غابة كوندورسي بباتنة وجهة سياحية استهوت عشاق الطبيعة

قِبلة منتعشة بروائح الشيح والزعتر وإكليل الجبل

قِبلة منتعشة بروائح الشيح والزعتر وإكليل الجبل
  • القراءات: 4620
ع. بزاعي ع. بزاعي

تُعد الطبيعة الخلابة المحيطة بمساحة الراحة "حملة" المحاذية لغابة كوندورسي ببلدية وادي الشعبة بولاية باتنة، قِبلة للعائلات والزوار الوافدين من مختلف البلديات والعديد من الولايات المجاورة، بالنظر إلى ما توفّره من جو مثالي للراحة والاستجمام. وتجد العائلات ضالتها في المجيء إلى هذا المكان الهادئ، والمعروف بأشجار الصنوبر الحلبي؛ بحثا عن الراحة والاستجمام، وللاستمتاع بالهواء المنعش المشبّع بروائح النباتات العطرية، خاصة الشيح، وإكليل الجبل، والزعتر البري التي تنساب بلطف كلما هبت نسمة خفيفة. وأصبحت القرية الصغيرة كوندورسي التي يقطعها الطريق المؤدي إلى مساحة الراحة حملة، تشهد حيوية لافتة منذ مدة، بفعل الوافدين على هذا المكان، يقول الشاب الجمعي حمو وهو يحاول إبعاد قطيع أبقاره عن الطريق.

والجميل - يضيف مرافقه بائع الشاي والفول السوداني المتجول، ساعد العمري، المعتاد على المكان وهو يعرض بضاعته على بعض المارة من أصحاب السيارات ـ أن "هذه الحركة يصاحبها انتعاش في بعض المهن الصغيرة، مما يبشر بآفاق واعدة لشباب المنطقة، خاصة أن الجهة أصبحت تستقطب الاهتمام كوجهة سياحية". فالإقبال - حسبه - لا ينقطع عن هذه المساحة الطبيعية التي يتنوع جمالها باختلاف فصول السنة كلما اشتدت حرارة الطقس، لتميُّزها بجو لطيف يميل إلى البرودة في أوقات الغروب. ويضيف ساعد العمري: "كل شيء هنا جذاب. وحتى أشعة الشمس المتسللة باحتشام بين الأشجار المعمّرة، ترسم في انعكاسها على الجسر الروماني العتيق، لوحة فنية، تزيد من شاعرية المكان". وما زاد في شهرة هذه المساحة التي تقع بحملة والتابعة للحظيرة الوطنية بلزمة، حسب ما ذكر مواطنون بعين المكان، هو، بدون شك، امتدادها إلى الطريق الجبلي الشهير بطريق أم الرخاء، الرابط بين مدينتي باتنة ومروانة، وسط غابة كثيفة، تُعد من أجمل ما تزخر به ولاية باتنة من ثروة غابية.

تنوّع بيولوجيٌّ وطبيعة خلابة تحبس الأنفاس

زائرُ ـ لأول مرة ـ مساحةَ الراحة بحملة، يدفعه الفضول إلى التوغل أكثر في الطريق الجبلي الغابي على اليسار بعد الجسر الروماني. كما يصاب بدهشة مما تكتشفه عيناه من تنوع بيولوجي، وطبيعة خلابة تحبس الأنفاس على طول الطريق المختصر، الرابط بين مدينتي باتنة ومروانة انطلاقا من حملة ببلدية وادي الشعبة على مسافة 28 كلم. أشجار الأرز الأطلسي المعمرة والباسقة على مد البصر، في تناغم من بداية الطريق بحملة، فعين كروش، وثنية القنطس، وصولا إلى أم الرخاء، وعلي النمر بالجهة الأخرى من مروانة وسط طبيعة عذراء؛ "وكأنها قطعة مهرَّبة من عالم الخيال!"، على حد تعبير حمودي زدام. وحسب المصدر، فإن الطبيعة الهادئة بهذا المكان الساحر، تستهويه وأفراد عائلته، مضيفا: "نعيد اكتشاف هذا المكان في كل مرة، ونجد متعة كبيرة في التجوال بين أشجار الأرز، وحتى ممارسة رياضة الركض".

