رئيس الغرفة الوطنية للفلاحة محمد يزيد حمبلي في حوار "المساء":

لا خيار للجزائر في التخلص من التبعية إلا بالفلاحة

لا خيار للجزائر في التخلص  من التبعية إلا بالفلاحة
رئيس الغرفة الوطنية للفلاحة محمد يزيد حمبلي
  • القراءات: 1853
حوار: رشيد كعبوب حوار: رشيد كعبوب

خارطة الطريق الجديدة واعدة ومشجعة للاستثمار

  أمننا الغذائي مرهون بعصرنة الإنتاج الفلاحيّ

يؤكد رئيس الغرفة الوطنية للفلاحة محمد يزيد حمبلي، في حديثه إلـى "المساء"، أنه لا خيار للجزائر من أجل تطوير قطاع الفلاحة، وضمان الأمن الغذائي، والخروج من التبعية الاقتصادية في المواد الاستراتيجية إلا بإنجاح خارطة الطريق (2020- 2024) التي اعتمدتها الدولة، واستحداث هيئات لتطوير الفلاحة لا سيما بالجنوب، وتشجيع الفلاحين على التهيكل في تعاونيات، والتقرب من الغرف الولائية التي تُعد أقرب شريك للمهنيّين. كما يكشف محدثنا عن المقاربة الجديدة التي اعتمدتها الغرفة لتفعيل عملية الاتصال، وإنشاء بنك للمعلومات وتكوين الصحافيين، وإنجاح الإحصاء الفلاحي، وتشجيع المستثمرين على خوض معركة الإنتاج لتحقيق الاكتفاء الذاتي، والتوجه نحو التصدير.

 ما هي رؤية الغرفة الوطنية للفلاحة لمسايرة الزخم السياسي والاقتصادي للجزائر الجديدة، وخطتكم للنهوض بقطاع الفلاحة وتحقيق الأمن الغذائي؟

 أولا، نشكر يومية "المساء" على الاهتمام بالقطاع الفلاحي. ونؤكد أن ترقية هذا القطاع تقع في صلب اهتمام الغرفة الوطنية للفلاحة بجميع غرفها الولائية. وكما هو معروف، فإن الغرفة الوطنية هي مؤسسة عمومية ذات طابع صناعي وتجاري، تحت وصاية وزارة الفلاحة والتنمية الريفية. لها دورها المنوط بها ميدانيا ومؤسساتيا، ومنها تأطير الفلاحين، وتنظيم المهنة، والتكوين والإرشاد، والتحليل لاسيما في مجال الاقتصاد الفلاحي، وتحليل الأسواق الفلاحية، وتحليل العملية الفلاحية، خاصة بالنسبة للفلاحين الصغار. 

ولأن الغرفة الوطنية للفلاحة الموجودة بـ 48 ولاية تُعد أقرب شريك للفلاح والموال ميدانيا، فإن دورنا هنا خاصة في هذا الظرف الخاص الذي تمر به البلاد والتحولات في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية المرتبط بعضها ببعض، هو مرافقة الفلاحين في تجسيد ورقة الطريق القطاعية التي وضعتها وزارة الفلاحة وصادق عليها مجلس الحكومة، لا سيما أن رئيس الجمهورية أكد مرارا، أن اهتمامه الكبير واعتماده الأساس هو على القطاع الفلاحي؛ كمحرك أساس للاقتصاد الوطني من حيث الإنتاج، وتوفير مواد أولية للدفع بالصناعة الغذائية.

ماهي جملة الاقتراحات التي قدمتموها للوزارة، لا سيما أمام وجود إرادة سياسية قوية لترقية هذا القطاع الاستراتيجي؟

