الفنان التشكيلي عبد الاله بوبشير لـ"المساء":

وجدت ضالتي في رسم الطبيعة والعمران الإسلامي

وجدت ضالتي في رسم الطبيعة والعمران الإسلامي
الفنان التشكيلي عبد الاله بوبشير
  • القراءات: 3816
لطيفة داريب لطيفة داريب

شراء الأعمال الفنية استثمار ناجح للمقتني والفنان

عبد الإله بوبشير، فنان تشكيلي من مواليد 1991، بسيدي بلعباس، خريج المدرسة الجهوية للفنون الجميلة بوهران (دفعة 2012)، متحصل على شهادة الدراسات الفنية العامة، والدبلوم الوطني لدراسات الفنون الجميلة، تخصص رسم زيتي. اتصلت به "المساء" وأجرت معه هذا اللقاء.

حدثنا عن مشاركتك في مهرجان أمريكا الشمالية الدولي للفنون؟

❊❊ أشارك في النسخة الأولى لمهرجان أمريكا الشمالية الدولي للفنون، التي انطلقت فعالياتها في الفاتح من سبتمبر بصورة افتراضية، وهي من تنظيم عدة مؤسسات فنية تعنى بالثقافة والفنون، بالتعاون مع مؤسسة "غلوبال غولدمان" للعرض الفني، حول موضوع "إنقاذ الكوكب"، بمشاركة قرابة 200 فنان، من 40 دولة. وأشارك بلوحة فنية تحت عنوان "السكينة التي لم يطلبها أحد"، بتقنية غواش على ورق، يدور موضوعها حول أهمية الراحة النفسية وتسلط الضوء أيضا على الآثار والحضارة العمرانية لأسلافنا في المغرب العربي.

* عدت إلى الساحة الفنية بعد انقطاع دام سنوات، حدثنا عن ذلك؟

❊❊ هذا صحيح، فقد شاركت في عدة معارض جماعية ومعرض فردي بتلمسان، من تنظيم جمعية النشاطات الشبابية، ومن ثمة توقفت عن الرسم لمدة قاربت 6 سنوات. في هذه الفترة، أعدت النظر في مستقبل الفن التشكيلي في بلادنا، ورتبت أموري، خاصة منها التعب النفسي الذي لاحقني طيلة هذه الفترة، لكن عدت إلى النشاط منذ فترة، والرجوع بقوة، إن شاء الله، لإثراء الساحة الفنية.

أنا الفنان الجزائري الوحيد الذي يشارك في معرض بأمريكا الشمالية

هل عرضت أعمالك خارج الجزائر؟

❊❊ عرضت أعمالي بالمجر، كما أطمح إلى عرض أعمالي بكبرى قاعات العرض الفنية، التي لها تأثير في الرأي العام العالمي، وشاركت أيضا سنة 2018 في المسابقة الدولية "هاكاثون الحج" المقامة بمدينة جدة، في المملكة العربية السعودية، حيث تحصلت على شهادة "غينيس" للأرقام القياسية، كأكبر حدث عالمي من حيث المتسابقين، كما كان لي الشرف أن أجرت هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية "NHK" معي حوارا حول فن رسم وصناعة السجاد في اليابان.

ماذا عن لوحاتك المدرجة ضمن أكبر مجموعة فنية بالمجر؟

❊❊ تحقق ذلك عقب حفل التخرج من مدرسة الفنون الجميلة بسيدي بلعباس، حيث عرضت أعمالي في الشبكة العنكبوتية، لقيت الإعجاب من طرف جامع التحف الفنية باتريك سفوبودا، الذي طلب إدراج أعمالي ضمن المجموعة الكبرى للأعمال الفنية التشكيلية، المسماة "سفوبودا ارت كولكشن" بالمجر، والتي تضم أعمال مختلف الفنانين والنحاتين العالميين المنتمين لتيارات وحركات فنية متعددة.

بصفتك رئيسا لنادي الفنون بمدرسة "اقرأ"، ما هي النشاطات التي تنظمونها؟

❊❊تم استخدام المنصة الرقمية التفاعلية "كلاس دوجو"، للمرة الأولى، كتجربة مميزة في إطار تطوير علاقة المدرس مع تلامذته، حتى بعيدا عن القسم، وكذا التواصل الجاد والفعال بين أولياء المتمدرسين ورئيس النادي، وإعطاء بُعد تفاعلي شيق يشجع الأطفال على بذل المزيد. النادي له عدة نشاطات في فن الخط وكذا الأشغال اليدوية، ورسم الطبيعة.. إلخ، تنظم دوريا تحت إشراف المدير.

