"المساء" تكشف أسرار غلاء العنب رغم وفرته في الأسواق

الفلاحون يشتكون.. الإدارة تبرر والمستهلك يدفع الثمن

الفلاحون يشتكون.. الإدارة تبرر والمستهلك يدفع الثمن
  • القراءات: 2201
 حنان سالمي حنان سالمي

* 11 ألف هكتار من الكروم تدخل مرحلة الشيخوخة

* أسعار الأدوية والأسمدة زادت والدعم في تراجع

* العنب يباع بـ3 أضعاف ثمنه الحقيقي

* غياب الصناعة التحويلية وسوق للجملة رهن مستقبل الشعبة

تشير توقعات المصالح الفلاحية لولاية بومرداس، إلى جني قرابة 3 ملايين قنطار من مادة عنب المائدة خلال الموسم الجاري، بالنظر إلى عدة معطيات، أهمها اتساع المساحة المغروسة لهذه المادة، وتحسن تقنيات الغرس والجني، فيما يشكك بعض مهنيي شعبة العنب في الوصول إلى تحقيق هذا الرقم، بسبب بعض الأمراض التي أصابت الكروم، ناهيك عن إشكالية نقص مياه السقي والارتفاع الكبير في درجة الحرارة، إلى جانب عوامل تنظيمية تتعلق بغياب سوق للجملة خاص بالعنب، بالنظر إلى السمعة الوطنية للولاية، إلى جانب غياب مصانع تحويل تمتص الفائض من الإنتاج، وغيرها من العوامل التي نعرضها في هذا الموضوع.

ارتفعت مساحة الكروم بولاية بومرداس خلال الموسم الجاري، بأزيد من 500 هكتار، لتصل إلى 17149 هكتار، بعدما كانت خلال الموسم الماضي 16621 هكتار، وهو الملاحظ سنويا ضمن شعبة العنب التي تتسع السنة تلو الأخرى، لأسباب يرجعها المختصون بالدرجة الأولى إلى السمعة الوطنية التي تحظى بها الولاية، كمزود رقم واحد بعنب المائدة في السوق الوطنية بقرابة 50٪ من الإنتاج العام، إضافة إلى تحسين تقنيات الغرس، لاسيما النمط العادي والعريشة التي أخذت تتطور في الولاية مؤخرا. لكن رغم هذه المعطيات والتوقعات التي تشير إلى احتمال جني قرابة 3 ملايين قنطار من هذه المادة، إلا أن الواقع يشير إلى عكس ذلك.

10 أنواع من العنب تكتسح الأسواق الوطنية

ذكر مصدر من مديرية المصالح الفلاحية لـ"المساء"، أن المساحة الإجمالية المخصصة لعنب المائدة في تزايد السنة بعد الأخرى، بمعدل يتراوح ما بين 500 إلى 1000 هكتار، مع تنوع في مادة العنب يصل إلى 10 أنواع، مع الإشارة إلى غرس بعض الأنواع الجديدة على سبيل التجربة، مثل العنب الموجه للتجفيف (زبيب) من النوعية الجيدة، وأنواع أخرى أعطت نتائج إيجابية، غير أن نوع "الصابال" يبقى المهيمن على قرابة 50٪ من المساحة المغروسة، يليه "الكاردينال" بحوالي 19٪، ثم نوع "الرادغلوب" بحوالي 18٪، و"الموسكا" بـ3٪ من المساحة الإجمالية لعنب المائدة، التي تتمركز بشكل كبير في البلديات الشرقية للولاية، لاسيما سيدي داود، بغلية، الناصرية، برج منايل ودلس.

