الخبير الاستراتيجي الليبي إسماعيل محمود الرملي لـ"المساء":

حفتر انتهى بمجرد توصل السراج وعقيلة إلى اتفاق وقف إطلاق النّار

حفتر انتهى بمجرد توصل السراج وعقيلة إلى اتفاق وقف إطلاق النّار
الدكتور إسماعيل محمود الرملي، الخبير الاستراتيجي الليبي
  • القراءات: 1132
حوار: شريفة عابد حوار: شريفة عابد

ربط الدكتور إسماعيل محمود الرملي، الخبير الاستراتيجي الليبي، توصل فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني وعقيلة صالح، رئيس برلمان طبرق، إلى اتفاق لوقف اطلاق النار برغبة أمريكية لإنهاء الحرب في ليبيا، وإلحاح المستشارة الألمانية على الرئيس الفرنسي بضرورة وقفها. وأضاف الرملي، في حديث أجرته معه جريدة "المساء" أن الانتكاسة العسكرية لقوات خليفة حفتر، وكذا رغبة حلفائه في الحفاظ على مصالح شركاتهم النفطية في ليبيا والتي كانت تنشط تحت إمرته ساهمت بشكل كبير في تحقيق مثل هذا الاختراق، مؤكدا أن زيارة الصحفي الفرنسي برنار ليفي، إلى ليبيا وتعهده بلعب دور الوسيط لدى دوائر غربية نافذة، ساهمت أيضا في تسريع وتيرة التسوية التفاوضية.

المساء: في تقديركم ما هي الدوافع التي جعلت الوزير الأول لحكومة الوفاق الوطني، فايز السراج، ورئيس برلمان طبرق عقيلة صالح، يعلنان مؤخرا عن وقف لإطلاق النار في ليبيا؟

الدكتور إسماعيل محمود الرملي: يمكن القول إن التحول الذي عرفته موازين القوى في الفترة الأخيرة، والذي مالت كفته لصالح قوات حكومة الوفاق الوطني أمام اندحار قوات حفتر جعل الدول المتصارعة على الأرض الليبية تقتنع بضرورة وقف مغامرتها العسكرية حفاظا على مصالحها الاستراتيجية، ومنها الضغوط التي تكون دولة الإمارات العربية ومصر قد مارستها على خليفة حفتر  لوقف عملياته العسكرية وخاصة في ظل انتكاساته الأخيرة، رغبة منهما في الاحتفاظ بأوراق تفاوضية ضاغطة خلال أية ترتيبات سياسية قادمة، وخاصة ورقة سيطرة قواته على حقول  ومرافئ تصدير الخام في منطقة الهلال النفطي.

كما أن اللواء حفتر، اقتنع بعدم قدرته في المحافظة على تفوقه العسكري لأطول مدة ممكنة في ظل الدعم الذي ما انفكت تقدمه  تركيا لقوات حكومة الوفاق، مما زاد في اقتناعه بضرورة تغليب لغة التفاوض. دون أن ننسى  عوامل خارجية ساهمت في هذا التحول ومنها رغبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، توظيف وقف اطلاق النار في ليبيا  كورقة انتخابية لاستقطاب اكبر عدد من الناخبين الأمريكيين.

س: في رأيكم ما هي الدول التي لعبت دورا مؤثرا  في تحقيق هذا الانفراج الذي عرفته معادلة الحرب في ليبيا؟

ج: يمكن القول إن أكبر دولة ساهمت في هذا الإنجاز تبقى الولايات المتحدة التي ألقت بثقلها في المشهد الليبي بشكل مباشر  إلى جانب فرنسا التي راهنت على اللواء خليفة حفتر، ومنحته شرعية سياسية، في نفس الوقت الذي مكنته فيه من مساعدات عسكرية ضخمة، إلا أنها اقتنعت بعد القمة الأخيرة التي جمعت الرئيس ايمانويل ماكرون بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بحتمية تجاهله والقبول بخيار وقف اطلاق النار.

س: هل ساهمت فعلا زيارة الصحفي الفرنسي برنارد ليفي إلى ليبيا في اتخاذ قرار وقف اطلاق النار من خلال سعيه لدى دوائر قرار أجنبية نافذة  لتغليب فكرة التفاوض؟

ج: رغم أن زيارة برنارد ليفى لم تكن زيارة رسمية، إلا أن تغلغله في دوائر اتخاذ القرار الدولي يبقى كبيرا، بما لا يستبعد أن تكون زيارته قد ساهمت بطريقة أو بأخرى في اتخاذ هذا القرار وخاصة بعد زيارته إلى مقابر جماعية ضمت جثث مئات الأشخاص ضمن جرائم قتل سرية تكون قوات خليفة حفتر، قد اقترفتها ضد أبرياء خارج اطار القانون، وأثارت ضجة دولية وجعلت الأمم المتحدة تطالب بفتح تحقيقات جنائية لتحديد المسؤوليات الجنائية.

