الممثلة والمخرجة ليندا سلام تكسر جدار صمتها مع "المساء":

مهرجان عنابة للمسرح النسائي يجب أن يعود..!

مهرجان عنابة للمسرح النسائي يجب أن يعود..!
الممثلة والمخرجة المسرحية ليندا سلام
  • القراءات: 5454
دليلة مالك دليلة مالك

كسرت الممثلة والمخرجة المسرحية ليندا سلام جدار الصمت مع الصحافة، الذي طال لسنوات، بهذا الحديث الذي خصت به "المساء"، وهي التي غابت طويلا عن المشهد الفني، خاصة أن لها مكانة لدى الجمهور العريض، سواء على خشبة المسرح أو التلفزيون، فكانت مناسبة مواتية للتكلم عن سبب الغياب، وشعورها بالخذلان من الوسط الفني الذي لم يقف إلى جانبها في محنتها المرضية، وعن مشاريعها، ومشروعها في بعث مهرجان عنابة للمسرح النسائي، فضلا عن حديثها عن الراحلة صونيا وعلاقتها بها.

ما هو سبب غياب الممثلة والمخرجة المسرحية ليندا سلام عن المشهد الفني؟

❊❊ صحيح غبت مدة طويلة، لظروف صحية لم تسمح لي بالعودة، خاصة حادث المرور الذي تعرضت له، حيث خضعت لأربع عمليات جراحية في تلك الفترة، للأسف، ما بين 2017 و2018، ثم توجهت إلى مرحلة إعادة التأهيل الجسدي حتى 2020، استطعت التنفس. وحاليا أعتني بنفسي جيدا.. أرأيتم أين أوصلني حب المسرح؟.

عشت فترة مرضي وكأني لم أكن موجودة

خلال فترة مرضك، هل كان هناك تعاضد وتعاطف من الوسط الفني؟

❊❊ وكأني غير موجودة أصلا، لما تمرضين ينسونك، وتعتقدين أنك محاطة بمجموعة من الزملاء يقفون بجانبك، لكن ليس لهذا الأمر أي أساس من الصحة، وتبقين تتحملين الضرر وحدك، وأقول هذا عن تجربة وعن ما عشته مع ناس ضحوا وعانوا أيضا، ومنحوا حياتهم ووقع لهم الأمر نفسه. الفنان لما يمرض لا يحتاج تكريما وحماية اجتماعية، لكن أهم شيء هو ذلك التضامن الذي يعيشه وسط أصدقائه والسؤال عليه، وهذا غير موجود، لأنهم يمشون مع الأقوى، فنانين كانوا أو مسؤولين، يجب أن تقدمي طلبا للمساعدة من أجل حالتك الصحية، وأنا شخصيا أفضل أن يبقى ضررا داخليا على أن أشهر به، والقول "شاهدوني أنا مريضة والفنان مسكين"، فهذا الأمر يزعجني ويؤلمني، أعتقد أن الجمهور يجب أن يحتفظ بصورة جميلة لفنانيه، وهو مشكور، لأنه كان يسأل عني.

وما حز في نفسي، أنه بعد أن استرجعت عافيتي وبدأت ألتقي ببعض الفنانين يقولون لي، بحثنا عنك ولم نجدك، ألا يعرفون الاتصال أو ضاع عنهم باب بيتي، إذ أرى أنه من المهم أن يكون الفنان محاطا بوسطه لما يمرض، لأن هذا هو دواؤه؛ أصدقاؤه وزملاؤه وهي عائلته الثانية. والعتاب أيضا يقع على الإعلام، الذي لم يتناول الموضوع إلا بعد الضجة التي تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي. وأستثني بعض الأشخاص المقربين الذين وقفوا معي.

هل لديك مشروع مسرحي؟

❊❊ أكيد، يجب أن أعود بقوة، حيث سأقوم بإعادة إخراج مسرحية "كذاب ـ كوم"، وهذه المرة ستكون بالعربية، بينما كانت الأولى بالأمازيغية، والنص لمراد سنوسي، ولدي مشروع ثان للأطفال، هو في مرحلة الكتابة، لأنني لا أحب أن أكتب وأخرج وأصنع الديكور، وأعتقد أن كل واحد له اختصاصه، والعمل الجماعي غالبا ما يأتي بجديد، وهذا ما أفضله، وأرى أن البعض يخرجون ويكتبون ويمثلون ويضعون السينوغرافيا، لكن في الأخير يخرج العمل ضعيفا، ذلك أنه حمل رؤية واحدة من زاوية يتيمة.