 ❊❊ الغرفة الوطنية للفلاحة هي قوة اقتراح، وشريك امتياز للسلطات العمومية. لقد رفعنا عدة اقتراحات من القاعدة للوزارة الوصية، وعلى ضوء ذلك قام وزير القطاع بوضع خارطة الطريق (2020- 2024)، وكل الاقتراحات تصب في تنمية القطاع الفلاحي، وتطوير الزراعات الصناعية، وبعض الزراعات الاستراتيجية التي تعتمد فيها بلادنا على الاستيراد مائة بالمائة؛ كالسكر، والزيوت النباتية، والحبوب، والأعلاف، ومنها الذرى. وقد نتج عن هذه الاقتراحات إنشاء الديوان الوطني للفلاحة الصحراوية، الذي يقع مقره بولاية غرداية، الذي سيكون شباكا موحدا للمستثمرين في هذا المجال، لا سيما في ما يخص الزراعات الصناعية الكبرى. وسيسهل هذا الديوان للصناعيين تجسيد مشاريعهم التحويلية في وجود المواد الأولية، وهنا يأتي دورنا، نحن، في مرافقة المهنيين ميدانيا؛ سواء في الجانب التنظيمي أو التقني، عن طريق التعاونيات، لإنجاح هذا البرنامج، الذي يهدف إلى تقليص الواردات من المنتوجات الاستراتيجية؛ بالتخلص من التبعية الاقتصادية، ومنها تحقيق الموازنة التجارية، والحفاظ على السيادة الوطنية.

  ما هو برنامج الغرفة الوطنية للفلاحة لتوفير بنك المعلومات وتحسين الاتصال الداخلي والخارجي؟

❊❊ أخبركم بأن أول شيء وضعته نصب عينيّ بعد تزكيتي وتنصيبي من طرف الوزارة على رأس الغرفة منذ شهر، هو تنصيب خلية إعلام واتصال. وعينّا على رأسها مهندسا وإعلاميا معروفا ممثلا في السيد أحمد ملحة. كما استقدمنا محترفين في مجال الاتصال والصحافة، أصبحوا موظفين في الغرفة للإشراف على تسيير الخلية، التي لها دور داخلي، يتمثل في جمع المعلومات من الغرف الفلاحية بالولايات، التي طلبنا منها، أيضا، تنصيب خلايا إعلامية لتوفير المعلومة، ومرافقة المهنيّين يوميا.

وفتحتم، أيضا، الأبواب للصحافة الوطنية على المستوى المركزي لمرافقتكم ميدانيا؟

❊❊  بالتأكيد؛ فقد نظمنا أول دورة تكوينية للصحافيين في الإعلام الفلاحي، الهدف منها عقد لقاء أولي مع الأسرة الإعلامية. وستكون هناك دورات تكوينية أخرى أكثر اختصاصا؛ لأننا نرى أن الصحافة شريك أساس في بناء اقتصاد فلاحي سليم، والتعريف بكل ما تقوم به السلطات والمهنيون من مجهودات وسياسات فلاحية.. يجب أن يكون للصحافة معلومات قاعدية في مختلف الاختصاصات الفلاحية، حتى تتمكن من نقل المعلومة بكل مهنية وموضوعية وشفافية.

  وكذلك من شأن تكوين الصحافيّين تفادي الوقوع في الأخطاء؟

❊❊ نحن مقتنعون بأن الأخطاء التي يقع فيها الإعلاميون هي أخطاء غير متعمَّدة، وذلك لجهلهم بالقطاع؛ لذلك أردنا فتح الأبواب والعمل بشفافية؛ لأن الهدف واحد، وهو تنمية بلادنا.

من بين أسس نجاح عملية الاتصال عامل الرقمنة، ماذا أعددتم لهذا الملف الهام؟

 ❊❊ نحن في عصر الرقمنة، والغرفة تسعى في هذا الإطار، إلى رقمنة السجل الفلاحي، لا سيما أننا نحصي 1.2 مليون فلاح منخرطين في الغرفة. ونسعى ليكون السجل الفلاحي يحتوي على قاعدة بيانات رقمية، لتسهيل الوصول إلى المعلومة في وقتها؛ مما سيسمح لنا بوضع أسس صحيحة لاستراتيجية تنمية فلاحية حقيقية متربطة بالمهني؛ فبوجود رقمنة يكون هناك اتصال أحسن وأمثل مع المهنيين في القاعدة، وعن طريق المعلومة الصحيحة نستطيع وضع خطط واستراتيجيات.

