الكاتب والمخرج الطيب دهيمي يفتح قلبه لـ"المساء":

الشباب الجزائري يقدّم أشياء رائعة لكن يحتاج للتأطير والتكوين

الشباب الجزائري يقدّم أشياء رائعة لكن يحتاج للتأطير والتكوين
الكاتب والمخرج الطيب دهيمي
  • القراءات: 4772
حاوره: زبير زهاني حاوره: زبير زهاني

* الوسائط الجديدة تخدم المسرح وليس الإبداع

يرى الفنان والمخرج المسرحي محمد الطيب دهيمي، أنّ الفن رسالة نبيلة وأنّ المسرح يساهم بشكل أو بآخر في إصلاح المجتمع، وقدّم جملة من النصائح للشباب من الجيل الجديد الراغب في اعتلاء خشبة المسرح، والذهاب بعيدا في هذا الفن الذي صنّف كأب الفنون، نظرا لأهميته، كما ينصح صاحب رائعتي "دف القول والبندير" و"يا لولفي مريم"، المسؤولين باستغلال التطوّر التكنولوجي والانتشار الكبير لوسائط التواصل الاجتماعي، من أجل الترويج للأعمال الدرامية، معتبرا في هذه الدردشة التي أجرتها معه "المساء"، على هامش لقاء ضم عددا من الوجوه المسرحية، بدار الثقافة "مالك حداد"، للمّ الشمل، أنّ مسرح قسنطينة قدّم الكثير للفن الرابع الجزائري، كما تحدّث عن أعماله الجديدة وحياة ما بعد التقاعد، مؤكّدا أنّ الفنان لا يتقاعد.

أولا، كيف ترون مبادرة جمع عائلة المسرح القسنطيني ؟

في الحقيقة هي مبادرة جميلة، كان هدفها الرئيسي إعادة ربط العلاقات بين الزملاء والأصدقاء، وقد سعى المخرج والفنان علي عيساوي بالتنسيق مع مؤسّسي فرقة "3 تي" وكمال بوزة، للتحضير والاتصال بمختلف الوجوه التي حضرت هذا اللقاء، وكانت فرصة للالتقاء بوجوه لم نرها منذ عقود من الزمن، وهناك من الوجوه التي لم أرها شخصيا منذ حوالي 40 سنة ونحن نثمّن مثل هذه المبادرات الجميلة.

على المسؤولين عن المسرح استغلال وسائط التواصل للترويج للأعمال الدرامية

خلال هذا اللقاء، طرحت إشكالية تاريخ المسرح، وتحدث الطيب دهيمي عن موضوع التأريخ، هل من تفصيل أكثر؟

حقيقة هذا الحدث كان ملتقى للفنانين، وأظنّ أنّه كان من اللائق عدم التطرّق لمثل هذه المواضيع والنقاشات، التي أرى أن الوقت لم يكن مناسبا لطرحها، فمثل هذه المواضيع تطرح في حضور مختصين سواء من المؤرخين للمسرح أو الذين كتبوا عن ذاكرة المسرح، سواء ما قبل الاستقلال أو ما بعده، ويجب على المسرحيين أن يدركوا أنّ هناك فرقا بين التاريخ وهو إعطاء تواريخ لبعض الأحداث التي شهدها المسرح وللتأريخ الذي يحملنا إلى مفاهيم أخرى ويعود بنا إلى النصوص الدرامية الأولى وإلى نشأة المسرح، فالنصوص التي ظهرت في القرن الثاني بعد الميلاد مع الكاتب المسرحي الروماني تيرانس.

