الاستعداد للعشر الأواخر من روضان (1)

الاستعداد للعشر الأواخر من روضان (1)
  • القراءات: 1356

لا ريب أن كل واحد منا أعرف بحاله وأدرى بنفسه من ناحية الاستعداد للعشر الأواخر من رمضان، فله علامات ربما لاحظتها على نفسك مع الأيام الجليلة الماضية التي قضيتها من شهر رمضان الفضيل، فمن كان لا زلت مستعدًا، فطوبى له فهو في نعمة عظيمة، ومن كان يرغب في الاستعداد، فهذه فرصة جيدة لاستقبال العشر الأواخر من رمضان.

لماذا الاستعداد؟

هناك أسباب عديدة تحث على الاستعداد للعشر الأواخر من رمضان، من أهمها:

1- أن فيها أعظم ليالي العام، وهي ليلة القدر، وإحياؤها بالعبادة خير من عبادة ألف شهر بنص القرآن الكريم، قال الله عز وجل: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) [القدر:3]، يعني أن الإنسان عبد الله سبحانه بما يزيد عن (83 سنة و4 أشهر تقريباً) عبادة متصلة، صلاة وصيامًا، صدقة وقيامًا، ذكرًا وقرآنًا، ومن أجل ذلك حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من تفويت هذه الليلة النفيسة عندما دخل رمضان، فقال: (إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرمها فقد حرُم الخير كلَّه، ولا يُحرمُ خيرَها إلا محروم).

2- أن القرآن الكريم نزل في هذه الليالي العظيمة لاسيما ليلة القدر، قال الله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر:1].

3- أنها من المواسم الشرعية التي تكثر فيها البركة، قال الله سبحانه: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) [الدخان:3]، والملائكة تتنزل في ليلة القدر ومعهم جبريل عليه السلام، قال الله تعالى: (تَنَزَّلُ الملائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) [القدر:4]، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى)، فتتنزل معهم البركة والرحمة، وهذا يعني أيضاً أن الدعاء فيها مستجاب، والملائكة تؤمن على الدعاء.

4- أن فيها ليلة تكثر فيها السلامة من العقاب والعذاب لما يقوم به المسلم من طاعة الله، ولا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءً أو أذى، قال الله عز وجل: (سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) [القدر:5].

5- أن من قام هذه الليالي المباركة تصديقاً بالله وبوعده وطلباً للأجر والثواب غُفرت له الذنوب السابقة، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه).

6- أن الله سبحانه يعتق من النار في كل ليالي رمضان المبارك، والعتق في العشر الأواخر منه أعظم وأكبر وأجل، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة).

7- أن هذه العشر الأواخر تتيح للمسلم فرصة ثمينة ليتدارك ما فاته، ويختم له بخير، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما الأعمال بالخواتيم).

متى يتم الاستعداد؟

يستعد لها من الآن، ويخطط لها من هذه اللحظة، وتكون خطة معقولة متقنة، فقليل دائم خير من كثير منقطع، ويعتمد فيها على الهدي النبوي في العشر الأواخر من رمضان، علمًا بأن تحري ليلة القدر يبدأ من ليلة الحادي والعشرين من رمضان، وينتهي بغروب شمس آخر يوم منه، ومن أراد حقًا أن يصادف ليلة القدر، ويأخذ خيرها، فليحرص على الاجتهاد في سائر الأيام العشر الأخيرة، وكأنهن جميعًا ليلة القدر، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان).

نعم هذه الليلة في السبع الأواخر أقرب، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها، فليتحرها في السبع الأواخر). وهي في أوتار العشر الأواخر أرجى، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان).

وعند الجمهور أنها في ليلة سبع وعشرين أرجى ما تكون، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من كان متحريها، فليتحرها ليلة سبع وعشرين، تحروها ليلة سبع وعشرين)، وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا نبي الله، إني شيخ كبير عليل، يشق علي القيام، فأمرني بليلة لعل الله يوفقني فيها لليلة القدر، قال: (عليك بالسابعة).

وعن معاوية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ليلة القدر قال: (ليلة سبع وعشرين)، ولما صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالناس ليلة سبع وعشرين دعا أهله ونساءه ليلتها خاصةً وقام بهم إلى آخر الليل حتى خشوا أن يفوتهم السحور.

وكان أبي بن كعب رضي الله عنه يقول: والله الذي لا إله إلا هو، إنها لفي رمضان، يحلف ما يستثني، ووالله إني لأعلم أي ليلة هي، هي الليلة التي أمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقيامها، هي ليلة صبيحة سبع وعشرين. وهذا في الغالب، وليس دائمًا، فقد تكون أحيانًا ليلة إحدى وعشرين، كما جاء في حديث أبي سعيد رضي الله عنه، وقد تكون ليلة ثلاث وعشرين كما جاء في رواية عبد الله بن أُنيس رضي الله عنه.

وقد أخفى الله تعالى هذه الليلة لعدة وجوه منها:

1ـ  أنه تعالى أخفاها عن عباده، كما أخفى سائر الأشياء، فإنه أخفى رضاه في الطاعات، حتى يرغبوا في الكل، وأخفى غضبه في المعاصي ليحترزوا عن الكل، وأخفى وليه فيما بين الناس حتى يعظموا الكل، وأخفى الإجابة في الدعاء ليبالغوا في كل الدعوات، وأخفى الاسم الأعظم ليعظموا كل الأسماء، وأخفى في الصلاة الوسطى ليحافظوا على الكل، وأخفى قبول التوبة ليواظب المكلف على جميع أقسام التوبة، وأخفى موعد الموت ليخاف المكلف، فكذا أخفى هذه الليلة ليعظموا جميع ليالي رمضان.

2ـ  كأنه تعالى يقول: لو عينت ليلة القدر، وأنا عالم بتجاسركم على المعصية، فربما دعتكم الشهوة في تلك الليلة إلى المعصية، فوقعتم في الذنب، فكانت معصيتكم مع علمكم أشد من معصيتكم مع عدم علمكم، فلهذا السبب أخفيتها عليكم.. فكأنه تعالى يقول: إذا علمتم ليلة القدر، فإن أطعتم فيها اكتسبتم ثواب ألف شهر، وإن عصيتم فيها اكتسبتم عقاب ألف شهر، ودفع العقاب أولى من جلب الثواب.

3ـ  أني أخفيت هذه الليلة حتى يجتهد المكلف في طلبها، فيكتسب ثواب الاجتهاد.

4ـ  أن العبد إذا لم يتيقن ليلة القدر، فإنه يجتهد في الطاعة في جميع ليالي رمضان، على رجاء أنه ربما كانت هذه الليلة هي ليلة القدر، فيباهي الله تعالى بهم ملائكته، ويقول: كنتم تقولون فيهم يفسدون ويسفكون الدماء، فهذا جده واجتهاده في الليلة المظنونة، فكيف لو جعلتها معلومة له، فحينئذ يظهر سر قوله: إني أعلم ما لا تعلمون).

فينبغي للمؤمن أن يجتهد في جميع أيام وليالي هذه العشر طلبًا لليلة القدر، اقتداءً بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم.

(يتبع)