وماذا عن تنظيم التعاونيات الفلاحية وحل مشكل عقود الامتياز؟

❊❊ التعاونيات هي أساس نجاح كل البرامج القطاعية؛ فبلا تنظيم لا يمكن أن ينجح أي برنامج؛ لأن التعاونية تسهّل عمل الفلاحين، وتمكن الدولة من التدخل كسلطة مراقبة وضبط للمهنة. ومن شأن التعاونية التقليل، أيضا، من المتدخلين؛ أي التقليل من تكلفة عوامل الإنتاج التي تؤثر على سعر المنتوج المعروض على المستهلك في الأسواق؛ لذلك فإن أحسن آلية لضبط الإنتاج هي التعاونية الفلاحية. وفي هذا السياق نذكّر بأن وزير الفلاحة رفع مشروعا إلى الحكومة، وقد صادقت عليه، ويخص إعادة النظر في قوانين إنشاء وتسيير التعاونيات؛ حيث صارت القوانين تتسم بالمرونة، وأضفت تسهيلات. كما رفعت عدة قيود بيروقراطية تتعلق بإنشاء التعاونيات، وكمثال على ذلك، أن القانون الجديد صار يسمح بإنشاء أكثر من تعاونية في دائرة واحدة، بينما كان من قبل لا يسمح إلا بواحدة فقط، وهو ما كان عائقا لنشاط الفلاحين، لا سيما أن اقتصاد السوق، اليوم، يتطلب النجاعة والتنافسية.

ماذا اقترحتم لدفع الاقتصاد الفلاحي وتشجيع الشراكة بين الفلاحين والمستثمرين؟

❊❊ الغرفة هي عبارة عن فلاحين ومستثمرين، والفلاحة بدون استثمار أو تحويل أو تصنيع لا يمكن أن تكون قوية ودائمة. وكما تعلمون، أن 80 بالمائة من الفلاحة الجزائرية عائلية، ولكن يجب أن يكون هناك توازن بين الفلاحة الصغيرة والفلاحة العائلية وكذا الاستثمار الفلاحي؛ كي نتمكن من استدراك النقائص الحاصلة في الإنتاج، والدليل على ذلك هو إنشاء الديوان الوطني للفلاحة الصحراوية، الذي سيعتمد على المساحات الشاسعة، وأسلوب الإنتاج المكثف.

  ماهي الشُّعَب الاستراتيجية التي تركزون عليها في الإنتاج الفلاحي؟

أول شيء قمنا به في مجلس إدارة الغرفة الوطنية للفلاحة، هو تنصيب خلايا لمتابعة شعبتي الحليب والحبوب؛ حيث وضعنا على رأس الشعبتين إطارات كفءة؛ لأن الغذاء الأساس للجزائريين هو الحليب والقمح، والتحديات تكمن في تنظيم المهنيّين، علما أن لدينا مجالا كبيرا لرفع الإنتاج؛ ففي المسار التقني للحبوب نحن قادرون على مضاعفة الإنتاج؛ لأن معظم المناطق لاتزال تنتج الحبوب بطرق تقليدية. ونحن، في هذا الإطار، نعمل على تشجيع نقل الخبرات من الولايات الرائدة في هذا المجال، لا سيما بولايات الشرق؛ مثل ميلة، وقسنطينة، وقالمة وسوق أهراس، التي امتلك فلاحوها خبرة كبيرة في تكثيف الإنتاج بفضل الجهود التي قامت بها السلطات العمومية والغرف، في مرافقة الفلاحين في مجال التكوين والمسار التقني.

  كيف تنظرون إلى الشراكة الأجنبية في القطاع الفلاحي، خاصة أن الشراكة توفر الإنتاج الكافي، وتضيف خبرة للمهنيّين الجزائريين؟

❊❊ القانون الجزائري كان واضحا في هذا الإطار عن طريق الديوان الوطني للفلاحة الصحراوية؛ كشباك موحد لتسهيل عمل المستثمرين. ومعلوم أن القانون يسمح بجلب الشركاء الأجانب؛ إذ يتم نقل التكنولوجيا والتجارب الخارجية. ونحن نعول على الديوان، الذي سيكون له دور كبير في رفع القيود البيروقراطية، وتوفير تسهيلات لربح الوقت، وإضفاء شفافية من حيث توزيع الأراضي، لا سيما بالنسبة للاستثمارات الكبرى.