عدت إلى الفن بعد انقطاع دام ست سنوات

هل ساعدتك عضويتك في العديد من النوادي المحلية والدولية في تطوير قدارتك الإبداعية؟

❊❊ الاحتكاك بكبار التشكيليين سمح لي بالاستفادة من تجاربهم، من خلال النوادي والجمعيات التي تنشط ويشارك فيها الكل بإبداعاتهم وتجاربهم الجديدة، وإن تراجع نشاط الجمعيات في الآونة الأخيرة. أريد أن أقول أيضا، إن التواصل الفعال في الأندية بين الفنانين، مكنني من الدراية بتنظيم المسابقات الكبرى، وكذلك الإصدارات التي أشارك فيها قبل أن تخرج إلى العلن.

هل لك أن تقدم تفاصيل عن كتابك الذي سيصدر قريبا؟

❊❊ هذا الإصدار الذي سيرى النور قريبا، بإذن الله، عبارة عن مجموعة لوحات ونصوص تحت اسم "عبور" من تأليفي، نصا ورسما، وجاء بناء على تجارب ورؤية فنية حول مشروع إعادة الحياة لرموز وأشياء من الجماد، موجودة بالقرب منا، ونراها يوميا ولا نلقي لها بالا، ومثال عن ذلك الأبواب والطرقات والنوافذ، كموضوع رئيسي في هذا الكتاب، وكذا تسليط الضوء على هذه المكونات الجمالية، التي لا تخلو حياة إنسان من دونها. كما ينبغي الحفاظ عليها، والنظر إليها بنظرة ترفع من المستوى والحس الجمالي لدى الإنسان، والذي هو مطالب به في كل تفاصيل حياته مصداقا لقوله "إن الله جميل يحب الجمال" وترسيخا للقيم الفاضلة التي تعنى بالجمال، والتي هي أساس نهضة المجتمعات.

ماذا عن مشاركتك في إصدار منصور عبروس رحمه الله؟

❊❊ بخصوص مؤلف عبروس رحمه الله، الذي يحمل عنوان "الفنون التشكيلية قرن من الإبداع والمبدعين (1896 - 2014)"، فقد راسلني حول موضوع كتابه، والذي كان بمثابة ذكرى مئوية الفنون التشكيلية في الجزائر. الكتاب عبارة عن موسوعة تضم أعلام الفن ورواد التشكيل الجزائري. كان رحمه الله، رجلا عاملا متفانيا في خدمة الفن، فقد أعاد بعضا من الاعتبار للفنانين السابقين والمعاصرين من المحترفين والشباب، وقدم عملا متكاملا يستحق مكانته في المكتبات العالمية، وشكل ذكرى لا تنسى.

هل يمكن للفنان التشكيلي في الجزائر أن يعيش من فنه؟

❊❊ في غياب ثقافة اقتناء اللوحات والمنحوتات الأصلية، لا يمكن أن يقتات الفنان من لوحاته، اللوم لا يقع على الجمهور، بل على الفنان الذي عليه الوصول إلى طريقة ما لإيصال رسالته الفنية، وأن يقدم عملا فنيا قريبا من الجمهور، أي أن يكون سهلا وواضحا، يُشعر الجمهور بالانتماء إليه، بعيدا عن دوامة الرسومات والتيارات التي لا تمثل أبدا ثقافة المجتمع.

كما يجب على الفنان التشكيلي تعلم التخطيط والإدارة والإنتاج والبحث والتسويق، هناك أيضا أمر آخر سائد بين الكثير من الفنانين، حيث تجده يتكلم عن تفاصيل اللوحة، وينسى قيمة اللوحة !!، الذي يكون عن طريق إبراز القيمة الحقيقية للقطع الأصلية، والروح التي تكمن وراء تلك القطعة. في الحقيقة، إن شراء الأعمال الفنية، استثمار ناجح للمقتني والفنان على حد سواء، لو كانوا يعلمون، ولنا في تاريخ الفن عبرة، كما أشجع مختلف فئات المجتمع على اقتناء الأعمال الفنية وما هو أصلي، والحمد لله، في الفترة الأخيرة أصبح هناك فصل بين ما هو أصلي وما هو مقلد.

أشجع على اقتناء الأعمال الفنية الأصلية والابتعاد عن المقلدة منها

ما هي الصعوبات التي تواجه الفنان التشكيلي في مساره الفني؟

❊❊ من بين الصعوبات التي تواجه الفنان التشكيلي في مساره الفني، عدم وجود قانون واضح للفنان، والذي طال انتظاره، والنتيجة ترسيخ لثقافة الفوضى، وازدياد لمأساة الفنانين اليومية، لتضيع الكثير من الحقوق. نعم أرى أنه في غياب التسويق الفعلي، يتعرض الفنان إلى الكثير من الظلم، في المقابل، ظهر في السنوات الأخيرة ما يسمى بالتسويق الإلكتروني، الذي ساهم بشكل جيد في بيع القطع الفنية وإخراجها من حالة الركود التي تعيشه.