أوّلا خصوصية الإنتاج، النصوص والممثلون

بما أنّكم من الجيل الذهبي لمسرح قسنطينة، ماذا قدّم للمسرح الجزائري؟

مسرح قسنطينة قدّم أشياء كثيرة للمسرح الجزائري، أوّلا خصوصية الإنتاج، النصوص والممثلون، هذه العوامل الثلاثة المربوطة بواقع المجتمع الجزائري، لأنّ المسرح إذا لم يكن صادقا لن يلقى الاهتمام والمتابعة من الجمهور، ونفس الشيء ينطبق على النصوص والأداء، وأغلبية الممثلين بمسرح قسنطينة لم يكونوا خريجي مدارس، كان عبارة عن مسرح هواة وعشق لهذا الفن، فكان المزج بين الممارسة واكتشاف أدوات العمل خلال ولوج العمل المحترف، وسمح للفنانين بتقديم أشياء جميلة ورائعة ساهمت في إثراء المشهد المسرحي الجزائري، وقدّمت أطباق متنوّعة اعتمدت على الهزلية في معالجة المظاهر السلبية في المجتمع.

على المسؤولين استغلال الوسائط لإخراج الأعمال المسرحية إلى فضاءات أرحب

في نظركم، هل خدم التطوّر التكنولوجي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير، المسرح أم كان العكس؟

ربما، إذا أردنا الحديث عن استغلال هذه الوسائل والوسائط، يمكنها أن تخدم المسرح من باب التسويق والإشهار، وليس من باب الإبداع، في الوقت الحالي يمكن الإشهار لعرض مسرحي معين، على نطاق واسع بالضغط فقط على زر أو أيقونة، حتى يعرف الجمهور العريض عبر كامل التراب الوطني تاريخ العرض ومكانه ولمحة عنه.. وهذا الأمر لا يتطلّب أموالا كثيرة، فهو فضاء مفتوح على عكس سنوات سبقت، حيث كان الفضاء محدودا ويتطلّب الأمر من أجل الإشهار، جهدا كبيرا من تعليق للمطويات وصرف الكثير من الأموال، وأظن أنّ المسؤولين على المسرح في الوقت الحالي مطالبون باستغلال هذه النقطة لإخراج الأعمال المسرحية إلى أكبر شريحة ممكنة من الجمهور، ولما لا تقديم عروض يمكن متابعتها من طرف 500 ألف إلى 1 مليون مشاهد عبر المنصات الرقمية الخاصة عوض تركها في قاعة المسرح ليتابعها 400 أو 500 متفرّج وفي أقصى الحالات 1000 متفرّج.

مسرح قسنطينة قدّم أشياء كثيرة للمسرح الجزائري 

حتى يكون الجمهور على إطلاع، ما هو جديد الطيب دهيمي؟

أنا في الوقت الحالي متقاعد من المؤسّسات الرسمية، وأعيش حياة المتقاعدين منذ 7 سنوات، تقاعدنا من العمل الإداري، لكن هذا لا يعني أنّنا نتوقّف عن العمل، فبعد مسيرة حافلة يمكن أن نستغل تجربتنا في الحياة، لتقديم أشياء أجمل، وأظنّ أنّه بعد كلّ هذه السنين اكتسبت نظرة نقدية، يمكنني من خلالها المساهمة في تطوير الأعمال الدرامية، التقاعد يسمح لك أيضا بالقراءة والمطالعة والتفكير والكتابة، وهذا الأمر، سمح لي أيضا بالتفرّغ أكثر للعمل الجمعوي، حيث أتعامل حاليا مع جمعية "الستار الذهبي" للفنون والثقافة، ولدينا مسرحية جاهزة بعنوان البخيل للكاتب الفرنسي جون بابتيست بوكلان الشهير باسم موليير، قام بالترجمة والعمل الدرامي السعيد بولمرقة، ونحن في انتظار التمويل، كما أحضّر لعمل آخر بعنوان المحنة يتعلق بكتابة النص والإخراج، كما لديّ عمل ثالث وهو عبارة عن مسرحية بعنوان "السلسلة"، فضلا عن أعمال أخرى أحضّر لها بالتنسيق مع التلفزيون الجزائري..أظن أنّ الوقت الذي بقي لي في هذه الحياة، سأستغله لكتابة مذكراتي وتخصيص وقت أيضا للكتابة الدرامية.