من جهة أخرى، أشار مصدرنا إلى أن عملية الجني انطلقت في بداية جويلية الماضي، وتم إلى حد الآن جني ما مساحته 3478 هكتار، أي نسبة 25٪ من المساحة الإجمالية المنتجة، والعملية مستمرة إلى نهاية أكتوبر القادم. أما عن الأنواع المتوفرة حاليا في الأسواق، فهي "الكاردينال"، وهو نوع مبكر من عنب المائدة، حيث تم جني إلى حد الآن أزيد من 4 آلاف قنطار، أي بنسبة 97٪، يليه صنف "فيكتوريا" بجني نسبة 42٪ من المساحة المنتجة لهذا النوع، ثم "الموسكا" بجني 31٪، فصنف "الساشلا" بجني 25٪، و"غرونوار" أو الأسود الكبير بجني ما نسبته 17٪، لتأتي باقي الأصناف الأخرى، ومنها "الرادغلوب" بجني 4٪، ثم "الصابال" بجني 3٪، وعملية الجني مستمرة.

أمراض وطفيليات... وتشكيك في الأرقام

قال رئيس المكتب الولائي للمنظمة الوطنية لتطوير الفلاحة، رابح وانش، في حديث إلى "المساء"، إنه يشكك في الأرقام التي صرحت بها المصالح الفلاحية حول توقعات إنتاج العنب للموسم 2020-2021، موضحا أن الانتشار الكبير لأمراض الكروم، وعلى رأسها "البياض الزغبي" أو "الميلديو"، ونقص مياه السقي وارتفاع درجات الحرارة ما بين 15 جويلية و15 أوت 2021، من الأسباب التي أثرت بشكل كبير على هذا المحصول الذي اكسب ولاية بومرداس سمعة وطنية لمواسم متتالية، مشيرا إلى أن جزءا كبيرا من عقول الإنتاج دخل مرحلة الشيخوخة، مؤكدا بقوله: "لذلك ندعو المصالح الفلاحية إلى النزول للميدان والوقوف على حقيقة الوقائع، لاسيما بالبلديات الشرقية الرائدة في إنتاج العنب".

 وأضاف رابح وانش، موضحا أن المساحة المغروسة من عنب المائدة ما بين سنوات 1995 و2000، كانت في حدود 8 آلاف هكتار إلى 11 ألف هكتار، دخلت مؤخرا في شيخوخة، بمعنى أن الكروم شاخت وأصبحت لا تنتج، أضف إلى ذلك، أن كل هكتار كان ينتج قرابة 400 قنطار، في حين أصبح اليوم ينتج ما بين 80 و100 قنطار في الهكتار، مما جعل أصحاب هذه المزارع يلجؤون إلى قلع الكروم وتعويضها من جديد، لاسيما من صنف "موسكا" أو "الداتي" أو حتى تغيير الشعبة بغرس الحمضيات، مما يعني ـ حسب المتحدث- أن المساحة الإجمالية للكروم خلال السنوات الثلاث الأخيرة في تناقص، أو على الأقل مستقرة دون أن تتزايد، مشيرا إلى تسجيل تراجع مستمر، إن لم يتم تدارك الأمر من طرف الجهات المختصة، لاسيما المصالح الفلاحية.

وكذا المعهد الوطني لحماية النباتات، المطالب بلعب دوره والتدخل لإيجاد حلول لبعض الأمراض المستعصية التي تصيب الكروم، ومنها "الأسكا"، "اكبيوس" وأمراض الخشب، وكذا "الميلديو" أو البياض الزغبي الذي أصبح في السنوات الأخيرة يضرب بشراسة، يضيف رابح وانش، موضحا بأن الانتشار الكبير لهذه الفطريات كبير بكروم ولاية بومرداس، أثرت بشكل كبير على الإنتاج الذي وصل ببعض المزارع إلى 60٪، أقل مما كان عليه من قبل. وعليه فإن تقديرات رئيس المكتب الولائي للمنظمة الوطنية لتطوير الفلاحة لهذه السنة، سيكون في حدود 1.8 مليون قنطار، إلى ملونيي قنطار من عنب المائدة، على أكثر تقدير.