الوسط الفني خذلني، لأنه لم يسأل عن حالتي الصحية إلا القلة المقربة

ماذا عن المهرجان النسائي في مدينة عنابة؟

❊❊ في البداية، أود الترحم على الراحلة صونيا، هذا المهرجان أوقفه وزير الثقافة الأسبق عز الدين ميهوبي، لأسباب غير معروفة، كما أوقف العديد من المهرجانات، وفي فترة الوزيرة مليكة بن دودة، ذهبت إلى جميلة زقاي إلى الوزارة، للحديث عن بعث المهرجان من جديد، ورحبت بالفكرة، وقالت إنها سترى مع الوزيرة وبدأت الإجراءات، وتلقيت أصداء إيجابية، وأنني سأكون محافظته، فالفكرة التي كنت أريد أن أقوم بها هو استرجاع هذا المكسب الثقافي، وتكريم صونيا لأول مرة من خلاله، ثم من أراد أن يكمل المشوار، فله ذلك، هذا المنصب لن يدوم ولن أخلد فيه طول حياتي، كان لدي أمل وبدأت العمل، وذهبت لمسرح عنابة مع طاقم المحافظة، وأعددنا مشروعا أوليا أودعته لدى الوزارة، وكنت أنتظر اتصالا فقط للشروع في العمل، لكن هذا لم يحدث، وأقيلت بن دودة وجاءت بعدها وفاء شعلال، ثم ذهبت مجددا للوزارة لمعرفة الجديد، وهناك التقيت بسمير ثعالبي المكلف بالمهرجانات، الذي لم يستقبلن حتى في مكتبه، وكلمني في الرواق على أساس أنه لا يوجد مهرجان نسائي للمسرح، ولا أي شيء، وأن هذه المشاريع ذهبت مع الوزيرة السابقة، واليوم لا أعرف مصير هذا المهرجان.

ما رأيك في التجارب النسائية في المسرح الجزائري؟

❊❊ لم تكن هناك تجارب، بل محاولات لبعض المخرجات وعددهن قليل، اثنان أو ثلاث من يقمن بالإخراج، لكن عندما كان المهرجان النسائي للمسرح، تحرك قطاع الفن الرابع وخلق أجواء من المنافسة بين المسرحيات، وجعلهن يستعدن كل عام للحضور بعمل مسرحي جيد، وفرض وجود بعمل فني، ومن المؤسف أن يتوقف المهرجان بعد أربع دورات فقط، وقد كان بالاستطاعة الاستفادة منه، وأرى أنه من الأهمية أن يعود هذا المهرجان الذي توقف في 2015. وأظن أن دعم الوزارة غير كاف، فلو كل مسرح جهوي أعطى فرصة لإنتاج مسرحية لمخرجة، لاكتشفنا مواهب.. أنا لا أسمي نفسي مخرجة، لأنني لم أدرس الإخراج، وإنما أقوم بمحاولات، وهو الأمر السائد عند باقي المخرجات، على ضوء الخبرات السابقة في التمثيل. 

ليست هناك تجارب نسائية في المسرح بل محاولات  

أين درست التمثيل؟

❊❊ درست في كونسرفاتوار الجزائر العاصمة سنة 1984، عند الأستاذ محمد الطاهر فضلاء وعلال المحب وميلود رياحي، وبفضل الأستاذ الراحل مصطفى قصدرلي، دخلت المجال الفني. وانتقلت إلى مسرح بجاية في 1987 بتصريح أبوي، لأنني كنت قاصرا. وبدأنا بقوة مع عبد الرحمان بقرموح، غير أن الموت خطفه، لكن هذا الأمر لا يجعلنا نفقد الأمل، يكفيني أنني عرفت هؤلاء الناس، وعملت مع الأسماء الكبيرة في المسرح الجزائري، وتعلمت منهم، على غرار عبد القادر علولة وعز الدين مجوبي وصونيا، حتى وإن لم يكن هناك تعامل مع بعضهم، ولكن فقط مشاهدتهم حتى أتعلم، وأساس ما تعلمته هو الاحترام والتعامل مع الناس، مع التقنيين والفنانين ومع الجمهور والإيمان بالنقد.. تصوروا أن يشارك عمل مسرحي في تظاهرة في الخارج، الكل يسارع للذهاب في سفر، وكأن الأمر لا يتعلق بتمثيل الجزائر، الذي يجب أن يكون في أحسن صورة، أو أن نخرج مسرحيات تجارية لا تحمل مضامين عميقة، كل هذا من عمل النقد الذي يمارسه القلة من الصحفيين الحقيقيين الذين يعدون على الأصابع.

