خبير الشعر العالمي ورقم واحد في فرنسا، الجزائري جيلاني معاشي لـ "المساء":

فتحت أكاديمية للحلاقة بالجزائر ومعظم الحلاّقات غير محترفات

فتحت أكاديمية للحلاقة بالجزائر ومعظم الحلاّقات غير محترفات
  • القراءات: 6454
 لطيفة داريب لطيفة داريب

اهتمام المرأة الجزائرية بجمال شعرها قد يصل إلى درجة الهوس؛ فهي أدرى بأن شعرها هو تاج تعتز به وعنوان أكيد لجمالها، فهل لها أن لا تفتخر بجيلاني معاشي، الجزائري الذي استطاع أن يحتل المرتبة الأولى في قائمة أفضل مصففي الشعر في باريس، وأن يضع بصمته في هذا العالم المنغلق على نفسه؟ فمن تصفيفات استثنائية إلى قص الشعر في الليالي التي يكتمل فيها القمر حتى يزيد من طوله، علاوة على اهتمامه بمورفولوجية وجه الزبون وشخصيته قبل أن يقص شعره ويصفّفه. كما لا يتوقف جيلاني عن تقديم الجديد ليصبح اسما لا يمكن أن نحيد عنه حينما نتحدث عن هذه المهنة الفن، خاصة حينما يقرر أن يفيد أبناء جلدته بالخبرة التي اكتسبها طوال مسيرته الغنّاء؛ من خلال إنشاء أكاديمية لتعليم الحلاقة بدرارية، وكذا فتح قناة خاصة به، إضافة إلى تنشيطه برنامجا حول إعادة "ستايل" الزبائن بقناة "كنال ألجيري" وإحياء ليلة قص الشعر حينما يكتمل القمر بالجزائر.

"المساء" استضافت مصفف الشعر العالمي جيلاني معاشي، وتطرقت معه لتفاصيل هذه المهنة الفن، ورؤيته لطريقة ممارستها بالجزائر، علاوة على مشاريعه على أرض البلد، فكان هذا الموضوع.

البداية صدفة والمسار نتاج عمل وإرادة 

عاد جيلاني معاشي مع "المساء" إلى ذكريات بداياته في عالم تصفيف الشعر وقصه، حيث انطلق في هذا المسار صدفة حينما أُعجب بالأجواء العطرة والمضيئة التي وجدها في فضاء "قولف درو" الذي كان يصفف فيه صديقه جاك دوكلوزي شعر مطربي الروك المشهورين، مثل: جوني هاليداي، ميشال بوناراف، جورج موستاكي، إيدي ميتشال وغيرهم، فما كان منه إلا أن طلب من صديقه إمكانية اقتحام هذا العالم، وهنا كانت البداية. لكن طموح جيلاني لم يتوقف عند ممارسة الحلاقة وتصفيف الشعر، بل تعداه إلى خلق اسم في هذا المجال رغم صعوبته باعتبار أنه جزائري. ووجد صاحبنا الحل في أن يقص الشعر بطريقة فريدة من نوعها؛ حيث حوّل رؤوس الرجال إلى ملاعب لكرة القدم بمناسبة احتضان إسبانيا كأس العالم لكرة القدم 1982، أما رؤوس الفتيات فتحولت بدورها إلى كرات للتنس بمناسبة، هذه المرة، إجراء فعاليات رولوند غاروس.

واستطاع جيلاني أن يصل إلى المصاف العليا في عالم الحلاقة. وفي هذا يقول: "أصبحت مع مرور الوقت صديق المشاهير، الذين يستضيفونني في برامجهم المعروفة. وأذكر هنا الراحل جاك مارتان وميشال دروكار الذي أصبح صديقي. أبعد من ذلك، فكلما خُصص موضوع في حصة ما لقصات استثنائية إلا وكنت ضيفا فيها".

