تنس المدينة التي تضم أقدم منارة في إفريقيا

أطول شريط ساحلي في الجزائر ينتظر اهتماما أكبر

أطول شريط ساحلي في الجزائر ينتظر اهتماما أكبر
  • القراءات: 32659
روبورتاج: زبير زهاني روبورتاج: زبير زهاني

تزخر مدينة تنس الساحلية في ولاية الشلف، بالعديد من الأماكن التاريخية والأثرية، التي تبوؤها باحتلال مكانة مرموقة لاستقطاب السياح من الجزائر، وحتى من خارجها، ”المساء” زارت بعض هذه المناطق في إطار القافلة السياحية الإعلامية التي نظمها الاتحاد الوطني للصحفيين والإعلاميين الجزائريين، قصد الترويج للسياحة داخل الوطن، جاءت تحت شعار ”جزائر الحب والسلام”، تتوسط مدينة تنس في موقعها الجغرافي بين العاصمة ووهران، على مسافة 200 كلم من الولايتين، ويبلغ عدد سكانها إلى غاية العام الجاري 2019 حدود 45 ألف نسمة، وتتربع المدينة على مساحة أكثر من 100 كلم مربع، وتبعد على مسافة 165 كلم من مدينة ”أليكونت” الإسبانية، هي مدينة أغلب أسماء الرجال بها مروان ومعمر بعد اسم النبي محمد عليه الصلاة والسلام، كما تعد المدينة مسقط رأس البطل الأولمبي الجزائري في اختصاص العدو، نور الدين مرسلي.

مدينة تنس التي تبعد بمسافة 50 كلم عن ولاية الشلف، ملجأ لسكان هذه الولاية من حرارة الصيف ومتنفسا طبيعيا، فهذه المدينة تمثل نسبة 10٪ من سواحل الجزائر، تملك رأسين؛ الأول يسمى سيدي مروان نسبة للولي الصالح الذي قصد المدينة خلال الحروب الصليبية، والثاني يسمى ”كالا”، ورغم هذا تبقى هذه السواحل الطبيعية العذراء التي لم يمسها بعد تلوث المصانع والمواد الكيميائية، غير مستغلة على أحسن وجه، فرغم أنها منطقة للراحة بامتياز، إلا أن كل هذا لم يحرك السلطات من أجل استغلال هذه الموارد الطبيعية، وبعث السياحة بالمنطقة التي تعتبر من أقدم المدن في الجزائر، كما تعاني المدينة من ظاهرة باتت تؤرق المواطن ومنتشرة عبر كامل التراب الوطن، وهي ظاهرة ”الباركينغ”، حيث بات السائح في هذه المدينة مطالب بدفع مبلغ ”100 دج” من أجل ركن سيارته، ويجوب بعض الشباب من أصحاب السترات الخضراء، أهم شواطئ المدينة من أجل اقتطاع ملغ الركن من الزوار.

