ترسيخ قيم الصيام في المجتمع الجزائري

تجربة خاضها الأولياء وتنقل بعفوية إلى الأبناء

تجربة خاضها الأولياء وتنقل بعفوية إلى الأبناء
  • القراءات: 1386
هدى. ن هدى. ن

صيام رمضان لأول مرة، حدث ذو خصوصية في حياة أفراد مجتمعنا، وهي تجربة مميزة يخوضها المرء وهو في سن مبكرة من حياته، لتبقى راسخة في الذهن، يتذكرها الأولياء وينقلونها إلى أبنائهم الصغار، ويعتمد في ذلك، توفير ظروف خاصة تعمل على شرح مدلول الصيام للأطفال، وتهيئهم للالتزام بأدائه مستقبلا، دون أن يطلب منهم ذلك.

تحرص العائلات الجزائرية على تلقين أبنائها، المبادئ الأساسية التي يقوم عليها المجتمع من قيم اجتماعية ودينية، والتي منها تهيئة الطفل وتحضيره لدخول تجربة الصيام لأول مرة، وهو في السنوات الأولى من حياته.      

وبقدر ما تعد هذه التجربة أول خطوة يخطوها الطفل، لأداء هذا الركن من أركان الإسلام، هو كذلك وسيلة تسعى من خلالها الأسرة، حسب تعبير عدد من الذين شملهم استطلاعنا، إلى توضيح المغزى الحقيقي من الصيام لدى الأطفال وهم في سن مبكرة، وهي تجربة فريدة من نوعها، مترسخة في أذهان الذين خاضوها، وهم الآن يطبقونها بعفوية وتلقائية على أطفالهم، مثلما طبقت عليهم، والدليل على نفعها ومنفعتها -حسب تعبير أحدهم- هو أن لا أحد تغيب عن ذهنه هذه التجربة وتفاصيلها.

تسرد لنا السيدة "ف.ت"، وهي ربة بيت وأم لـ3 أطفال، تجربتها الأولى مع طفلها الأول في تشجيعه على الصيام، وكان ذلك قبل 3 سنوات، حينما كان عمره لا يتعدى 5 سنوات، مؤكدة أنها قامت بتحضير طفلها نفسيا وتهيئة الجو الملائم له بمعية زوجها، ودعته إلى صيام يوم واحد على الأقل، كما أكدت له أنه يملك حرية اختيار اليوم الذي يريد فيه الصيام، وأنه يمكنه الاستمرار إذا استطاع.

تقوم الاسرة ـ حسبها- بمرافقة طفلها طوال اليوم، وتشجيعه على الصيام والوقوف على مدى تمكنه من مواصلة أداء هذا الفرض، ويتم لهذا الحدث المهم، تحضير كوب من ماء محلى بالسكر وقليل من قطرات الليمون، ويحرص الجميع على أن يأخذ الطفل أول جرعة من المشروب عند رفع آذان المغرب، وهو في مكان عال، وهي تفاصيل دقيقة ومهمة، ترسخ في ذهن الصائم الصغير، الاهتمام الذي حضي به وتجعله يتذكرها.

يعامل الطفل في هذا اليوم معاملة خاصة، فله كامل الحرية في طلب أي شيء يريده على مائدة الإفطار، ويتحول بذلك إلى ضيف شرف.   

عادة ما تختار السيدة نوال ليلة 27 من شهر رمضان من أجل تحضير أبنائها للصيام لأول مرة، لما لهذا اليوم من مدلول خاص لدى الأسرة، والأمر بالنسبة لمحدثتنا، لا يعني إجبار أطفالها على الصيام، إنما تحضيرهم لذلك مستقبلا دون أن يطلب منهم. وبالنسبة للعادات الخاصة بالأسرة، تقول إن طفلها يكون طوال اليوم محل اهتمام الكبير والصغير، ويحرص الجميع على معرفة مدى تحمله الصيام، مثلما جرت عليه العادة بالنسبة لأسرتها، تقوم بتحضير محلول "الشاربات" مع حبة بيض، وبمجرد سماع آذان المغرب، يلتف أفراد الأسرة من حوله، ويكون هو  أول من يفطر في ذلك اليوم، وتضيف أن هناك من العائلات من ينظمون سهرات عائلية يدعى إليها الأهل، ويكون ذلك حسب الإمكانيات المتوفرة.   

وحسب السيدة (ق. ت) - وهي عاملة بإحدى المؤسسات العمومية ـ فإنها بصدد نقل تجربة الصيام لأول مرة إلى ابنها الأصغر، الذي لا يتعدى 6 سنوات، لأنها تلتزم بالعادات والتقاليد المتوارثة عن الآباء، وتحرص كغيرها من الأمهات ـ على حد تعبيرها ـ على نقل هذه العادة للأبناء، بهدف ترسيخ قدسية شهر رمضان في أذهانهم، وجعلهم يقفون على المغزى الحقيقي للصيام بأبعاده الصحية والاجتماعية، وجعلهم يشعرون بما يشعر به هؤلاء الذين لا يجدون قوت يومهم.   

يقول السيد (ز.ع) - وهو رب أسرة "من منا لم يمر بتجربة الصيام لأول مرة وهو لا يتعدى سن السادسة"؟، فالحدث بالنسبة له مهم أهمية رمضان الفضيل، وتذكره هو حدث في حد ذاته، كما لا تغيب عن ذهنه هذه التجربة وتفاصيلها.   

يحرص محدثنا على غرس هذه العادة الطيبة في أسرته، ولأن له أبناء صغار لا يتعدى فارق السن بينهم ثلاث سنوات، فإن التجربة تكاد تتكرر  كل سنتين تقريبا، وتحرص زوجته على تحظير طفلها الذي يكون عليه دور الصيام لأول مرة، بنفس الطريقة التي تتبعها مع الأكبر، وأهم شيء في ذلك، هو تقديم كوب "الشاربات" الذي يؤخذ في مكان مرتفع مع  حبة بيض مسلوقة.

يصف السيد محمد هذه التجربة بالحدث المهم في حياة أفراد المجتمع، ويقول إنها تمارس في جميع الأسر بشكل طبيعي، وما لاحظه حسب تجربته الخاصة مع أطفاله، هو مرور المغزى من هذه الممارسة إلى الأطفال الأقل سنا، وما يؤكد ذلك ـ حسبه ـ؛ إصرار ابنه البالغ من العمر 3 سنوات ونصف السنة، على أخذ مكان أخيه حتى يحضى بنفس الاهتمام الذي حضي به.