ولم يرغب جيلاني في مواصلة كفاحه من أجل صنع اسم له في عالم تصفيف الشعر بدون أن يكنّ له حبا كبيرا، والدليل على ذلك نضاله من أجل شعر أكثر بريقا وصحة، حيث جلب سنة 1985 من الولايات المتحدة الأمريكية، تقنية جديدة تتمثل في الاعتماد على جهاز كمبيوتر لاختيار أفضل قَصة للزبائن، ولكن ما ميّزه أكثر هو قص الشعر في الليالي التي يكتمل فيها القمر، وفي هذا يقول: "كانت جدتي تطلب من أمي أن تقص شعرنا في الليالي التي يكتمل فيها القمر حتى يصبح أكثر جمالا وطولا أيضا، ولكنني لم أصدق هذه الأسطورة. وذات يوم طلبت مني زبونة أن أقص لها شعرها يوم يكتمل القمر، فقمت بذلك بدون أي نتيجة تُذكر؛ مما زاد من رفضي هذا الاعتقاد، ولكنني أعدت التجربة في الليل وليس في النهار، فكانت النتيجة مذهلة؛ حيث إن طول الشعر في الشهر لا يزيد في العادة على 1.2 سنتيمتر، ولكن إذا قص في ليلة اكتمال القمر فيصل طوله إلى 2.8 سنتيمتر. وعلى إثر هذا الاكتشاف عقدت ندوة صحفية وتحدثت عن هذا الموضوع، ومنذ ذلك اليوم وأنا أقص الشعر في هذه الليالي؛ سواء في فرنسا أو في بلدان أخرى مثل البرازيل واليابان وغيرها".

سيفتح معاشي في الأيام القليلة القادمة، أكاديمية للحلاقة بدرارية (الجزائر العاصمة)، حيث قرر أن يفيد بخبرته كل من يحب هذه المهنة؛ سواء مصففي الشعر الذين يودّون تعليم تقنيات جديدة، والاستفادة من إعادة تكوين في هذا المجال، وكذا الجدد الذين يريدون أن ينطلقوا في عالم الحلاقة وفق أسس صحيحة. كما سيكون التكوين بالنسبة للقدامى مجانا. وفي هذا يقول جيلاني: "قررت أن أفتح أكاديمية للحلاقة في الجزائر، وسأتكفل شخصيا بالتكوين، إلى حين تخصيص فريق العمل الذي سينوب عني مستقبلا. وسأخصص التكوين لمصففي الشعر الممتهنين؛ حيث سيتلقون التعليم بالمجان، وسألقّنهم استعمال منتوجات برافانا الأمريكية، التي وقّعت معها اتفاقية لتمثيلها بالجزائر، ومن ثم سيشترونها ليتعاملوا في المستقبل بمنتوج طبيعي. أما عن بقية المكوّنين فسيتشكلون من الجدد الذين سيتمكنون بدورهم من تعلم أيضا الجانب النظري وكذا كيفية التعامل مع الزبون". كما أضاف المتحدث أنه التقى بالكثير ممن تخلوا عن مهنة الحلاقة ثم عادوا إليها مجددا، ومن بينهم مصور كاميرا بقناة جزائرية".

وأشار المتحدث إلى عدم اهتمامه بفتح صالون حلاقة في الجزائر، خاصة بعد فشل تجربته السابقة بسبب المشرفين عليه، حيث اشتكى خبير الشعر العالمي من هجر الأشخاص الذين يتلقون تكوينا منه، ومن ثم فتح صالونات خاصة بهم، والأسوأ أن الكثير منهم يعملون بدون وثائق رسمية وهو ما يؤثر سلبا على مداخيل الدولة، ليضيف أن التعلم لا يتحدد بوقت ولا بشخص، بل هو متواصل إلى اللحد، ليعود ويتحدث عن أهمية أن يحب مصفف الشعر ما عمله وهو ما لا يراه في أكثر الجزائريين الذين يشتغلون بدون رغبة. 

