلادهم"؟. فدفعت هذه الوضعية مجموعة الستة التي ضمت إلى جانب محمد بوضياف؛ رابح بيطاط، العربي بن مهيدي، مصطفى بن بوالعيد، كريم بلقاسم وديدوش مراد، إلى الشروع في مطلع سبتمبر 1954 في مرحلة التحضير المكثف للثورة، وكان عليها أن تجد حلولا عاجلة لأهم المشاكل وضبط جملة من المسائل، منها واجهة الحركة الجديدة، مضمونها السياسي، التمويل، تاريخ الانطلاقة، وكذا تكوين وتسليح الأفواج الأولى لتكون في الموعد وغير ذلك..
وتطرق بوضياف إلى الأسباب العميقة التي كانت وراء تاريخ الفاتح نوفمبر والأحداث التي تلته، مشيرا إلى أنه "في عام 1945، كانت بوادر هذه الثورة واضحة وضوح الشمس للملاحظ العاقل وغير المنحاز، لأن العلاقة بين أحداث ماي 1945 واندلاع الثورة في نوفمبر 1954 وثيقة جدا، بالتالي يتعين علينا أن نؤكد على هذه العلاقة لتفادي الوقوع في الخطأ الذي ارتكبه أغلب قادتنا السياسيين قبل الفاتح نوفمبر".
ولدى خوضه في العلاقة بين التاريخين، أشار بوضياف إلى أن "مظاهرات 8 ماي 1945 كانت تعكس إرادة شعب يسعى إلى الحرية، غير أن الاختلاف مع الفاتح نوفمبر يكمن في أن الشعب كان يعتقد عام 1945 أنه يمكن أن يستعيد حقوقه عن طريق وسائل سلمية، بينما سنة 1954 كان عازما على عدم الوقوع في الخطأ مرة أخرى واللجوء إلى الوسائل المناسبة التي من شأنها أن تواجه قوة المستعمر".
وذكر المتحدث في شهادته بأنه "على عكس ما كان منتظرا، وعوض أن تعزز مجزرة 8 ماي 1945 الوحدة الوطنية، تسببت في تشتت مؤسف لأحباب البيان والحرية الذين نجحوا في مارس 1945 للمرة الأولى، في جمع كل التوجهات في الجزائر، باستثناء الحزب الشيوعي الجزائري .. وسرعان ما تحقق هذا الانقسام عند فتح السجون في مارس 1946..".
ولا حظ بوضياف بأن "فشل الأحزاب السياسية التي شكلها شخص واحد أو مجموعة من الأشخاص، يرجع إلى عدة أسباب، لاسيما عدم معرفة الشعب وعدم القدرة على الاستلهام منه والمعارضات بين الأشخاص الذين لا يبالون بالأفكار والمبادئ، إضافة إلى التقدم السريع جدا لعمر الأحزاب السياسية في البلدان الفتية والنشيطة التي يسودها الغليان الثوري، ولا تستطيع أن تتأقلم بسهولة مع كل ما يمت بصلة لحالة الجمود".
كما أوضح الرئيس الأسبق للجزائر، بأن هذه الظروف التي زادها تعنت الإدارة الاستعمارية "بعد قمع سنة 1948 بمناسبة انتخابات المجلس الجزائري التي ميزها التزوير، وبعد ما سمي بمؤامرة 1950 التي كانت بمثابة التدمير الجزئي للمنظمة شبه العسكرية التي تم تكوينها برعاية حزب الشعب الجزائري وحركة انتصار الحريات الديمقراطية.."، أدت إلى حصول تقارب أول بين الأحزاب السياسية.. وكان هذا التقارب سببا في ميلاد الجبهة الديمقراطية التي كانت تضم حركة انتصار الحريات الديمقراطية والاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين والحزب الشيوعي الجزائري الذين كافحوا القمع معا".
غير أن هذا التقارب لم يدم طويلا، حسب صاحب الشهادة التاريخية، وعادت بوادر التفسخ من جديد، وشمل التدهور الأوضاع الداخلية للتشكيلات السياسية، ومنها حركة أنصار الحريات الديمقراطية التي عرفت أزمة أدت إلى انقسامها إلى فئتين، ناصرت كل منها توجها محددا، فبرزت بينهما مجموعة من الشباب الثوري، اختاروا عدم التأخير في التحضير للكفاح المسلح. ويذكر بوضياف الذي كان واحدا من هؤلاء الشباب المتحمس للثورة في اختصاره لتلك المرحلة بقوله؛ "كل الظروف كانت مهيأة ومجسدة في قوتين، شعب حافظ على مكاسبه الثورية الأسطورية التي تعززت بمعاناته من الاستعمار، ومؤخرا أحداث 8 ماي 1945، وساخط لما يحدث في حدوده وأصبح لا يثق إلا في الكفاح المباشر بالقوة والتصدي للقوة، ومن جهة أخرى، طليعة قومية مناضلة منحدرة من الشعب الذي كانت تقاسمه تجاربه اليومية ومعاناته، وعازمة على وضع حد لهيمنة استغرقت وقتا طويلا".
