الكاتبة المؤرخة مليكة رحال لـ"المساء":
هويتي الجزائرية خياري ومنبع لكتاباتي
- 231
حاورتها لطيفة داريب
التقت جريدة "المساء" بالكاتبة والمؤرّخة مليكة رحال على هامش مشاركتها في معرض الكتاب بالجزائر، والتي صدرت لها مؤخرا سيرة ذاتية بعنوان "ألف قصة ستروي قصتي" عن دار النشر "البرزخ". خلال هذا اللقاء، تحدثت الكاتبة عن ارتباطها الروحي بالجزائر، بلد النضال والانتصار على الاستعمار، الذي اختارته هويتها وملاذها النفسي. فمن خلال أعمالها، لا تُقدّم فقط سردا لتاريخ الجزائر المعاصر، بل تُجسّد أيضا حكاية ارتباط شخصي وجذري بأرضها، وترسم صورة حية لعلاقة الإنسان بوطنه التي تتجاوز الحدود الجغرافية وتصبح خيارا واعيا ومصدرا للسكينة.
❊ صدر لك مؤخرا كتاب بعنوان "ألف قصة ستروي قصتي"، ما الذي دفعك إلى كتابة هذا العمل؟
❊ الكاتبة مليكة رحال: كان هدفي من تأليف هذا الكتاب، تقديم سيرة ذاتية تكشف كيف أصبحتُ مؤرّخة، وكيف أثّرت قصص عائلتي – وهي قصص تشبه قصص آلاف العائلات الجزائرية – في اختياراتي. أردت أيضا أن أعرّف الجمهور بمهنة المؤرخ وما تمثّله في الحياة اليومية، لأن أغلب الناس يجهلون ما نفعله كل يوم. في عائلتي كنت أسمع روايات عن الحرب، وعن عمّي الشهيد زهير من الولاية الثانية بجيجل الذي كان مسؤولا عن الإذاعة هناك، لهذا خصصت فصلا في كتابي عن عمي الذي أثرّت فيّ قصة استشهاده بشكل كبير جدا. نعم لقد كتبت عن رجل مات وهو شاب وأنا الآن في سن أكبر مما كان عليه حينما استشهد .
❊ كيف أثّرت جذورك العائلية والهجرة في مسارك الشخصي والمهني؟
❊ ولدتُ في فرنسا، لكن علاقتي بالجزائر كانت دائما حاضرة عبر العائلة والزيارات التي كنت أقوم بها لهذا البلد ثم حدثت القطيعة في سنوات التسعينيات ثم عادت الزيارات مجددا في الألفية . أعتبر مهنتي كمؤلفة و تخصصي في تاريخ الجزائر المعاصرة، عذرا للعودة مرارا الى الجزائر حيث تعلمت اللغة العربية والتقيت بالناس. كنتُ أبحث تاريخيا، وفي الوقت نفسه كنت أعيد بناء تواصل انقطع بسبب الهجرة.
❊ هل تعتبرين نفسك سفيرة للجزائر بفرنسا؟
❊ لا أتفق مع كلمة سفيرة. أعتقد أن الجزائر يجب أن يمثلها أبناؤها الذين كبروا في فرنسا، لأن تجاربهم متنوعة ومهمة. أما عن دوري فهو إعلام الفرنسيين بوجود رؤى مختلفة عن رؤاهم في الضفة الأخرى من البحر المتوسط. لأن هناك ميلا في فرنسا إلى تجاهل رؤى الدول التي تحررت من الاستعمار. أحيانا أقول للفرنسيين: رأيكم ليس عالميا، وليس الوحيد. على الضفة الأخرى من المتوسط، الناس يفكرون بطريقة مختلفة ولهم رؤاهم الخاصة بالتاريخ والحاضر وبالعالم أيضا".
❊ هل شعرت يوما بأنك ممزّقة بين الهويتين الجزائرية والفرنسية؟
❊ اخترت أن أحتفظ بكل هوياتي. لي ثلاث جنسيات، فأمي أمريكية، ورغم أنني نشأت في بيئات متعددة لكن خياري هو للجزائر، للبلد الذي انتصر على الكولونيالية. وفي السياق الحالي، ومع ما يحدث في غزة، أصبح موقفي واضحا: أنحاز إلى الشعوب التي ناضلت ضد الاستعمار، وهذا بالنسبة لي خيار طبيعي.
❊ هل تعتبرين هوياتك الثلاث.. ثراء؟
❊ نعم هي كذلك، رغم أنه ليس من السهل أن تكون لديك عدة هويات، فيجب في هذا الحال تعلم لغات متعددة وربما قد لا نتمكن من إتقانها، وكذا ضرورة أن ندرك العقليات في هذه المجتمعات. فهناك أمور لا أتقنها في فرنسا، وأخرى أتقنها في الجزائر. بالمقابل تعلّمت مع الوقت، اللغة العربية، وهذا منحني السكينة وفهما أعمق لسياقنا السياسي. بالمقابل لا أنكر أن بلدين من البلدان التي أنتمي إليها ارتكبا إبادة جماعية، هذا الأمر واضح بالنسبة لي ولا أتردد في ذكره. حقا أشعر بغضب شديد تجاه فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية اللتان ساندتا ما يحدث في غزة من مجازر، وأعتقد أن موقف الجزائر شعبا وحكومة المساند لغزة بدون ابهام أو تردد مهم جدا بالنسبة لي.
❊ بصفتك مؤرخة، كيف يمكن تفسير العداء الذي تبديه طبقة سياسية فرنسية معينة للجزائر؟
❊ أعتقد أن الدول الاستعمارية تظل استعمارية في الفكر، حتى بعد انتهاء الاستعمار. استقلال الجزائر شّكل معاناة كبيرة لفرنسا، ولا يزال البعض غير قادر على تقبّلها. كنت أفهم غضب الجيل الذي هُزم عام 1962، لكن ما يحزنني هو انتقال هذا الغضب إلى شباب اليوم الذين ليست لهم أي علاقة مباشرة بذلك الماضي. الخطاب العدائي اليوم عنيف ومقلق جدا، خصوصا بالنسبة للفرنسيين من أصول جزائرية والجزائريين المقيمين في فرنسا.
❊ ألا تعتقدين أن هذا العداء مرتبط بالإسلام أكثر منه بالجزائر؟
❊ الاثنان مرتبطان. يوجد ما يسمى بالإسلاموفوبيا، وهناك أيضا حقد على الجزائر البلد المستقل. ورغم هذا الجو المتوتر في فرنسا، أسعدني أن أجد قرّاء فرنسيين تفاعلوا بإيجابية مع كتابي السابق المعنون ب" الجزائر سنة 1962. قصة شعبية"، فقرأوا الكتاب واستمتعوا به. مثل هؤلاء قلة، لكن وجودهم يُريحني في هذا السياق الصعب.