أما عن إجبارية مكوثه لأيام طويلة في الجزائر بسبب التكوين الذي سيقدمه لطلاب الأكاديمية، فقال معاشي إن ذلك لن يؤثر على صالونه بباريس لأنه استطاع أن يصنع اسما هناك وبالتالي لن يكون مضطرا لأن يمكث في فرنسا باعتبار أنه أصبح مصفف الشعر رقم واحد في فرنسا. بالمقابل، قال جيلاني إنه يسعد كثيرا بلقاء زبائنه والتواصل معهم على المباشر. 

يعكف جيلاني على فتح قناة خاصة به حول تصفيف الشعر وإعادة "لوك" أو "ستايل" الزبائن، كما سيقوم أيضا بتنشيط برنامج على قناة كنال ألجيري، حول نفس الموضوع، إضافة إلى إحيائه ليلة اكتمال القمر بقص الشعر لكل من يريد تجربة المقولة التي تنص على أن الشعر يطول أكثر حينما يُقص في هذه الليلة.

تجديد القصات، ما بين الخوف من نتيجة سلبية والتوق للتغيير

لماذا تخاف الزبونة الجزائرية من قص شعرها؟ هل لأنها في أغلب الأحيان لا ترضى على القصة الجديدة؟ ويجيب جيلاني أن الحلاقات الجزائريات لا يهتممن بمورفلوجية الزبائن، أي أنهن في الغالب يقصصن الشعر وكفى بيد أنه شخصيا، يهتم بأدق تفاصيل وجه الزبون، مثل شكل شقه العلوي وكذا شقه السفلي، إضافة إلى تحديد العين الأكثر تفتحا من الأخرى، وكذا الاهتمام بشخصية الزبونة وكذا هدفها من القَصة، مضيفا أنه يمكن تصفيف الشعر بطرق مختلفة وهذا لنفس القصة، فتصفيف الشعر المناسب للذهاب إلى العمل قد لا يناسب ممارسة الرياضة أو حتى حضور عرس، ليشير إلى أهمية الحوار بين مصفف الشعر والزبون، حيث أن هذا الأخير يحتاج إلى نصائح، خاصة المرأة التي تكبر بسرعة وتريد دائما أن تبدو بمظهر لائق.

بالمقابل، قال جيلاني إن أغلب زبائنه من النساء وهن يمثلن 70 بالمائة والبقية رجال، مضيفا أن الرجل في العادة يحمل قَصة قصيرة ولا يهتم كثيرا بشعره عكس المرأة التي تلهم جيلاني أكثر. ليشير إلى أنه ليس بالضرورة أن يكون مصفف الشعر محترفا في الماكياج ولا أن يحسن قص الشعر أو تلوينه، مضيفا أنه من الأفضل أن يتخصص في مجال معين من الحلاقة رغم أنه شخصيا خبير ويتقن كل ما له علاقة بالجمال. وفي هذا السياق، ذكر جيلاني أنه يرسل زبوناته إلى زميلاته المتخصصات في الماكياج، ليؤكد أنه من النادر أن يتقن "الكوافير" كل ما يتعلق بالشعر والماكياج.

كما أكد الخبير على ضرورة أن يمشط شعر العروس خاصة، بأسلوب بسيط وجميل ونفس الشيء بالنسبة للماكياج، مضيفا أنه ينفر من تصفيف الشعر بشكل مبالغ فيه وكأن العروس تضع فوق رأسها حملا ثقيلا، ليشير إلى أن المرأة في العصر الحالي، تريد تصفيفات شعر بشكل بسيط وجميل. 

تأسف جيلاني من عدم احترافية الكثير من مصففات الشعر في الجزائر، حتى أنه التقى بنساء عملن في مجالات بعيدة جدا عن الحلاقة ومن ثم قررن أن يصبحن حلاقات باعتقادهن أن تجفيف الشعر وتمليسه هو عين الحلاقة، ليؤكد أنه لا يقدم شهادة لمصففة شعر لا تحسن حتى شد مشط رغم طلب الكثيرات دفع الكثير من المال للحصول على هذه الشهادة، بالمقابل أكد المتحدث على أناقة المرأة الجزائرية وتتبعها للموضة وهو ما يفتخر به كثيرا.