أما السيدة ليلى نعمان التي كانت رفقة زوجها وأبنائها غير بعيد عن المكان وهم يلتقطون صورا توثق الذكرى على حافة طريق أم الرخاء وسط غابة الأرز الأطلسي الكثيفة، فقالت بأنها تفضّل المنتزهات الغابية عن ازدحام شواطئ البحر، وصخب المدن الساحلية. وأضافت: "هنا يجد الزائر الهدوء والسكينة. ويتأكد أن الاستمتاع بالعطلة الصيفية لا يتوقف على البحر فقط"، "لكن ما يحز في النفس" - تضيف المتحدثة - "هو خلوّ أغلب هذه المساحات الطبيعية التي تستقطب العائلات، من أبسط الخدمات؛ فالزائر يضطر لجلب معه ما يحتاجه". وقد ساهمت دوريات الدرك الوطني وأعوان الغابات التي تشهدها هذه الجهة، على مدار الساعة، وكذا حملات التحسيس المتواصلة من قبل بعض الجمعيات النشطة في المجال البيئي لفائدة الزوار، منذ حلول موسم الاصطياف، في جعل المكان آمنا على الرغم من أنه يقع بمنطقة جبلية نائية.

وتُعد مساحة الراحة بحملة، واحدة من العديد من المناطق بالحظيرة الوطنية لبلزمة التي يتوافد عليها الزوار من عشاق الطبيعة وهواة المشي ومتسلقي الجبال والتخييم، لكنها الأشهر بفضل المقومات التي تحتويها، ومنها، خاصة، كثافة أشجار الأرز الأطلسي، التي جعلت من هذا المنتجع موقعا فريدا من نوعه بالولاية، جديرا بالاهتمام والتثمين؛ لبعث سياحة جبلية مستدامة، على حد تعبير الكثير من زوار الموقع.

رهان على غابات الترفيه لإنعاش التنمية

تراهن السلطات المحلية بباتنة، على غابات الترفيه لإنعاش التنمية وتثمين هذه الثروة التي تقدر مساحتها محليا بـ 327 ألف و180 هكتار؛ بما يعادل نسبة 27 ٪ من مساحة الولاية، مما يجعلها الأولى وطنيا في هذا المجال. وتم لهذا الغرض خلال السنة الجارية 2022، إنشاء غابتين للاستجمام والترفيه بصدور قرار تحديدهما، حسب ما أكد المحافظ الولائي للغابات عبد المؤمن بولزازن، الذي أشار إلى استكمال الإجراءات القانونية بالنسبة للأولى، وهي غابة بوييلف ببلدية فسديس، ومنح رخصة استغلالها لمستثمر من باتنة، فيما فتُحت الترشيحات، مؤخرا، للاستثمار في الثانية، وهي غابة حرقالة ببلدية مروانة. وستتم تهيئة الغابتين، وإنجاز مرافق بداخلها للتسلية والترفيه بمواد صديقة للبيئة لفائدة العائلات وهواة الطبيعة، وفق دفتر شروط؛ للمحافظة على هذه الثروة، واستغلالها استغلالا أمثل، يضيف نفس المصدر.

وقد تم الانتهاء، مؤخرا، من دراسة مشروع غابة ثالثة، هي تيزغوين للاستجمام والتسلية بغابة الدولة أولاد فضالة ببلدية تازولت. وصادقت عليه مصالح المديرية العامة للغابات. وأُرسل إلى الوزارة الوصية. وتجري، حاليا، دراسة 12 مشروعا لغابات الاستجمام والترفيه عبر ولاية باتنة، بمساحة إجمالية تقدر وفق المصدر، بـ 2900 هكتار على مستوى المديرية العامة للغابات؛ بغية المصادقة عليها، قبل أن تحوَّل للوزارة الوصية لإصدار قرارات التحديد الخاصة بها. وكان والي باتنة السابق، أكد في عدة مناسبات، على أهمية تثمين الثروة الغابية بالولاية؛ من خلال استحداث غابات للتسلية والترفيه، من شأنها أن تساهم في فتح مناصب شغل لفائدة الشباب، وتبعث التنمية المحلية؛ من خلال إنعاش السياحة، خاصة الجبلية منها.