يتمتع بصفات فريدة
الجمل.. ثروة اقتصادية ومظهر للجاه والكرم

- 218

يعتبر الجمل "سفينة الصحراء" ورفيق البدوي في حله وترحاله، ومتصدر القوافل التجارية وحامل الاثقال، وبذلك تصدر اهتمام البدو الرحل، واهتموا بتربيته وكسبه، كمال لا يفنى وثروة لا تضاهيها ثروة، وقد تناول الكاتب الحساني سعيد أمباركي في كتابه الموسوم بـ"المستيبل، الإبل في الثقافة الحسانية"، مكانة الإبل وأهميتها في التراث الإنساني، لاسيما العربي الإسلامي، وبالخصوص عند البدو الرحل، وأشار الكاتب في بحثه الاكاديمي، إلى أمراض الإبل وطرق تربيتها وفوائد لحمها وشحمها، إضافة إلى دورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والحياة السياسية قديما. وقد حاولت "المساء" في هذا الاستطلاع، الإحاطة بواقع تربية الإبل بتندوف، ومكانتها في الوسط الاجتماعي، من خلال الحديث مع مربي الإبل في المساحات الواسعة.
في هذا الاستطلاع الصحفي، التقت "المساء" بالسيد بياض الناجم، مربي محترف ورئيس المجلس المهني لتربية الإبل بولاية تندوف، له تجربة طويلة في هذا المجال، أكد بأن ولاية تندوف، تحوز على ثروة هائلة من الإبل، منتشرة عبر الفضاءات الصحراوية الشاسعة وبالبوادي، ويحصي المجلس حوالي 60 ألف رأس من الإبل، وأضاف بأن تربيتها تتطلب مساحات واسعة، وهي اليوم تتربى بإسطبلات فردية في عدة أماكن بمدينة تندوف، إلى جانب أماكن أخرى متفرقة بعدة جهات من الولاية.
سكان تندوف مربو الإبل بالفطرة
كشف الناجم، بأن تربية الماشية، خصوصا الإبل، من تقاليد سكان تندوف، وحرفة توارثوها أبا عن جد، وقد مارس حرفة تربية الإبل ـ يقول الناجم ـ منذ القدم، وأصبحت جزءا من حياته، خاصة بعد أن أحيل على التقاعد، وفضل مواصلة نشاطه وتوطيد علاقته مع الإبل.
جل سكان تندوف موالون و"كسابة"، إذ تنتشر تربية الماشية عبر مختلف المناطق الرعوية والنائية، لاسيما لكحال وشنشان وضواحي حاسي مونير وحاسي خبي.
يحتل الجمل مكانة هامة في المجتمع التندوفي، فهو الذي يحمل الأثقال ويسافر بعيدا مع القوافل التجارية المحملة بالملح، ويمثل الجمل، حسب الناجم وكثيرون من سكان تندوف، فأل خير ومفتاح الأسرار وجامع العشائر، فهو أول ما يقدم كمهر للعروسة، وهو شفاء من كل الأمراض المزمنة، حيث صرح الناجم بأن التجارب أثبتت أن لحم الإبل دواء وعلاج للعديد من الأمراض، وهو أحسن اللحوم الحمراء، كما أن كبد الجمل ينفع للتداوي من أمراض السكر، وشحمها للتشافي من أمراض الروماتيزم.
تمثل الإبل ثروة هامة، تساهم في التنمية الاقتصادية المحلية، ومظهرا من مظاهر الجاه والكرم والوقار، ومصدرا أساسيا لعيش أغلبية السكان، مع العلم أن أهل المنطقة يفضلون لحومها عن باقي اللحوم الأخرى، إضافة إلى استعمال ألبانها في تطبيب العديد من الأمراض الشائعة، ناهيك عن استغلال وبرها في نسج الخيام التقليدية وجلودها في صناعة الأفرشة الجلدية والتحف الحرفية الفنية.
وللإبل حكاية طريفة وممتعة مع سكان تندوف، باعتبارها مرافقهم الوحيد في الأسفار الطويلة، وحاملة لأثقالهم وأمتعتهم من مكان إلى مكان، بصبر وتجلد لا نراه إلا عند الإبل، وقد التقت "المساء" ببياض الناجم، الذي عاش مع الابل، وحياة البادية، وعرف تفاصيلها وتجلياتها، إضافة إلى درايته الدقيقة بالأنساب ومختلف التشكيلات الاجتماعية بالمنطقة وأماكن تواجدها وتنقلاتها، وهو رفقة قطيع من الإبل، في أحد أودية تندوف، بحثا عن الكلاء، وقد انتابنا شعور كبير لعظمة الإبل وشكلها، إنها الإبل التي ذكرت في القرآن الكريم، وصفة ميزة للبادية والطبيعة الاجتماعية البسيطة.
