الاحتفال بمولد خير البرية في الأوراس

عادة مترسخة في عمق المجتمع الشاوي

عادة مترسخة في عمق المجتمع الشاوي
  • القراءات: 4426
بزاعي. ع بزاعي. ع

يرتبط إحياء المولد النبوي الشريف عند سكان الأوراس، بعدد من العادات الاجتماعية، التي تؤكد مدى تشبّثهم بقيم التضامن والتآزر التي يدعو إليها الدين الإسلامي. وتجري التحضيرات لهذا الموعد الذي يعد سنّة اجتماعية، وستجرى مراسيمه بعادات محلية وسط إجراءات الوقاية من فيروس كورونا؛ تنفيذا لبرنامج وزارة الشؤون الدينية والأوقاف؛ لكونه مناسبة دينية تجتمع فيها العائلات، وتتبادل الزيارات للاحتفال بها في أجواء الذكر والافتخار بمولد خير الأنام. 

تحضّر العائلات الأوراسية لاستقبال المولد النبوي الشريف وفق طقوس محلية متوارَثة عن الأجداد؛ إذ تعرف شوارع الولاية انتشارا ملحوظا لطاولات بيع لوازم الاحتفال، كما جرت العادة بالأحياء الشعبية وبـ "الرحبة" ببهو السوق المركزي، ومركزها الرئيس وسط المدينة، يعرض أصحابها مختلف أنواعها إلى جانب أنواع الشموع مختلفة الأشكال والألوان، والحناء والبخور التي تميز هذه المناسبة الدينية. ويقول أحد تجار الرحبة: "مع اقتراب موعد الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، يلجأ أغلب الشباب، سنويا، إلى تجارة المفرقعات؛ لأنها تدر عليهم أرباحا طائلة"، مضيفا أن أجود المفرقعات تتمثل في ما اصطُلح عليه من التسميات على هذه المفرقعات "الشيطانة، والوردة، والصاروخ". ولاتزال على رأس قائمة أجود وأقوى الألعاب النارية المطلوبة، في حين تظل المفرقعات من نوع "الزندة" ودوبل بومب" أكثر المفرقعات انتشارا بين الأطفال.

وتحرص منطقة الأوراس المتمسكة بتقاليدها المعروفة للاحتفال بهذه المناسبة على غرار باقي مناطق الوطن، على إبراز مظاهر حب الرسول، وإجلال شخصيته في نفوس المسلمين؛ إذ يمثل هذا اليوم عند العائلات "الشاوية"، طابعا دينيا واجتماعيا. وتلتقي، بالمناسبة، الأسر فيما بينها؛ لما لذلك من دور في ترسيخ الروابط والأواصر، والتمسك بالتقاليد الأوراسية الأصيلة، والتشبث بالقيم لتقتدي بها الناشئة؛ إذ ترتبط المناسبة بعدد من الطقوس التي دأبوا على ممارستها، والتي تؤكد مدى تمسّكهم بالدين الإسلامي الحنيف، وتشبّثهم بقيمه السمحة. وتتنوع مظاهر الاحتفال بهذه الذكرى بين مجالس العلم، وتلاوة القرآن الكريم، وقراءة المدائح الدينية، والأذكار، وسرد السيرة النبوية الشريفة. ولعل أبرز مظاهر الاحتفال بهذه المناسبة، التوجه إلى بيوت الله برفقة الأطفال، وإحياء ليلة الذكر، بما يليق بها؛ من خشوع وإجلال روحاني لذكرى مولد سيد العالمين وخاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، إلى جانب المشهد الذي يشكله الأطفال بالشوارع والساحات العمومية؛ في مواكب مضيئة لشموع تثبت على ألواح في شكل مقود، تثبت عليها علب بعض المصبرات، وتحدث التي تنار بها الشموع. كما يقومون بإشعال المفرقعات إلى ساعات متقدمة من الليل في أجواء بهيجة.

إلى جانب ذلك، يرتبط إحياء المولد النبوي الشريف عند سكان الأوراس، بعدد من العادات الاجتماعية التي تؤكد مدى تشبثهم بقيم التضامن والتآزر التي يدعو إليها الدين الإسلامي. فهناك من المراسيم المحلية التي تقام قبل أسبوع، تتعلق بإعداد أطباق تقدم على مائدة الأكل؛ كالكسكسي والشخشوخة، إلى جانب تحضير أكلة العصيدة، وهي عبارة عن أكلة تحضَّر من السميد المسقي بالزبدة والعسل، تقول عنها الحاجة مسعودة التي  التقيناها بالرحبة: "إن النسوة يكنّ في ذلك اليوم، منشغلات بتنظيف المنازل؛ ترقبا لحلول الليل لإشعال الشموع التي تثبت في زوايا المنزل بعدد أفراد العائلة، على أن يختار كل  شخص شمعته، ويضعها في فنجان".

وفي سياق ذي صلة بالموضوع، أكدت، من جهتها، السيد نادية زردومي، رئيسة نادي ماركوندا، الأوراس الشاعرة والكاتبة والمختصة في إعداد الأطباق التقليدية وفي تصاميم الخياطة، أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف تختلف طريقته من ولاية لأخرى، إلا أن هناك عدة  مظاهر تتميز بها الاحتفالات في كل الولايات، منها تبادل الزيارات للتهنئة. وأضافت أن المناسبة تجمع أفراد العائلة لتبادل التهاني مع الأقارب والأصدقاء مع تلاوة القرآن وتقديم الشاي والمكسرات للضيوف، بالإضافة إلى الحلويات التقليدية التي تُصنع في المنزل. ويتم إعداد مأدبة عشاء ليلة المولد، يجتمع حولها جميع أفراد العائلة والأقارب والأصدقاء. وتمتلئ المائدة بالمأكولات التقليدية، مثل "الرشتة" التي تحضَّر بالدجاج والبيض والخضروات، والكسكسي باللحم أو الدجاج، والشخشوخة".

وساد الاعتقاد أنه يتم، بذلك، ترتيب حالات الوفيات في العائلة تبعا لترتيب زمن انطفاء كل شمعة. كما إن الحناء والبخور يكونان حاضرين؛ فقبل غروب الشمس تحضّر النسوة الفحم في أوان طينية (كانون) أو نحاسية، وتضع فيه قليلا من البخور؛ ما يُعرف في المنطقة باسم الجاوي الذي يطلق رائحة مميزة بعد تمريره على زوايا المنزل؛ تبركا بمولد خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم تسليما. ومع التطور التكنولوجي الذي أحدثته الثورة الرقمية يتبادل الناس تباريك الاحتفال بالمولد النبوي الشريف عن طريق التواصل الاجتماعي؛ من خلال بطاقات تُنشر، وصور مظاهر الاحتفال في الطرقات والأماكن العامة والبيوت.