تنس، أورليون فيل، بلانش فيل وكارتينا

كان يطلق عليها اسم أورليون فيل، وعند دخول المستعمر سنة 1840، أطلق عليها اسم ”بلانش فيل” أو مدينة الخشب، كون بنايتها كانت من الحطب على شكل سكنات الغرب الأمريكي ”واسترن”، وقام المعمر بتشييد مدينته الخاصة به، خارج المدينة القديمة التي كان يقطنها العرب من سكان المنطقة، والتي تعود إلى الأجداد الذين قدموا من الأندلس، حيث انطلقت أشغال البناء سنة 1843، على شكل بنيات بالخشب، تتناسق مع الغابة، البحر وطبيعة المكان، في حين أطلق عليها في عهد الرومان اسم ”كارتينا” وهو اسم فينيقي مركب من ”كارث” ويعني المدينة و«تينا” وتعني المحل. أما بخصوص تسميتها باسم تنس، فتعددت الروايات لدى المؤرخين، حيث يؤكد البعض أن تسمية المدينة يعود إلى اسم أمير يوناني يدعى ”تينيسوس” الذي وقع وقتها في حب زوجة أبيه فائقة الجمال، وعندما وصل الخبر إلى والده، حول هذه العلاقة المحرمة في أعرافهم، وبسبب هذا التصرف الطائش، تمت معاقبته، بوضعه داخل صندوق خشبي ورميه في البحر، وشاءت الأقدار أن لفظه البحر إلى منطقة تنس، حيث عاش وتزوج ومات بهذه المنطقة التي أخذت بعدها اسمه. في حين يرى مؤرخون آخرون، أن أصل التسمية أمازيغي، منحدر من كلمة تنس التي تعني المفتاح بلغة سكان المكان الأصليين الذين كان يقطنون المنطقة وهم من التوارق، حيث أطلقوا هذه التسمية على المنطقة كونها مفتاح دخول المناطق الداخلية، في حين يعتبر رأي ثلاث أن أصل التسمية يعود إلى طبيعة المكان الذي كان ملاذا للراحة للبحارة والمسافرين عبر الساحل.

«مرياما” سيدة تنس حارسة البحارة

يعتلي مدينة تنس تمثال قديم للسيدة العذراء مريم، أو ما يعرف وسط السكان بتمثال ”مريما”، الذي تم بناؤه سنة 1930، بمناسبة الذكرى المأوية لاحتلال الجزائر وتواجد فرنسا على أرضها، التمثال يقابل على بعض عشرات الأمتار، الكنسية التي شيدت في نفس التاريخ، والتي تحولت بعد الاستقلال إلى مسجد، يرتفع بحوالي ثلاثة أمتار عن الأرض، ويقف على قاعدة إسمنتية، صنع التمثال من البرونز في شكل امرأة محتشمة اللباس، ترفع كفيها ووجها نحو البحر. يقول السيد سفتا مروان، أستاذ تاريخ متقاعد ومرشد سياحي بمدينة تنس، بأن المنطقة كانت مأهولة بسكان فرنسيين، على عكس المدينة القديمة التي كان يقطنها الجزائريون، وعند وضعها في مكانها، شهدت المنطقة حادثة مميزة، حيث وخوفا على الشباب والمراهقين من التأثر بالمد المسيحي وفي محاولة لإبعادهم عن الطقوس المسيحية، قام الآباء والأجداد أثناء وضع التمثال بتنظيم قافلة جابت المدينة، وقد تزامن ذلك مع احتفالات المولد النبوي الشريف، حيث توجهت فرقة عيساوة المشهورة في المنطقة رفقة السكان إلى مكان التمثال، وهي تردد المدائح الدينية، وقد أصبح هذا المشهد يتكرر كل سنة، حتى أنه استقطب عددا من الفرنسيين الذي اعتادوا عل المشاركة في هذه الطقوس الإسلامية. تقول الروايات أن تمثال مريم العذراء تم وضعه قصدا قبالة البحر، وهي طقوس يمارسها المسيح، ويبدو ذلك جليا، في العديد من المدن، على غرار ”ريو دي جانيرو” البرازيلية و«مرسيليا” الفرنسية، حيث ترفع السيدة مريم العذراء، حسب اعتقاداتهم، يديها إلى السماء من أجل حماية البحارة والصيادين عبر الساحل. نال تمثال السيدة ”مرياما” نصيبه من الإهمال في بعض السنوات، حتى أنه كاد أن يهدم من طرف بعض المقاولين الذين أرادوا استغلال القطعة الأرضية المحيطة له، من أجل تشييد عمارات وبنيات قبل تدخل أهل المنطقة الذين قاموا بمراسلة مختلف الجهات، ليصل الصدى إلى بعض الأقدام السوداء، من مواليد المنطقة الذين اتصلوا بالجهات الفرنسية، حيث حذروا من تهديم التمثال وأكدوا أنهم سيسعون إلى غلق المساجد في فرنسا، إذا تم المس بهذا الرمز الديني الذي يقدسونه. تمثال السيدة العذراء ”مريما” أصبح محميا بنص قوانين صدرت من السلطات الجزائرية، وعلى رأسها وزارة الثقافة، وطالب بعض المهتمين بالتاريخ، بتهيئة محيط التمثال وجعله مساحات خضراء، حيث يشرف وجه مدينة تنس عند زيارة السياح الذين يقصدون هذا المعلم الجزائري الذي يعتبر جزءا من تاريخ الجزائر.