وأعاد أستاذ التاريخ محمد عباس بمناسبة الذكرى الخمسين لاندلاع الثورة التحريرية المجيدة نشر رسالة تاريخية بعث بها بوضياف من العاصمة السويسرية "برن" إلى الوفد الخارجي بالقاهرة في 29 أكتوبر 1954، تضمنت تشخيصا دقيقا للأوضاع التي سبقت تفجير الثورة وظروف إطلاقها وبشكل خاص الازمة السياسية التي مست جميع الأحزاب السياسية مطلع الخمسينيات وأبرزها أزمة حركة انتصار الحريات الديمقراطية، حيث ذكر بأن هذه الأزمة التي مكنت الجناح الثوري في نهاية المطاف من تحرير المناضلين وقيادتهم في معركة الشرف والحرية، اكتشف خلالها بوضياف ورفاقه أن فكرة "الزعيم" مصالي الحاج عن الثورة كانت "غامضة وبسيطة..".
كما تناول المؤرخ الأطوار الأخيرة لتحضير الموعد التاريخي وساعة الصفر للثورة التحريرية، وكيف تم تحديد موعد ثان لإعلان الثورة التي كان يفترض إطلاقها، في 15 أكتوبر، استنادا إلى ما كتب..
ويشير المؤرخ الذي يستند على رسالة بوضياف إلى أن الوضعية السياسية في الجزائر، في مطلع الخمسينات، كانت في حالة انسداد خطير، بسبب تطرف إدارة الاحتلال وإفراغ الإنتخابات من محتواها، بالإمعان في التزوير على أوسع نطاق، مثلما حصل في تشريعيات عام 1951، حيث لم يفز أي مرشح عن الأحزاب الوطنية الممثلة في حركة انتصار الحريات الديمقراطية والاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري.. وطالت أزمة الثقة العميقة الجماهير تجاه الأحزاب السياسية دون استثناء، لأنها كانت في حالة جمود، عاجزة أو مترددة عن تقديم طريق واضح لتحرير البلاد من الاستعمار، فيما كانت الجماهير واعية بحالها.. وازدادت أزمة الثقة حدة، بعد انطلاق الكفاح المسلح بكل من تونس والمغرب".
ويضيف المؤرخ أنه "في هذه الظروف السياسية المتأزمة، جاء مؤتمر حركة الانتصار في أفريل 1953 ليزيد الطين بلة"، وذكر في هذا الصدد بغياب الأصوات النادرة للجناح الثوري، على غرار بن مهيدي الذي كان متابعا من مصالح الأمن، فضلا عن تأثير القانون الأساسي الذي صادق عليه المؤتمر على الأزمة الكامنة بين الأمانة العامة برئاسة بن يوسف بن خدة وزعيم الحزب الحاج مصالي، "حيث لم تكن نتائج المؤتمر في صالح الزعيم، وتم الحد من صلاحياته بموجب القانون الأساسي الجديد، وإسقاط أهم أنصاره من تشكيلة المكتب السياسي، لاسيما منهم أحمد مزغنة ومولاي مرباح".
كما كان تطور الأزمة على هذا النحو وانعكاساتها في الشارع، حسب بوضياف، مثارا للألم والحسرة على صعيد الرأي العام الجزائري الذي كان لسان حاله يقول؛ "أتتخاصمون، بينما الأبطال الوطنيون في تونس والمغرب يبذلون دماءهم لتحرير بلادهم"؟. فدفعت هذه الوضعية مجموعة الستة التي ضمت إلى جانب محمد بوضياف؛ رابح بيطاط، العربي بن مهيدي، مصطفى بن بوالعيد، كريم بلقاسم وديدوش مراد، إلى الشروع في مطلع سبتمبر 1954 في مرحلة التحضير المكثف للثورة، وكان عليها أن تجد حلولا عاجلة لأهم المشاكل وضبط جملة من المسائل، منها واجهة الحركة الجديدة، مضمونها السياسي، التمويل، تاريخ الانطلاقة، وكذا تكوين وتسليح الأفواج الأولى لتكون في الموعد وغير ذلك..