فائض في الإنتاج... ضعف في التخزين والفاتورة يدفعها المستهلك

من جهته، يتوقع رئيس المجلس الوطني المهني المشترك لشعبة العنب، ورئيس المجلس الجمعية الولائية "الرزق الحسن"، السيد يوسف أوملال، انخفاضا في إنتاج العنب الموسم الجاري ببومرداس، لنفس الأسباب المذكورة سابقا، موضحا بأن نسبة الانخفاض قد تتراوح ما بين 20 و30٪ عن الموسم الماضي، الذي حقق 2.7 مليون قنطار. وعلق محدثنا عن انعكاسات الانتشار الكبير للأمراض والطفيليات ونقص مياه السقي، إلى جانب "الصمايم" أو ارتفاع درجات الحرارة، بقوله: "الفلاح راهو يجاهد على أكثر من صعيد"، واعتبر بأن النتيجة المباشرة لهذا الوضع "فاتورة يدفعها المستهلك". ويشرح السيد أوملال هذا الأمر، بالفارق الكبير بين ثمن بيع 1 كلغ عنب بالمزرعة، وسعره في أسواق التجزئة، حيث يصل إلى قرابة 3 أضعاف "والنتيجة.. بلوكاج لدى المزارع".

 حيث وصل سعر 1 كلغ عنب من نوع "صابال" إلى 60 دج بالمزرعة، و"الكاردينال" 80دج/ 1كلغ، بينما تتضاعف الأسعار 3 مرات أكثر بسوق التجزئة، يقول المتحدث، أي أن الفارق الكبير بين السعرين يجعل المستهلك يشتري رطلا إلى كيلوغرام واحد فقط، مما يعني تخزين المحصول أكثر فأكثر عند المنتج، داعيا المصالح المختصة، وعلى رأسها مديرية التجارة، التدخل في هذا الإطار ومحاولة ضبط السوق. ناهيك عن غياب مصانع التحويل وسوق جملة خاص بمادة العنب، الذي يتم المطالبة به كل سنة، على أن يكون بإحدى بلديات الجهة الشرقية للولاية، دون أن يتجسد إلى اليوم، مما يجعل المنتجين يسوقون العنب لأسواق بوفاريك، شلغوم العيد، سطيف، وهران وغيرها من الولايات، دون أن تستفيد الولاية المنتجة الأولى وطنيا من مداخيل جبائية، يمكن أن يدرها سوق جملة للعنب.

كما تحدث كذلك عن التخزين، حيث قال إنه يتوسع السنة بعد الأخرى بالطريقة التقليدية من حيث التغليف، المعالجة، ثم بغرف التبريد لمدة ما بين 3 و4 أشهر، بينما التخزين وفق الطرق العصرية عن طريق خزانات خاصة تسمى "المودول"، يمكن أن تصل المدة إلى 6 أشهر وهي في توسع، "لكن نريد تسهيلات من أجل التصدير، خاصة أن النوعية المنتجة بالولاية جيدة"، يقول السيد أوملال، متحدثا في هذا المجال، عن تسهيلات إدارية وأخرى لدى الجمارك، لكنه استطرد في هذا السياق بقوله: "إن جائحة كورونا عطلت كثيرا المصالح على الصعيد العالمي والوطني على السواء".

كما تحدث المسؤول الوطني عن عراقيل أخرى تحول دون تطوير هذه الشعبة الفلاحية، منها غلاء الأدوية والأسمدة، ويشرح ذلك بكون الدولة تدعم اقتناء الأسمدة بـ20٪ عن سعر 5700 دج/ قنطار، لكن نفس السعر تضاعف ليصل حاليا إلى 12 ألف دج للقنطار، وبقي دعم الدولة نفسه، مما يعني أن الدعم ليس في نسبة 2.5، وإنما أقل من ذلك بكثير، والمطلوب ـ حسب اوملال- إعادة النظر في هذا الأمر ورفع قيمة الدعم بـ20٪ حول السعر الجديد، "وإلا فإن عزيمة الفلاح تنكسر بفعل التراكمات.. ثم يصبح مستهلك بتغيير نشاطه، وهنا تعيب الفلاحة كلية"، يضيف يوسف اوملال، متحدثا في المقابل، عن جائحة "كورونا" التي حالت دون أن يعقد المجلس الوطني المهني المشترك لشعبة العنب لاجتماعات، من أجل تدارس كيفية تطوير هذه الشعبة، لاسيما تنظيمها ومحاولة القضاء على الوسطاء.