فرعون مصر استعان بسحرة وعلماء تنس لمواجهة موسى

أكد السيد سفتا مروان، أستاذ التاريخ المتقاعد، أن بعض الروايات تتحدث عن استعانة فرعون مصر بسحرة وعلماء من مدينة تنس، من أجل مواجهة نبي الله موسى عليه السلام، خاصة أن السحر في ذلك الوقت كان علما قائما بذاته، واستذل محدثنا بالأبحاث التي قام بها الباحث البريطاني ”تشاو”، الذي أكد شهرة علماء المنطقة بالسحر. يعرف العام والخاص، قصة نبي الله موسى عندما أراد دعوة أبناء قومه إلى دين التوحيد، حيث بارزهم بأشهر علم كانوا يتفقون فيه وهو السحر، ولما انتصر على سحرة القصر، أراد فرعون جمع السحرة من كل بقاع المعمورة، حتى يلحق الهزيمة بهذا النبي ويحافظ على عرش سلطانه. وبالغوص في أعماق التاريخ، فإن مدينة تنس بنيت في القرن الثامن قبل الميلاد من طرف الفينيقيين، ويدل تواجد المقبرة الفينيقية على هذا الأمر، والتي تعرف في الوقت الحالي إهمالا كبيرا وأصبحت في حالة مزرية يرثى لها، بعدما كانت تحظى باهتمام معتبر خلال سنوات السبعينات، وكانت مقصدا للسياح الأجانب.

الأمير عبد القادر عاش بها وحاول ابرام صفقة  مع بريطانيا ضد فرنسا

مدينة تنس عايشت العديد من الحضارات، على غرار الحضارة الرومانية، بعدما قطن الرومان هذه المنطقة، شأنهم شأن البيزنطيين، قبل مجيء العرب والأتراك، فالفرنسيين، وشيد العرب القادمون من الأندلس مرفأهم وميناءهم الخاص بهم، تدخل من خلالها قواربهم إلى المدينة عبر وادي ”علال”، حيث كانت سفنهم تدخل مئات الأمتار داخل المدينة، للاحتماء من الرياح الشرقية التي تشتهر بها المنطقة، والتي يعرفها سكان تنس، دون معرفتهم بعلم الأحوال الجوية، من السحاب المتراكم على قمة جبل سيدي مروان على ارتفاع 600 متر من سطح البحر، حيث كانوا يطلقون مقولة مشهورة وهي ”سيدي مروان حط لعمامة، أو الشرقي راح ينوض”، وكانت هذه الرياح تدوم ثلاثة أيام، أو ستة أيام أو 9 أيام، وكانت سرعة الرياح وقوتها تؤشران على ارتفاع درجة الحرارة بالمناطق الداخلية، على غرار الشلف وعين الدفلى. بالحديث عن تنس، فإن الأمير عبد القادر وعند عودته من مكة، لم يتوجه إلى معسكر التي شهدت المبايعة، بل كان أول اتصال له مع أعيان منطقة بني حواء حاليا، حيث كان لديه صديق هناك، واتفق مع سكان المنطقة لبدء التحضير للمقاومة من هناك، فسافر إلى منطقة بوزغاية على بعد 27 كلم، عن تنس، وهي بلدية ”حميس”، أين التقى بالأغا ”بلقب زيلي”، صديقه الحميم، وبدأ بالتحضير لمقاومة الاستعمار، حتى أن الأمير عبد القادر أنشأ مينائه الخاص بوادي علال في تنس التي تضم أكبر شريط ساحلي في الوطن بـ129 كلم، من أجل تصدير المنتوجات الزراعية نحو أوروبا، وبالتحديد بريطانيا، وجلب السلاح، في ظل الحصار الذي ضربته فرنسا على مناطق شرق البلاد وغربها، حتى أن الأمير ـ تؤكد الروايات ـ لجأ إلى حيلة من أجل الإيقاع بين فرنسا وبريطانيا وإشعال نار الفتنة بينهما، حيث اقترح على البريطانيين منحهم مدينة تنس، على شكل ما وقع في قضية جبل طارق بالمغرب، لكن الإنجليز تفطنوا للحيلة ولم يردوا على مقترح الأمير.