ما الشروط الواجب توفرها لإنشاء سوق فني تشكيلي بالجزائر؟

❊❊ أؤكد في هذا السياق، دور الاستثمار من قبل رواد الأعمال في قاعات العرض الخاصة، وضرورة تقريبها من الجمهور، من خلال وضع نسخة منها على الشبكة العنكبوتية لعرض الأعمال، والتي تعد الركيزة الأساسية لتسويق عمل الفنان بشكل جدي، وستكون سببا في خلق سوق فنية ذات طابع متين ومنظم.

هل تنصح الشباب بدراسة الفنون الجميلة، رغم كل ما يمكن أن يعترضهم من عراقيل؟

❊❊ سؤال وجيه، أشكرك عليه، هناك قلة اهتمام بالفنون في المدارس التي تشكل نقطة الاكتشاف الأولى للمواهب، بهدف تحفيزها. أنصح الشباب بضرورة الانخراط في مدارس الفنون الجميلة لصقل مواهبهم، وأؤكد على شيء مهم جدا، وهو التطوير الذاتي عن طريق مطالعة كتب كبار الفنانين، والتعرف على مختلف تقنيات الرسم التي ستسمح للمبتدئ بالتطور وتنمية المهارات على مراحل، بشكل لا يصدق، وأقول هذا عن تجربتي الخاصة، هنا أتذكر الأستاذ عبد القادر بلخوريصات الذي لم يبخل علينا بنصائحه، وبدوري أوجه نصيحة فحواها: يجب على الفنانين أن لا ينشغلوا بالعراقيل، وعليهم دخول مدارس الفنون الجميلة، والتعلم قدر المستطاع من الأساسيات، فحتى لو نال الفنان شهادات من أعلى هرم الدولة، لا يعني ذلك أنه كفؤ حتى يثبت العكس .

ما تقييمك للساحة الفنية التشكيلية في الجزائر؟

❊❊ لا أرقى لنقد المشهد، إلا أنني أستطيع الحديث عن بعض الظواهر غير الصحية التي تُخيم على الوضع، أبرزها دخول كثير من المتنطعين للساحة الفنية، على أساس أنهم فنانون، مستفيدين من عدم مواكبة قوية من النقاد للساحة، في ظل غياب الإعلام المتخصص، هناك فعلا فراغ عظيم يسمح لهؤلاء المزيفين (فنانو يوم الأحد) بالتسيد بكل تهريج على المشهد الأمامي، في استغلال واضح، لعدم تملك المتلقي العادي للمفاتيح الأساسية لقراءة اللوحة التشكيلية، فتجدهم مختبئين وراء شعار النسبية، وعدم قدرة البعض على التفرقة بين مدارس فنية، كالسريالية والخزعبلات.. !!

أما من ناحية الهياكل، فهناك عودة ميمونة للقاعات القديمة وتأسيس أخرى جديدة، ونفض الغبار عن المتاحف، كما أطالب بضرورة عودة قاعة الفن "نوار الطيب" بمدينة بلعباس للفنانين، وأن لا يتركوا هذا الصرح للدخلاء.

ما هي المواضيع التي يحب عبدالإله رسمها؟

❊❊ كأي فنان لديه قيم ومبادئ، تنبثق مبادئي من الخلفية الإسلامية، وهي التي دفعتني للبحث عن ضالتي التي وجدتها في رسم الطبيعة والعمران، خاصة الإسلامي منه، فالطبيعة بالنسبة لي هي الملهم الأول للإنسان، والمهد الأول للألوان، والتي كانت بمثابة شرارة انطلاق الإبداع الجداري.

أما العمران، فذلك النمط العجيب الذي تركه أجدادنا من مختلف الحضارات والتأثير القوي للعمران الأندلسي، جعلت منه مادة دسمة لإثراء لوحاتي بألوان غاية في الجمال، وتأثير الظلال والأنوار في المغرب العربي التي سلبت روحي، وهكذا أستخدم تقنية الرسم بالاكواريل والغواش، وكذلك بصفة خاصة ألوان الباستيل. فيما يخص الأعمال التجارية، أسست متجرا خاصا "اونلاين"، اسميته "chic boost"، أبيع من خلاله الحقائب القماشية التي أرسم عليها، حسب الطلب. ومؤخرا، أخطط لبدء تقنية مزج الخط العربي مع الورود في تجارب ثرية، لإبراز الهوية الإسلامية عن طريق استخدام هذه المواد والتركيبات، بعيدا عن كل محاولات الهدم والتشويه التي تتعرض لها الثقافة الإسلامية. أخيرا، وصيتي لكل فنان، أن يلتزم بما هو مفيد وتربوي للمجتمع، وأن يرقى به إلى مصاف المجتمعات الفاضلة، ولا ينخدع بثقافة الغرب الزائفة والتيارات التي أسميها أنا "اللا فنية"، لا زال يسقط في شراكها فنانو اليوم.