نادينا بخلق مراكز تكوين مختصة داخل كلّ قطب ثقافي عبر أنحاء الوطن

من خلال متابعكم للأعمال المسرحية داخل الوطن، كيف تقيّمون تجربة الشباب في هذا المجال؟

الشباب الجزائري له طاقة كبيرة ويقدّم أشياء رائعة، هو يعشق الفن بمختلف أشكاله من تمثيل، شعر وأدب، لكن أظن أنّ المشكل المطروح هو في التأطير، تضاف له نقطة أساسية هي التكوين، ولقد نادينا في العديد من المناسبات، في إطار أساسيات العمل الثقافي، لخلق مراكز تكوين مختصة داخل كلّ قطب ثقافي عبر أنحاء الوطن، ليس في الجزائر العاصمة فقط ولكن من "تاء تبسة إلى تاء تلمسان ومن تاء تيزي وزو إلى تاء تمنراست"،  وأرى أنّ هذا هو الحلّ.. كما يجب تشجيع ما تقوم به العديد من الجمعيات سواء في التكوين أو في العمل الجواري مع الشباب.

التقاعد يسمح لك أيضا بالقراءة والمطالعة والتفكير والكتابة

كيف تقيمون مستوى المسرح الجزائري في الوقت الحالي ؟

لا يمكنني الإجابة عن هذا السؤال، لأنّ كلّ مرحلة لها مميزاتها، وما عشناه نحن في وقتنا يختلف عما يعيشه الفنان في الوقت الحالي، الوقت الحالي هناك اهتمامات أخرى ويتطلب أدوات أخرى في التعامل وطرق أسرع في تقديم المنتج ومخاطبة المتلقي، على كلّ حال الشيء المهم هو أن يكون العمل المسرحي كممارسة يوميا، سواء من الممثلين أو من طرف الجمهور، يجب أن تكون العروض يومية أو على الأقل تقديم عرض في المستوى وفتح باب المسرح للجمهور كلّ أسبوع، تبقى قضية النوعية في العروض ترجع للمبدعين وأظنّ أنّ الإشكالية في الجزائر ليست مسألة نص بقدر ما هي إشكالية كاتب، وليس لدينا إشكالية إبداع ولكن لدينا  مشكلة مبدع وهذا هو لب الموضع.

في رأيكم، هل يمكن للمسرح أن يرقى بالمجتمع، خاصة في الوقت الراهن؟

عندما بدأت ممارسة المسرح والتمثيل والاهتمام بهذا الفن، داخل "الزنقة" وجدت أنّ هذا الأمر أخرج العديد من الشباب وحتى من الأطفال من التهميش، كما أنقذ الكثير من الشباب من الانحراف الاجتماعي، وهذه من بين الأدوار التي قدّمها المسرح للمجتمع ولو عن غير قصد.. أن تكون فنانا، يجعلك تحمل رسالة نبيلة ويمنعك من الاندماج في بعض الظواهر السلبية التي تكون في المجتمع، المسرح سواء قديما أو حديثا، ينشر رسائل إنسانية، رسائل الحب والصدق والتعاطف مع الأخر، خاصة المحتاج والضعيف، الفنان الذي لا يكون مرتبطا بمجتمعه ولا يحاول إصلاح ولو القليل في هذا المجتمع، في رأيي ليس بفنان.

لمسرح أخرج العديد من الشباب من التهميش

ما هي رسالتكم إلى الجيل الجديد من الشباب ؟

أوصيهم أوّلا بالاهتمام بالدراسة، لأنّ الدراسة تساعدهم في التفتح على العالم، كما أنصحهم بممارسة مواهبهم، هذه المواهب هي التي تخرج الكبت بطريقة سليمة وتمكنهم من التخلص من العجز النفسي الذي يمكن أن يكون داخل أيّ واحد مـــنا، ثم العمل والعمل والمثابرة من أجل النجاح لأنّ طريق النجـــــاح صعبة ولا يمكن الوصول عبرها إلى الهدف المسطّر إلاّ بالصبر والاجتهاد.

شكرا على رحابة الصدر

الشكر موصول لكم ولكلّ من يتابعني عبر مختلف المنابر الإعلامية.