فرنسا أرادت إذلال السكان بوضع مدافع المقاومة مقلوبة

تعد تنس آخر مدينة في الجزائر التي سقطت بعد مقاومة شرسة من طرف القائد بومعزة في أيدي الاستعمار الفرنسي سنة 1841، كون فرنسا في ذلك الوقت، عندما بدأت باحتلالها للجزائر سنة 1830، اهتمت ببسط سيطرتها على منطقتي الشرق، ثم الغرب، وأهملت بعض المناطق في الوسط، وتعرضت المدينة سنة 1510 للاحتلال الإسباني، قبل أن يحررها بابا عروج سنة 1517. المتجول بمدينة تنس، خاصة بالمدينة القديمة، يقع بصره على مشهد يثير التسؤولات، بوجود العديد من المدافع المترامية هنا وهناك ،على غرار مدخل المسجد العتيق سيدي أحمد بومعيزة، مقلوبة على رأسها ومغروسة في الأرض، وعند استفسارنا عن هذا المشهد، أخبرنا العارفون بتاريخ المدينة، أن فرنسا عند دخولها المدينة، وبسبب المقاومة التي لقيتها من السكان، قامت بهذا التصرف في مشهد استفزازي للسكان، حيث عمدت على جمع المدافع التي استعملت في الدفاع عن المدينة وجعلتها رأسا على عقب، في إشارة واضحة إلى إذلال السكان والتأكيد على أن مدافعهم أصبحت غير مجدية، وعليهم طأطأة رؤوسهم والقبول بمبدأ الخضوع للقوي. لكن ومع مرور الزمن وبعد خروج فرنسا من الجزائر، إلا أن هذه المدافع بقت على حالها، بنفس الوضعية التي تركتها فرنسا عليها، حيث لم تحرك السلطات المحلية أي ساكن من أجل تغيير الوضع وإصلاحه إلى الأحسن، وكان أدنى عمل من المفروض أن تقوم به السلطات، حسب سكان المنطقة، هو جمع هذه المدافع ووضعها في متحف، حتى تكون رمز فخر للمدينة وليس رمز انهزام وانكسار، كما أرادت فرنسا أن تبينه.