هكذا عرفت صونيا ولهذا أحببتها

حدثينا عن الراحلة صونيا وعلاقتك بها؟

❊❊ صونيا عرفتها منذ بداياتي في الميدان الفني، كنت أتابعها هي والفنانة دليلة حليلو، في يوم التقيتها في مقهى "طونطون فيل" وتحدثنا، وحيت أول مسرحية أخرجتها للأطفال، كان ذلك في حوالي عام 1998، وقالت لي إنها تتابع عملي وقرأت بعض المقالات بخصوصها، وهي سعيدة لما أقوم به، وهذا الأمر أسعدني جدا وبقي في ذاكرتي. لاحقا، سمعت أن الراحلة صونيا لما اشتغلت في المسرح الجهوي لسكيكدة، كانت تحضر لإعادة إنتاج وإخراج مسرحية الشهداء يعودون هذا الأسبوع، فطلبت منها أن أكون ضمن فريق العمل كممثلة أو مساعدة في الإخراج، فوافقت بعد تفكير، ثم أن انشغالها بتسيير مسرح عنابة الجهوي لم يمنحها الوقت الكافي للوقوف على المسرحية.

والعمل مع صونيا ليس مثل باقي المخرجين، حين كنت أساعدها، كانت تمنحني فرصة إظهار إمكانياتي، فهي ليست من النوع الذي يطغى، وتقول لي، أريني ما يمكن أن تفعليه، ثم بدأنا في كتابة "الشهداء يعودون هذا الأسبوع"، وقمت بإعادة الكتابة، وفي كل مرة أقرأ عليها نصا توافق عليه، ولما حان وقت توزيع الأدوار، وبقيت شخصية "عمي العابد" التي أداها الراحل امحمد بن قطاف، كان في قائمة صونيا ثلاثة ممثلين رشحهم ابن قطاف، لكني عارضت الفكرة، لأنني لم أر أن هذا الدور يليق بهم، وبقيت أبحث عن الممثل المثالي الذي من شأنه تقمص هذا الدور.

ومرة بينما كنت أشتغل في مسرحية، لفت انتباهي ممثل معي فيها، كنت أراقبه في الكواليس، وفي تلك الوهلة، قلت في نفسي، لقد وجدت الممثل الذي أريده، وكلمت صونيا بخصوصه وهي لا تعرفه، ولما قابلته لم توافق عليه لأنه شاب، لكني تمسكت برأيي، وقلت لصونيا أنني أضع كل مسيرتي رهانا على هذا الاختيار، ويتعلق الأمر برضا تاخريست، كما قلت لصونيا "لا يمكنني أن ألعب باسم بحجم اسمك"، ثم سرعان ما بدأنا بالتدريبات، ولم تكن صونيا قادرة على حضورها جميعا بسبب انشغالاتها في إدارة مسرحين جهويين، بعد مدة، وصلنا إلى مرحلة نهائية للعمل، وكان لابد منها الحضور، واندهشت من الاختيار الذي قمت به، ولم يكن لها من رد سوى أن شكرتني بقوة.

بخصوص مهرجان عنابة للمسرح النسائي، كنت أنا وصونيا نتحدث كثيرا، وتسمع اقتراحاتي باهتمام وتشجعني على المضي قدما، وصونيا لم تكن من النوع الذي يبني انطباعاته على كلام الناس، تمنحك الفرصة، لكن إذا ضيعتها انتهى الأمر معها، وكانت الراحلة متطلبة في العمل، وتميزت بصبر واسع في تلقين الممثلين، وشخصية مثل صونيا لا يمكن أن لا أحبها.