الاستعداد للعشر الأواخر من روضان[2]

الاستعداد للعشر الأواخر من روضان[2]
  • القراءات: 1111

يقوم الاستعداد الحقيقي المثمر على ثلاثة أركان:

الأول: رغبة كالجبل: بمعنى أن يمتلك المستعد إرادة حقيقية قوية نابعة من أعماقه بضرورة الاستعداد لما هو مقبل عليه.

الثاني: تخطيط وعمل: بمعنى أن يخطط جيدا لما يستعد له بتحديد هدف واضح معين، ثم يضع الخطوات والإجراءات الكفيلة بتحقيق الهدف، ثم ينفذ تلك الخطوات في الواقع العملي.

الثالث: صبر وأمل: بمعنى أن يكون صابرًا على جميع العقبات الداخلية والخارجية التي ستواجهه في سبيل ما يستعد له، مع ضرورة التحلي بالروح الإيجابية وحياة مشرقة بالأمل.

والاستعداد على قسمين، واجب يلتزم به المسلم في شهر رمضان، ومستحب: يستعد به المسلم طلبًا لمزيد من الأجر والثواب وإدراكًا لفضيلة ليلة القدر.

أولاً: الاستعداد الواجب وهو:

1- أن تؤدي ما أوجب الله عليك من العبادات القولية والفعلية، ومن أهمها: الصلاة المفروضة وصيام رمضان والزكاة وزكاة الفطر.

2- أن تجتنب جميع ما حرم الله عليك من الأقوال والأفعال، فلا يعقل أن تتقرب إلى ربك بترك المباح كالطعام والشراب، ثم لا تتقرب إليه بترك ما حُرِّم عليك في كل حال، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)، وقال: (رُبَّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورُبَّ قائم حظه من قيامه السهر)، والصائم مأمور بحفظ لسانه حتى وإن تعرض للأذى من غيره، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (الصيام جُنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل إني امرؤ صائم).

ثانياً: الاستعداد المستحب، ويتمثل في الهدي النبوي في العشر الأواخر من رمضان:

1- أن تخصّ جميع زمان العشر الأواخر من رمضان ليله ونهاره بمزيد من الاجتهاد والعبادة، فعن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره)، وقالت: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل العشر شدّ مئزره) وفي لفظ: (وجدّ وشدّ المئزر)، (وقد قال الشعبي في ليلة القدر: ليلها كنهارها، وقال الشافعي في القديم: أستحبُّ أن يكون اجتهاده في نهارها كاجتهاده في ليلها، وهذا يقتضي استحباب الإجتهاد في جميع زمان العشر الأواخر، ليله ونهاره، والله أعلم).

2- أن تحيي الليل بالتراويح أو القيام، قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل العشر شدّ مئزره، وأحيا ليله)، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه )، وقال: (من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه)، واحرص بالنسبة لصلاة التراويح أو القيام ألاّ تفوّت على نفسك ثواب قيام ليلة كاملة بأن تصليها تامة مع الإمام حتى ينتهي منها، قال نبينا صلى الله عليه وآله وسلم: (إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة).

3- أن تكثر من قراءة القرآن الكريم ليلاً ونهارًا، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن جبريل عليه السلام كان يلقى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن)، وهكذا كان السلف الصالح يقرؤون القرآن في رمضان في الصلاة وغيرها، وكان لأبي حنيفة والشافعي في رمضان ستون ختمة في غير الصلاة، وكان بعضهم يختم القرآن كل ليلة من ليالي العشر، وربما أشكل على بعضهم ثبوت النهي عن قراءة القرآن الكريم في أقل من ثلاث، (وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصاً الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر، أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها، فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن، اغتنامًا للزمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة، وعليه يدل عمل غيرهم).

4- أن تعتكف في المسجد، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده)، وحقيقة الاعتكاف: قطع العلائق عن الخلائق للإتصال بخدمة الخالق، ومذهب جمهور الفقهاء بأن الاعتكاف يتحقَّق ولو نوى المسلم مكث جزء من الزمن في المسجد، وإن كان المستحب والأكمل والأفضل لديهم ألا يقل عن يوم وليلة، وقد صحّ عن الصحابي الجليل يعلى بن أمية رضي الله عنه أنه كان يقول: (إني لأمكثُ في المسجد الساعة، وما أمكثُ إلا لأعتكف).

5- أن تكثر من الجود، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، فلرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة)، والجود معناه الاستكثار من سائر أنواع الخير، كالإنفاق وحسن الخلق وبر الوالدين وبذل الخير ونشر العلم والجهاد في سبيله وقضاء حوائج الناس وتحمل أثقالهم ومناصرة المستضعفين ودعمهم والعمرة في رمضان، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (فإن عمرة في رمضان تقضي حَجَّة أو حَجَّة معي)، وإفطار الصائمين، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من فطّر صائمًا كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً)، وغير ذلك.

6- أن تكثر من الدعاء والاستغفار، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلةٍ ليلةٌ القدر، ما أقول فيها؟ وفي لفظ: ما أدعو ؟ قال: (قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)، والدعاء مستجاب أثناء الصيام، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ثلاثة لا يُرد دعاؤهم: الصائم حتى يُفطر)، وفي لفظ: (والصائم حين يُفطر)، وخصوصًا قبل الإفطار، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن للصائم عند فطره لدعوة ما تُرد)، فينبغي عليك أن تكثر من الدعاء بصلاح دينك ودنياك وآخرتك، ولا تنس أن تخصّ والدَيك وأهلك ومعارفك وإخوانك المسلمين في كل مكان بدعوات صالحات.

7- أن تشارك أهلك وأقاربك ومعارفك ومن حولك معك في العبادة، وتعينهم عليها، وتحثهم إليها، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل العشر شدّ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله)، وفي هذا جانب تربوي عظيم، فبإصلاح الأسر تصلح المجتمعات، وبإفسادها تفسد.

وأختم بدرة ذهبية للإمام ابن رجب الحنبلي حول الهدي النبوي في العشر الأواخر من رمضان حيث قال: (قد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتهجَّد في ليالي رمضان، ويقرأ قراءة مرتلة، لا يمر بآية فيها رحمة إلا سأل، ولا بآية فيها عذاب إلا تعوَّذ، فيجمع بين الصلاة والقراءة والدعاء، والتفكر، وهذا أفضل الأعمال وأكملها في ليالي العشر وغيرها، والله أعلم).

فالسعيد والله من استعد لهذه العشر، واغتنم أثمن لحظات العمر، وفاز بجائزة ليلة القدر، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من السعداء الفائزين.