أقدم منارة في إفريقيا عرفت زيارة ستالين والأميرة ديانا

يؤكد أستاذ التاريخ، سفتا مروان، أن منارة سيدي مروان بتنس، تعد الأقدم في الجزائر، مضيفا أنه وحسب دراسات فرنسية، فإن هذه المنارة تعتبر الأقدم في إفريقيا إبان الفترة الاستعمارية، حيث يعود تاريخ بنائها إلى سنة 1861، المنارة التي تقع بمنطق رأس تنس أو منطقة سيدي مروان، نسبة للولي الصالح سيدي مروان، تبقى في حالة جيدة وتشتغل إلى غاية اليوم، تقابلها في الجهة الجنوبية مغارات تعود إلى فترة ما قبل التاريخ، بعد الاكتشافات التي كانت سنة 1936 من طرف باحثين فرنسيين اكتشفوا هيكلا عظميا لتلك الفترة (ما قبل التاريخ)، هو حاليا متواجد بمتحف باريس. وحسب سكان تنس، فإن منطقة المنارة، وبالتحديد في أعلى الجبل على ارتفاع 680 مترا من سطح البحر، اختارها الرومان عندما سكنوا المنطقة لتكون ثكنة عسكرية، كما كانت منطقة عسكرية بامتياز إبان الحقبة الاستعمارية من طرف الجيش الفرنسي الذي شيد المنارة سنة 1865. حسب السد مروان سفتا، فإن المنارة التي تملك هندسة فريدة من نوعها في البحر الأبيض المتوسط، حسب شهادة فريق حصة ”تالاسا” لقناة ”فرانس 2”، كانت محج العديد من الشخصيات العالمية الشهيرة، على غرار جوزيف ستالين، رئيس الاتحاد السوفيتي سنة 1951، فانسون أوريول رئيس الجمهورية الفرنسية الرابعة، الممثلة الفرنسية جان مورو، كما زار هذه المنارة سنة 1982 الأميرة دينا رفقة زوجها، حيث توقف اليخت الملكي بالمنطقة للسماح للزوجين بالتقاط صور تذكارية، قبل التوجه إلى منطقة بني حواء لقضاء وقت من الراحة والاستجمام دامت مدة أسبوع، وكانت في سرية تامة. منطقة المغارات العجيبة التي تجاور المنارة غنية جدا بالمرجان، وتضم تيارات بحرية جد قوية بسبب وجود كهوف على عمق أكثر من 600 مترا، حتى أن هناك قصة يرويها سكان المنطقة عن غطاسين إيطاليين، حاولوا سنة 1985 اكتشاف أعماق البحر والاطلاع على الثروات الطبيعية الموجودة، خاصة المرجان، إلا أنهم لم يعودوا سالمين ولم يخرجوا من البحر، مما جعل أهل المنطقة يطلقون على المكان، اسم مثلث برمودة.

المدينة القديمة تضم العديد من المعالم الإسلامية

المتجول عبر أزقة تنس القديمة، يشتم عبق الماضي ويستحضر تاريخ المنطقة، فالأزقة الضيقة وطبيعة البناء المنخفض، يروي حكايات وقصصا ضاربة في أعماق التاريخ، تضم المدينة القديمة التي تعرف أيضا بتسمية تنس الحضر (من الحضارة)، بنيت سنة 262 هجري الموافق لـ875 ميلادي من طرف البحارة الأندلسيين، تشمل العديد من الآثار الإسلامية التي تترجم الحركة الثقافية والعلمية التي شهدتها المنطقة، وهي التي باتت تضم مزيجا فسيفيسائيا من البنايات التي تشهد على مختلف الحقبات التاريخية، شأنها شأن توأمها مدينة دلس بولاية بومرداس. تتربع قصبة تنس، التي تبقى في حاجة ماسة إلى الاعتناء والترميم في أسرع وقت، على مساحة 100 هكتار، تضم ساحة كبيرة يجتمع فيها السكان تسمى بـ«الرحبة”، مشتقة من كلمة الترحيب، كما تضم أكثر من 60 منزلا و14 معلما تاريخيا، حيث تقع المدينة القديمة جنوب مدينة تنس، منازلها مسلحة بالأحجار والتراب بأشكال هندسية عربية، ويضم الحي العتيق أربعة أبواب، منها باب البحر، باب الرحبة، باب الخوخة الذي يقع من الجهة البحرية، وباب القبلة من الجهة الجنوبية. كما تضم المدينة العتيقة خمس مصليات، هي سيدي بن عيسى المخصصة لفرقة عيساوة آنذاك، والزاوية العلوية ومسجد ”لالة عزيزة”، ومسجد ”سيد أحمد بومعيزة” أو مسجد سيدي بلعباس ومسجد ”لالة راشدة”، حيث منها ما هو مغلق لأسباب مختلفة، ومنها ما هو مفتوح وتمارس فيها الشعائر الدينية إلى وقتنا. تؤكد الروايات أن حي قصبة تنس كان يضم 99 وليا صالحا، واكتمل العدد إلى 100 بـ«لالة عزيزة”، صنف الحي كمعلم تاريخي وطني وسمي بقصبة تنس في ديسمبر من سنة 2007، ويضم الحي منازل تعود إلى حقبات مختلفة وتشهد على مرور العديد من الحضارات والمماليك، على غرار الحكم العثماني، الأدارسة، الرستميون والموحدون.

