قمة "تاقطيوت" بولاية بسكرة تتطلع للخروج من الظل

المشروع "الحلم" لابن المنطقة في مواجهة مشكلين رئيسيين

المشروع "الحلم" لابن المنطقة في مواجهة مشكلين رئيسيين
  • القراءات: 1427
روبورتاج: حنان حيمر روبورتاج: حنان حيمر

في مثل هذه الأيام التي يعيش المواطن فيها مسلسل كابوس كورونا الذي لا يعرف أحد متى أو كيف سينتهي، وفي ظل الحجر الصحي الذي يفرض نفسه على الجميع، لا شك أن الكثيرين اليوم يحلمون بقضاء يوم في الهواء الطلق، في مكان يمنح لهم الراحة ويكفل لهم استنشاق هواء عليل والتمتع بخضرة الطبيعة وبزرقة السماء وبأصوات الحيوانات البرية. مثل هذه الأماكن موجودة ببلادنا، لكنها تظل غير مستغلة لأسباب تتعلق بغياب أدنى شروط الحياة ولاسيما الطريق والكهرباء.

غياب التنمية عن بعض المناطق التي يطلق عليها اليوم "مناطق الظل"، لايعد خسارة للسكان المحليين فقط، وإنما للاقتصاد الوطني عموما. لان الثروة ومناصب العمل يمكن خلقهم أحيانا بأفكار بسيطة،تتطور بعدها لتصبح استثمارات كبيرة. فالأمر يشبه السلسلة التي تترابط حلقاتها شيئا فشيئا.

ذلك ما تعد به منطقة "تاقطيوت" التابعة لبلدية المزيرعة في ولاية بسكرة، والتي تضم إحدى أعلى القمم الجبلية في بلادنا، بعلو يصل إلى قرابة 1800 مترا. في هذا المكان المهجور اليوم إلا من راعي غنم وبعض الأحمرة البرية وقليل من الغزلان التي تظهر بين الفينة والأخرى وبعض القوارض، توجد فرص هامة لإعادة إحياء المنطقة وإخراجها من الظل إلى النور.

تحدي ابن المنطقة علي سراوي

هو التحدي الذي رفعه رجل الأعمال وابن المنطقة علي سراوي، الذي جعل من إعادة إحياء هذه المنطقة - النائية فعلا، لكن المليئة بالحنين من جهة والعامرة بالأحداث التاريخية من جهة أخرى- رهانا يعتزم إنجازه بأمواله الخاصة، بل وبدأ فعلا في تجسيده ميدانيا من خلال وضع أول لبنة في صرح مشروعه الطموح، الذي يعد من خلاله بإرجاع أبناء المنطقة إلى ارض أجدادهم وآبائهم،في مرحلة أولى، ثم جعلها منطقة سياحية في مرحلة ثانية.

ذلك ما أطلعنا عليه في رحلة حملتنا إلى هناك، بقدر ما كانت صعبة صعوبة الدروب الجبلية، بقدر ما كانت محملة بآمال وآفاق رحبة لإمكانية تغيير هذا القدر الذي لا يبدو محتوما، بالنظر إلى عوامل كثيرة. فتاريخ  هذه المنطقة من جبال الاوراس الذي يمتد إلى ألاف السنين، يحكي روايات عن الكاهنة وعن أحمد باي اللذين  استقرا هنا، وعن بطولات وأمجاد من استشهدوا وجاهدوا  وحملوا لواء تحرير الجزائر من المستعمر الفرنسي،في سبيل استرجاع السيادة الوطنية، ودفعوا ثمنا غاليا، مازالت تظهر في الآثار المدمرة  لقنابل النابالم على الحياة النباتية.

كما يحكي التاريخ أن المنطقة كانت وجهة المختصة في الأعراق الفرنسية جيرمين تيون، التي أقامت بها خلال الثلاثينيات من القرن الماضي لإجراء دراسات اختفى أغلبها، دون أن تتم الإجابة عن عديد الأسئلة ولاسيما سبب اختيارها لهذا المكان من أجل إجاز بحوثها.

وسمح لنا طول الطريق من وسط مدينة بسكرة إلى "تاقطيوت" والذي تطلب السير لساعات،  بالاطلاع على وجه مدينة بسكرة ومختلف بلدياتها التي مررنا بها، والتي تشير إلى وجود أشياء كثيرة تنتظر الانجاز من الناحية التنموية. فالولاية تبدو منذ مدخلها من جهة مطار محمد خيضر، بائسة ببناياتها غير المكتملة والفوضوية تقريبا، وبغياب واضح للتهيئة الخارجية في الشوارع.