  العديد من الفلاحين لايزالون يشتكون من البيروقراطية في مجال الانتقال من عقود الانتفاع إلى عقود الامتياز، كيف سيتم حل هذا المشكل؟

❊❊  مشكل عقود الامتياز يبقى متفاوتا بين ولاية وأخرى، وهي ليست نسبة كبيرة، ملفاتها قليلة. ومن أسباب تعطل حصول الفلاحين على العقود، النزاعات بين الورثة؛ مما عطّل العملية. ونحن ننتظر تفعيل بعض النصوص في مجال الشراكة والتنازل عن حق الامتياز، وهو ما يسمح بإضفاء ديناميكية كبيرة في هذ المجال.

  قطاع الفلاحة، اليوم، صار بحاجة إلى إعلام متخصص كي يرافق ويساير عملية التطوير والتحسين، ماذا أعددتم في هذا المجال؟

❊❊ أولا، نحن قمنا بإنشاء خلية إعلام واتصال، كما ذكرت، تسيّرها إطارات كفءة. وسنركز من خلال هذه الخلية على تكوين الصحافيين؛ إذ انطلقنا بتنظيم أول دورة تكوينية للصحافيين في مجال الإعلام الفلاحي. وستتواصل الدورات التكوينية في مختلف التخصصات الفلاحية، منها، مثلا، في ميدان الحليب، والحبوب وغيرهما، وبالتالي يكون هناك دور للصحافي في نقل المعلومة الصحيحة.

  هل لديكم مشروع إعلامي في الأفق؛ كإنشاء قناة متخصصة مثلا؟

❊❊ لدينا مشروع إنشاء قناة يوتيوب متخصصة، ومجلة فلاحية دورية تصدر كل ثلاثة أشهر. أما بالنسبة للقناة التلفزيونية الموضوعاتية فستتكفل بها وزارة الفلاحة والتنمية الريفية.

❊ كيف ستساهمون في عملية الإحصاء العام في قطاع الفلاحة من حيث التمويل والتكوين والمرافقة؟

❊❊ عملية الإحصاء تُعد مطلب المهنة. ونحن بحاجة إلى معلومات دقيقة في القطاع الفلاحي؛ فإذا أردنا أن نضع خارطة طريق للقطاع يتعين أن تكون لدينا المعلومة الصحيحة لكل الجوانب الفلاحية. ومعلوم أن الغرفة كمؤسسة عمومية ذات طابع صناعي وتجاري تابعة للقطاع، لها دور مهم جدا في تفعيل عملية الإحصاء، وهي شريك أساس، خاصة محليا، عن طريق ممثلين عن الغرف الفلاحية، سيكونون ضمن اللجان المحلية، ويشرفون على التأطير، وجمع المعلومات مدانيا.

❊ ما هي رسالتكم التي توجهونها للفلاحين من خلال منبر "المساء"؟

❊❊ أولا نشكر "المساء" التي نحترمها؛ لكونها تطرح المواضيع بكل احترافية، ونقدّر في طاقمها الروح الإيجابية. أما رسالتي إلى الفلاحين في الميدان، فإنني أريد القول بأنهم أثبتوا وطنيتهم ووجودهم وجدارتهم في وقت الجائحة، وقطاع الفلاحة أعطى دفعة قوية للاقتصاد الوطني؛ فلم يشعر المواطن بأي نقص في المنتوجات الفلاحية خلال الأزمة الوبائية رغم أن عدة شُعب تواجه مشاكل كبيرة من ناحية تدهور الأسعار؛ كشعبة البطاطا، والدواجن والحليب؛ إذ أصبحت تكلفة الإنتاج كبيرة جدا بسبب غلاء المواد الأولية كالأعلاف. ولعل التحدي وروح التآزر اللذين اتسم بهما المهنيون، يؤكدان أن مثلما كان الفلاحون والموالون بالأمس ذخرا للثورة التحريرية، فهم، اليوم، كذلك ذخر للجزائر الجديدة.