س: تضمن نص البيان الذي نشرته حكومة الوفاق، حول وقف اطلاق النار عدة تفاصيل  ومنها حديثها عن مناطق منزوعة السلاح في سرت والجفرة وانتخابات عامة ورئاسية، في حين لم يشر بيان عقيلة صالح، إلى مثل هذه الحيثيات كيف تفسرون ذلك؟

ج: يجب القول إن البيانين لا يرقيان إلى وصفهما باتفاق نهائي لوقف اطلاق النار، وإنما مجرد تأكيد من الجانبين على إرادتهما في التوصل إلى حل سياسي، بدليل وجود توافق  بينهما لوقف اطلاق النار وتجميد عائدات مبيعات النفط، دون أن يمنعنا ذلك من القول بوجود عدم ثقة متبادلة.. وقد ظهر ذلك جليا من خلال إشارة عقيلة صالح، إلى إنهاء مهمة المجلس الرئاسى الذي يقوده فايز السراج، وتشكيل هيئة رئاسية جديدة بالإضافة إلى اعتبار مدينة سرت عاصمة إدارية جديدة في ليبيا. وهو الأمر الذي تجاهله بيان حكومة الوفاق، في نفس الوقت الذي أصر فيه على التأكيد على بقاء المجلس الرئاسي إلى غاية  شهر مارس  القادم، الذي حدده كموعد لتنظيم انتخابات عامة ورئاسية. وهي كلها حيثيات جاءت لتؤكد على وجود عدم ثقة متبادلة بين الجانبين رغم توافقهما الظاهري بخصوص مبدأ وقف إطلاق النّار.

س: ما هو المصير الذي ينتظر اللواء خليفة حفتر، بعد إسكات لغة السلاح وفتح الباب أمام لغة التفاوض؟

ج: يمكن القول إن خليفة حفتر، انتهى كرقم فاعل في معادلة الأزمة الليبية، وعودته إلى مشهد الأحداث اصبح مستحيلا بعد أن مني مشروعه العسكري بفشل ذريع وانتكاسة ميدانية لا يمكنه الوقوف بعدها وجعل حلفاءه  يتخلون عنه في منتصف المشوار وأيضا بسبب تقدمه في العمر.

وهو ما يدفع إلى القول إن التوصل إلى اتفاق لوقف اطلاق النار بين فايز السراج وعقيلة صالح، جاء ليؤكد أن أطرافا دولية فاعلة في المشهد الليبي أرغمته على البقاء في الظل بما فيها الدول الداعمة له، والتي اقتنعت أن دوره انتهى بعد فشله في المهمة الموكلة له باحتلال العاصمة طرابلس، بعد هجمات الرابع أفريل 2019، ما يجعل منه وفق هذه المقاربة مجرد كبش فداء قد يدفع بالدول التي دعمته وشجعته على فرض حصار على العاصمة طرابلس إلى تحميله مسؤوليات مباشرة في الفظائع التي ارتكبت خلال هذا الهجوم،  وغسل يديها من كل مسؤولية جنائية بسبب تلك الجرائم التي ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. الدليل على ذلك أن دولا رفعت دعاوى قضائية أمام محاكم أمريكية ضده، وأخرى تستعد لذلك بما لا يستبعد إصدار أمر دولي لإلقاء القبض عليه وإحالته على محكمة الجنايات الدولية.

س: ما هي التحديات والترتيبات التي تتطلبها العملية السياسية بليبيا؟

ج: يجب الإقرار أن المشاكل  والتحديات التي يمر بها المواطن والوطن كبيرة ومعقّدة، ولكن حلها ليس مستحيلا وعلى كل  الليبيين الوطنيين المخلصين التماس الحل وإيجاده والشروع في الأخذ به دون تأخير، وخاصة القضاء على كل مظاهر الفساد التي أفرزتها سنوات الحرب، وتوفير أدنى الخدمات للمواطنين ضمن خيار خدمة الثورة وقطع الطريق أمام أعدائها. وهو ما يستدعي القضاء على أصل كل مشكلة وليس معالجة مظاهرها.

وما دامت العملية السياسية في بدايتها فإن أطراف الأزمة مطالبون بوضع تصور متكامل يحظى بتأييد كل الليبيين يكون هدفه النهائي إنقاذ ليبيا، بما يستدعي تفادي كل حل مجزئ  والانتهاء مع المرحلة الانتقالية، بإنشاء مجلس تأسيسي جديد يضمن خلال 6 أشهر الوصول إلى تنظيم استفتاء على مشروع دستور توافقي يضع حدا لكل مخاطر تقسيم البلاد عبر بناء مؤسسات دستورية تحظى بالشرعية تكون ركائز دولة  قانون، تخدم المواطن الليبي بعيدا عن أية نزعة عرقية أو مناطقية أو جهوية.