رغم هذا الوجه البائس معماريا، فإن بسكرة تعد قطبا فلاحيا بامتياز، بفضل آلاف الهكتارات من البيوت البلاستيكية الموزعة على أراضي بلدية المزيرعة، التي أصبحت  الممون الرئيسي لكل أرجاء البلاد من الخضر والفواكه، مايجعلنا نقول أنها تحولت إلى "مزرعة كبرى" وليس مجرد "مزيرعة".

وكان منظر هذه البيوت البلاستيكية مترامية الأطراف التي مررنا عليها في طريقنا إلى "تاقطيوت"، أمرا مدهشا ومثيرا للإعجاب وفريدا من نوعه، لاسيما وأنه يوجد في قلب عاصمة الزيبان، بوابة الصحراء.

صعوبة الصعود ومتعة العلو

الوصول إلى مقصدنا، لم يكن بالأمر الهين، ففي حين استمتعنا ونحن نسير على الطريق المعبدة ثم على المسالك المهيأة للتعبيد مستقبلا، كان دخولنا إلى الطريق الجبلي بداية لرحلة محاربين. فبالإضافة إلى صعوبة سير المركبات في هذا الجزء من الطريق، فإن الوقت الذي أخذه منا قطع مسافة ليست بالطويلة، بدا لنا وكأنه دهر من الزمان. وكان عزاؤنا هي المناظر الخلابة التي كنا نصطدم بها كلما صعدنا أمتارا في الجبل الشامخ، ما سمح لنا برؤية كل البلديات المجاورة من علو غير مسبوق. ولعل منظر البيوت البلاستيكية المترامية في مساحات شاسعة بلونها الأبيض، كان أكثرها إثارة للإعجاب.

وبصعودنا رويدا رويدا، بدأت ملامح مشروع السيد سراوي تظهر، ولاسيما "بيت الضيافة" الذي وصلت نسبة إنجازه إلى أكثر من 90 بالمائة. من بعيد يظهر وكأنه "حافلة متوقفة"، حسب وصف مرافقنا السيد علاوة سراي مسؤول المشروع. حيث يشير إلى شكل هذا البناء، الذي فعلا يظهر من بعيد وكأنه حافلة،تنتظر الانطلاق، لكنها لا تسير لأسباب عديدة، لا تبدو تعجيزية وإنما ممكنة التحقيق، إذا توفر الإيمان بأهمية مثل هذه المشاريع التنموية.

عندما وصلنا إلى قمة "تاقطويت"، لمسنا بأنفسنا أهمية إحياء هذه المنطقة والفوائد الكثيرة التي ستنجر عليها محليا ووطنيا. ففضلا عن المنظر الخلاب الذي كانت تطل عليه ونحن على علو 1745 مترا، فإن الهواء العليل الذي استنشقتاه والحرارة المعتدلة التي ميزت المكان، والتي تختلف اختلافا كبيرا عن تلك التي تركناها في مدينة بسكرة، جعلتنا فعلا ندرك بعد نظر صاحب المشروع، هذا دون الحديث عن الجوانب الاجتماعية والثقافية والتاريخية التي تعطي للمشروع قيمة متعددة الأبعاد.

ويشرح لنا مسؤول المشروع هذه الأبعاد، في الوقت الذي يشرع فيه مرافقونا الآخرون في إعداد مايسمى بـ"الكوشة" وهي عبارة عن فرن تقليدي تختص به المنطقة، يتم إعداد الطعام فيه، بطريقة جد مميزة. وهو جانب يمكن توظيفه لجلب الزوار، فالشهية إلى الأكل تكون مفتوحة جدا في مثل هذه المناطق.

مشروع بروح تاريخية وأبعاد اقتصادية

ويشير السيد علاوة سراوي، إلى أن فكرة المشروع التي تبناها رجل الأعمال علي سراوي – ابن عمه-  بدأت تأخذ طريقها نحو التجسيد منذ عامين، عندما تم الشروع في بناء "بيت الضيافة" الذي هو عبارة عن بناية على مساحة 1000 متر مربع بطابقين واحد للنساء وواحد للرجال،ويحتوي قاعات كبيرة ومطبخ وحمامات ودورات مياه، ينتظر بعد استكمال انجازها قريبا - نسبة الأشغال بلغت 95 بالمائة بتكلفة تصل إلى قرابة 5 ملايير سنتيم- أن تكون دارا لاستقبال ضيوف "تقطويت" ولاسيما أولئك الذين سيرغبون في زيارة الزاوية المشهورة في هذه المنطقة، التي لم يبق فيها إلا آثار بيوت قديمة، كانت يوما ما منزل عشرات العائلات المنحدرة من هنا، والتي هاجرت في العهد الاستعماري، بسبب الدمار الذي خلفته العمليات العسكرية للمستعمر الفرنسي، والتي وصلت إلى حد استعمال النابالم. كما كان لسنوات الإرهاب آثارا سلبية عليها.