يوصي جيلاني معاشي باستعمال مواد "برافانا" الطبيعية التي نجدها عند مستورد رسمي حتى لا تباع في البقالات والمراكز التجارية الكبرى مثل منتوجات أخرى، وفي هذا السياق، نبه الخبير من شراء كيراتين (ملمسة الشعر) التي تفوق نسبة الفورمول فيها 0.2 بالمائة وإلا لاحترق الشعر بدلا من أن يصبح أملسا، كما حذر أيضا من استعمال المنعم الكهربائي ونصح باستخدام الصفائح السخنة التي تعمل بالبخار، أيضا ممنوع تلوين الشعر واستعمال الكيراتين في يوم واحد. أما عن إنقاذ الشعر من تساقطه فهو يتطلب استعمال السيروم الذي يُنفخ الشعرة .

كما رفض الخبير أن يأخذ الزبون غسول شعره إلى صالون الحلاقة، مشيرا إلى أن مصففة الشعر هي التي تستعمل منتوجها، كما أنها مجبرة على خلط الصبغات أمام الزبونة وليس من وراء ظهرها وربما في هذا الحال تستعمل منتوج غير صحي، كما أعاب بيع المنتوجات المتعلقة بالحلاقة في فضاءات غير ملائمة لذلك مثل البقالات. 

لجيلاني العديد من الطرائف التي جمعته بالكثير من النجوم في شتى المجالات، فقد طلب منه المطرب الفرنسي الراحل سارج غانسبورغ، أن يقص له شعره ولحيته في ليلة اكتمال القمر وقال له إنه سيراقب إذا نمت لحيته أكثر وفي هذا السياق، احتفظ سارج بقصة جيلاني المتمثلة في شد شعره والتي حافظ عليها طويلا، أيضا نادرة أخرى مع الفنان الفرنسي القدير جون روشفور، حينما تأخر جيلاني في حلاقة شعر الفنان مما تلقى عتابا أزعجه إلى درجة توقفه عن الحلاقة ولكن الأمور تغيرت فيما بعد وأصبحا صديقين، أما النادرة الثالثة فكانت مع الفنان القدير أيضا ميشال أومون، الذي صفف له شعره خلال تمثيله لمسرحية "حول رجل غني" فقد كل شيء في كبره وأصبح في حال مدقع إلى درجة عدم استطاعته الذهاب إلى الحلاق وهنا تدخل جيلاني وأضفى على شعره خصلات شعر اصطناعية من نفس لون شعره الأصلي.

استهل جيلاني معاشي حديثه لـ«المساء" بذكريات انطلاقه في عالم الحلاقة ليختتمه هذه المرة بذكريات أخرى ولكن تخص هذه المرة حياته العائلية إذ ذكر نضال والده، مدير مستشفى بخنشلة في مداواة وحماية المجاهدين من بطش الاستعمار الفرنسي، حيث كان يخفي المجاهدين في مشرحة المستشفى، كما ناضل جيلاني أيضا من أجل الجزائر، حيث كان يراقب تحركات قوات الاحتلال خاصة بالقرب من المستشفى الذي يعمل فيه والده، كما كان يحضر الأكل للمجاهدين وغيرها من الأمور التي كان من الممكن لطفل في الثالثة عشرة من عمره أن يقوم بها لأجل تحرير بلده.

كما تذكر جيلاني أيضا حياته في الجزائر التي غادرها سنة 1963، حينما كان يتعلم في مدرسة قرآنية وكذا الحادث الذي تعرض له والذي ألزمه العلاج في فرنسا، ليضيف أنه فخور جدا بما قام به في خدمة المجاهدين، وكذا ببلده وقد عبر عن ذلك كذا من مرة مثل قيامه بافتتاح تظاهرة سنة الجزائر بفرنسا سنة 2003 وكذا افتتاحه الوشيك لأكاديمية الحلاقة ببلده ليتقاسم خبراته مع أبناء جلدته.