لالة عزيزة وسيدي بومعيزة معالم شاهدة على القلعة المحروسة

من أبرز معالم المدينة القديمة بمدينة تنس، مسجد ”لالة عزيزة”، المسماة بنت السلطان سيدي مروان، التي كانت تعاني من مرض الحساسية واضطر والدها إلى إخراجها من القصر، بسبب الرياح الشديدة التي كانت تسود المنطقة، وبنى لها بيتا في المدينة وبجانبه مصلى، وكان ذلك في القرن العاشر ميلادي، مسجد ”لالة عزيزة”، الذي ذكره البكري في مؤلفه ”المسالك والممالك في المغرب العربي سنة 1000 ميلادي”، تعرض للتشويه بسبب بعض الترميمات غير المدروسة، حيث استُعين بالخزف العصري، على غرار معظم مساجد المنطقة قبل سنة 2007، السنة التي تم فيها إدراج هذه المعالم ضمن التراث المحمي، وعليه برمجت مديرة الثقافة بولاية الشلف، حسب تأكيد السيد محمد قندوز، رئيس مصلحة بمديرية الثقافة، عملية ترميم مدروسة ستنطلق شهر سبتمبر المقبل باستعمال مواد لائقة، مع الاستعانة بمكتب دراسات أشرف على ترميم قصر المشور بتلمسان، وعملية الترميم ستشمل العديد من المعالم، ويعتبر مسجد ”لالة عزيزة” أول مصلى يبنى بمدينة تنس القديمة، حيث استعان بناة هذه المعلم الديني ببعض الحجارة والأعمدة الرومانية. أما مسجد سيدي أحمد بومعيزة أو المسجد العتيق، فيعود إلى القرن التاسع ميلادي، أي بني سنة 367 هجري، حسب تأكيد السيد مروان زروقي، رئيس الثقافة والآثار بمدينة تنس وعضو الجمعية الجزائرية للإرث الجزائري، الذي قال في دردشة مع جريدة ”المساء”، بأن المسجد بني من طرف الأندلسيين باستعمال الحجارة والتراب الروماني، حيث يتوسط هذا المسجد أربعين عمودا حجريا، منها 3 من الرخام، مع وجود أربعين تاجا مختلفة الأشكال ومحراب بهندسة مدنية ثُمانية، تدل على أبوب الجنة الثمانية، ويعد من أقدم المساجد في الجزائر، حيث صنف في المركز الثاني أو الثالث، كما يعد مركز مدينة تنس القديمة، حيت تتجه صوبه كل المنازل.