بادرناه ببعض الأسئلة للاستفسار عن بعض الأمور العالقة في الأذهان حول هذا الحيوان الجميل، الذي قيل فيه ذات يوم "سفينة الصحراء"، وتعيش 33 سنة و3 أشهر، فإذا بركت، أي (اضطجعت)، فإنها لا تنهض، كما أن الناقة، أي أنثى الإبل، هي أطول عمر من الذكر، أما عن أعمار وسن الإبل فهي؛" بلبون" الذي بلغ السنة و"حق" ذو العامين و"جدع" ذو الثلاثة أعوام و"ثني" ذو أربعة أعوام و"أرباع" ذو خمسة أعوام و"سداس" ذو ستة أعوام و"قارح" ذو سبعة أعوام.
أما بخصوص طريقة شرب أو ظمأ الإبل، فيقول المتحدث: "إن كلمة (نزازي) تعني أن الماشية لا تشرب في حالة توفر الكلاء والعشب المخضر، بينما في حالة العشب اليابس، فإن الماشية لا تشرب لمدة تتراوح من 3 إلى 6 أيام، أي أنها بمفهوم أهل الإبل تعني (غابّة) بالشدة على الباء، وهذا دلالة على أن الإبل من أكثر الحيوانات صبرا وتجلدا للعطش وتحمل المشاق".
القيمة الغذائية للحم ولبن الإبل
لقد تناول القرآن الكريم أكثر من مرة، فوائد الإبل والأنعام، مؤكدا على القيمة الغذائية العالية للبن الناقة، وما يكتسيه من فوائد واستخدامات جمة، وفوائد طبية كثيرة تجعل منه الغذاء الوحيد الذي يقتات منه البدو الرحل، وهذا ما أكده نفعي، وهو موال من ضواحي بلدية أم العسل.
يتميز لبن الإبل بصفات خاصة، إضافة إلى كونه مادة غذائية ممتازة، حيث ثبت أنه غذاء ودواء؛ لأنه يحتوي على مواد مثبطه لنشاط البكتريا، ويحتوي على نسبة كبيرة من الأجسام المناعية المقاومة للأمراض، خاصة للأطفال المولودين حديثاً. ويحتوي لبن الإبل على كمية عالية من فيتامين (c) مقارنة بأنواع الحليب الأخرى، وهذه رحمة ربانية في تعويض البدو في المناطق الصحراوية، حيث لا تتوفر الخضار والفواكه.
لقد لعب هذا الحيوان، إلى جانب الإنسان، دورا كبيرا ومؤثرا، لدرجة أن الإنسان لا يستطيع في الصحراء الاستغناء عنه مهما كان، لذلك كان هناك اهتمام كبير بتربية هذا الحيوان، والعناية به، نظرا لما وهبه الله من الصفات والخصائص التي انفرد بها عن سائر الحيوانات الأخرى، إلى جانب الإنسان، فكان له دور هام في الحياة العامة، إلى جانب أهميته في النواحي الاقتصادية، من تجارية وزراعية، علاوة على دوره العسكري في الحروب والمعارك، إضافة إلى أهميته الاجتماعية والصحية والإدارية، حيث كان الوسيلة الهامة في السفر، ومكافحة الاستعمار، عن طريق ما يسمى بمهاريست.
لحوم الإبل لذة وسعر في المتناول
يفضل الكثير من المواطنين بتندوف، استهلاك لحوم الإبل على باقي الأنواع الأخرى من اللحوم الحمراء، بالنظر إلى ما تحتله من مكانة في العادات الاجتماعية لساكنة المنطقة، من جهة، وتدني أسعارها ووفرتها بكثرة، من جهة أخرى، حسب المفتش البيطري.
ويظل الإقبال الواسع لسكان تندوف على استهلاك لحوم الإبل، السمة الغالبة في كافة المناسبات، لاسيما الدينية منها، حيث تحتل هذه المادة الغذائية مكانة متميزة في المائدة لدى الساكنة، خاصة في المناسبات والأعياد، حيث يشترك عدد من الأفراد في شراء بعير وتوزيعه.
فهي مصدر جيد للحوم، حيث يمكن أن تزن الإبل وحيد السنام حوالي أربعمائة كيلوغرام أو أكثر، في حين تزن ذات السنـامين أكثر من ذلك بكثير لدى الإبل، كما يُصنع من وبرها "البرانيس" و"القشابية" وغيرها من الألبسة الصوفية، كذلك يستفاد من وبر الإبل في صناعة الملابس والخيام والبسط والسجاد والأكياس لخزن الحبوب، ومن جلده تصنع الحقائب الجلدية والقوارب و"الرواء" لحفظ الماء أو "السفاء" لنشل الماء من الآبار والغدران.
وتتمتع الإبل بصفات فريدة لا نظير لها في الحيوانات الأخرى، تمكنها من التكيف مع ظروف العطش أو الجفاف في الأجواء الحارة، حيث تفقد 30٪ من سوائل الجسم، أو حوالي 40٪ من وزنها الحي، ورغم ذلك تبقى حية، أما الإنسان والحيوانات الأخرى، فإن فقد 10٪ من سوائل الجسم، فإن ذلك غالباً ما يؤدي إلى الهلاك أو الموت.