ويذكر محدثنا أن "هذه المنطقة اشتهرت لعقود بزاويتها سيدي علي أوموسى، التي كانت في سنوات خلت – في ثلاثينيات القرن الماضي- محج عروش الشمال والجنوب، الذين كانوا يجتمعون هنا مرة سنويا في شهر أوت، لإحياء سوق الخريف الذي كان يدوم أسبوعا كاملا.وفضلا عن كون هذا الموعد مناسبة ثقافية ودينية، فانه كان كذلك فضاء تجاريا يسمح بإجراء عمليات مقايضة لسلع مختلفة مثل التمور والفواكه والماشية ...وغيرها من السلع. لكن الأهم من ذلك أنه كان مناسبة لفض النزاعات بين مختلف الأشخاص والعروش. هذا الإرث التاريخي، تعمل حاليا جمعية زاوية ولاد سيدي علي أوموسى على إحيائه، وذلك بترميم البناية التي تحتضن الزاوية،الذي تم فعلا، كخطوة لإعادة استقبال مرتاديها الذين انقطعوا عنها في سنوات التسعينيات بسبب الإرهاب".

هو جزء آخر من المشروع يضاف إلى دار الضيافة. لكن الأمور لا تتوقف هنا، لأننا أمام فكرة متعددة الأبعاد، كما قلنا سابقا، وهو ما يشرحه لنا محدثنا، مشيرا بالخصوص إلى غرس 3500 شجرة تفاح وحفر ثلاثة آبار،في انتظار انجاز مشاريع لتخزين المياه،والتي قال أنها تكلف كثيرا لسبب هام هو "غياب الطريق المعبدة".

هذا هو المشكل الرئيسي الذي يعيق الانجاز السريع لهذا "المشروع الحلم"، لان غيابه جعل من مهمة إيصال مواد البناء "شبه مستحيلة"، من الناحيتين العملية والمالية". يقول السيد سراوي" الكثير من الناقلين يرفضون إعادة تجربة الصعود إلى هذه القمة لجلب مواد البناء بسبب وعورة الطريق، والذين يفعلون ذلك يطلبون مقابلا كبيرا... فإذا كان المبلغ يقدر بـ2 مليون سنتيم في العادة، فانه قد يصل إلى 7 ملايين سنتيم في حالة مشروعنا، مع ذلك فان العزيمة لإحياء المنطقة جعلنا نرفع التحدي".

ولان تنمية "مناطق الظل"  اليوم هو أولوية بالنسبة للسلطات العمومية، فان مسؤول المشروع أكد انه لا ينتظر من الهيئات المعنية بتجسيد برنامج الحكومة في هذا الاتجاه، ولاسيما السلطات المحلية، سوى انجاز مشروع إيصال الكهرباء وتعبيد الطريق. ويقول "أن تحقيق هذين المطلبين وحل هذه الإشكالية سيفتح الباب واسعا أمام عودة الحياة إلى هذه المنطقة الخصبة المباركة".

أمر لن يحتاج إلى وقت طويل – يضيف مرافقنا- إذ يؤكد انه خلال عامين يمكن أن تتحول هذه الأرض الحجرية إلى غابة غناء،لتصبح ملجأ أهل بسكرة خلال الصيف للهرب من الحر الشديد، والاستمتاع بجو معتدل وبهواء نقي. كل هذا ينقصه توفير الخدمات الأساسية، التي ستجعل من حلم ابن المنطقة ،واقعا لجميع أبنائها الآخرين.

في انتظار ذلك، فانه لا يمكن الإنكار أن طريق العودة كان أفضل، لأنه اقل صعوبة، لاسيما وانه مر من طريق قامت شركة سوناطراك بتجهيزه لاستقبال مركباتها، من أجل القيام بعمليات استكشاف غير بعيد من هنا - حسب مرافقنا-  كما أنه صادف مرورنا بالمنطقة السياحية "جمينة" التي تعد من إحدى أجمل الوجهات السياحية بولاية بسكرة.وفي آخر المطاف،الأكيد أننا تنفسنا الصعداء عندما لامست عجلات مركبتنا الطريق المعبدة، وكأننا نكتشفها من جديد،ونعرف أنها نعمة لا يحس بأهميتها إلا من صعد قمة "تاقطيوت".