دار البارود التي تحولت إلى متحف يضم أكثر من 1500 قطعة أثرية

أكد السيد بلعسل علي، مسؤول متحف تنس، أن المدينة القديمة تضم موقعا أثريا به أكثر من 1500 قطعة أثرية، أغلبها تعود إلى مدينة تنس، وقد شيد هذا المبنى سنة 1847 وكان عبارة عن مخزن للبارود والأسلحة إبان الفترة الاستعمارية، قبل أن يتحول إلى الجيش الوطني الشعبي، بعد الاستقلال مباشرة وإلى غاية سنة 1974، حيث تحول إلى مستودع لبعض المديريات، على غرار الفلاحة و«سونلغاز”، قبل أن يتحول من جديد سنة 1996 وبمبادرة من بعض الجمعيات الثقافية، إلى متحف تابع لجمعية الآثار بتنس، وفي سنة 2000 وبمبادرة من الوكالة الوطنية للآثار، تم اقتراح تحويله إلى متحف موقع، ومنذ 2007 أصبح يسير من قبل الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية المصنفة ضمن التراث الوطني. يضم المتحف المسمى الشهيد ”الجيرة علي”، جزءا من سور المدينة القديمة، الذي كان طوله 700 متر وعرضه 400 متر، إذ قامت إدارة المتحف بالتنسيق مع مديرية الثقافة بولاية الشلف، بوضع ملف تصنيف في قائمة الجرد الإضافي لهذا السور، قصد إدماجه ضمن التراث المادي، خاصة أنه لا يزال يحافظ على هيئته من الجهة الشمالية والجهة الشرقية، في حين تعرض لعملية تخريب من طرف السكان في الجهة الغربية.

برج الغولة ورواية الرضيعة التي تحولت إلى وحش

يروى سكان المنطقة رواية تعد من أساطير الحكاية الشعبية الجزائرية، عن برج الغولة الذي يعتلي المدينة القديمة ويحرسها من الأعلى، هو برج حجري تهدمت أغلب أجزائه ولم يبق منه إلا جزء صغير، حيث يؤكد السيد مروان سفتا، مرشد سياحي ومؤرخ، أن مدينة تنس تعرف بمدينة الألف أسطورة وأسطورة، وأن تسمية برج الغولة مستمد من قصة وقعت بالمنطقة في فترة سابقة، وكانت بطلتها أسرة مشكلة من زوج وزوجته، ولديهم 6 بنات، وعندما حملة زوجته في المرة السابعة، أراد أن يكون المولود طفلا يحمل اسمه ويرث أمواله وممتلكاته، وأقسم الزوج أن يطلق زوجته بالثلاث في حال أنجبت له بنتا سابعة، لكن شاء القدر أن يكون المولود بنتا، وأراد الرجل تطليق زوجته، لكن أعيان المدينة تدخلوا وأقنعوه بالعدول عن قراراه، وهو الأمر الذي كان، لكن الرجل صمم على قتل الرضيعة والتخلص منها، واهتدى إلى حيلة، حيث يجعلها تسقط من السرير إلى الأرض وهي نائمة، ونفذ خطته بإحكام عندما كان يدفع بالرضيعة بيده إلى حافة السرير حتى سقطت، لتتحول بعهدها إلى ”غولة” تخاطب والديها وتخبرهما بأنهما لو لم يكونا أبويها، لطحنت عظامهما بين أسنانها، ثم غادرت المنزل إلى مدينة أخرى، حيث عاشت وتزوجت، وعندما كبر أبناؤها، أردوا البحث عن أصل أمهم وعائلتها، فدلتهم على المدينة، وعندما وصلوا إلى ساحة المدينة القديمة وجدوا إسكافيا، فسألوه عن بيت جدهم، وأخبرهم بأن البيت الذي يبحثون عنه اسمه برج ”الغولة”، ومن ذلك الوقت والبرج يحمل هذه التسمية.

دار الباي منصف التي تحولت إلى إقامة الوالي

المتجول في مدين تنس، يقف على بناية روعة في الجمال، بحدائقها الغناء، بطول أكثر من 200 متر، تقع على الطريق مقابل الميناء العسكري، وهو طريق يعرف باسم طريق ”فيلا بولات”، نسبة لأول سيدة فرنسية تشيد منزلا بالمنطقة، وهي بناية مشيدة على نمط البناء العربي العثماني، كانت ملكا للباي منصف التونسي، الذي نفي من تونس إلى منطقة تنس، حيث سكن هذه الدار سنة 1913، قبل أن تتحول إلى ملكية السلطات المحلية بعد الاستقلال، وهي مستغلة في الوقت الحالي كإقامة تابعة لممتلكات ولاية الشلف، حيث يستقبل الوالي ضيوفه أو يأتي إليها خلال أيام العطل.