المهندس نعيمي يعقوب لـ"المساء":

الذكاء الاصطناعي يُحدث ثورة في مجالات التراث والتاريخ والبيداغوجيا

الذكاء الاصطناعي يُحدث ثورة في مجالات التراث والتاريخ والبيداغوجيا
  • 1209
حوار: مريم. ن حوار: مريم. ن

❊ أعدنا بناء القصبة كما كانت في زمن عزّها 

❊ التكنولوجيا أداة فعّالة في نشر التراث وتمكين الجميع من التعاطي معه 

❊ إحياء التراث اليوم يعتمد على الوسائل الحديثة

 ❊ في "إسراء" عمِلنا على مشروعين لـ"جامع الجزائر"

❊ تطبيق "ليم" يمنح تجربة تعليمية فريدة من نوعها

يعمل المهندس يعقوب نعيمي (ماستر فيزياء) على تثمين التراث الوطني الثقافي منه والتاريخي، خاصة في أوساط الشباب والناشئة؛ من خلال تقنية ثلاثي الأبعاد. وشارك مع المؤسّسة الناشئة "إسراء" التي تعمل منذ 2016، على عدّة مشاريع رائدة، علما أنّ التجربة في بدايتها كانت الأولى من نوعها في العالم. واستطاع مهندسو هذه المؤسّسة افتكاك عدة جوائز دولية. وأثاروا إعجاب رئيس الجمهورية الذي شجّعهم، في انتظار مشاريع أخرى، قد تدخل منظومتنا التربوية.. التقته "المساء" مؤخرا، وكان هذا الحوار الذي دار حول أهمية الذكاء الاصطناعي كأداة لنشر وتثمين تراثنا الوطني.

❊ كيف كان دخولك مجال العمل في التراث؟

❊ اتصل بي صديقي المهندس خليل دحومان، وهو مؤسّس مشروع سينما ثلاثية الأبعاد حين كان العمل على مشروع "القصبة تحكي". وهو عبارة عن نظرة افتراضية، وجولة في مدينة الجزائر قبل 1830. وكان بمثابة مرشد سياحي، يعرض كل ما في القصبة من قصور ودويرات وحمّامات ومساجد وأزقة وغيرها، تماما كما كانت قبل الاحتلال الفرنسي؛ أي أنّنا أعدنا بناء القصبة من جديد كما كانت في زمن عزّها، والتي ضاعت اليوم، وللأسف الكثير من تلك المعالم!               

❊ كيف استطعتم بناء القصبة من جديد؟ وعلى ماذا اعتمدتم؟  

❊ كلّ الجوانب التاريخية من تصاميم ووثائق زوّدتنا بها مؤسّسة حفظ الآثار الكائن مقرها قبالة "دار عزيزة" بالقصبة السفلى. كما إن مجموعتنا بها مهندسون، منهم المختصون في علم الآثار، وفي التقنيات ثلاثية الأبعاد، ومهندس مدني. اشتركنا جميعنا في بناء مدينة الجزائر. وبعد هذا البناء وتحقيق المشروع كان لزاما إخراجه للجمهور عن طريق التكنولوجيا.       

واعتمدنا على نوعين من التقنيات؛ الأول خاص بثلاثي الأبعاد، متمثل في قاعة سينمائية افتراضية. والثاني متمثل في الواقع الافتراضي بـ360 درجة. ويتم بوضع قناع مرئي، يسمح للزائر بالتجول افتراضيا؛ وكأنه يعيش في ذلك الزمن.

❊ ما هو الدور الذي تلعبه هذه التكنولوجيا في تعزيز التراث والتاريخ؟

❊ دور هام جدا؛ فهي أداة فعّالة في نشر هذا التراث، وتمكين الجميع من التعاطي معه بطرق عملية وجذابة وسهلة، علما أنّ إحياء التراث اليوم، يعتمد على الوسائل الحديثة، مع تخليصه من تجاوزات المرشدين السياحيين غير المكوَّنين. وبعد نجاح هذه التجربة سنعمل على مشاريع أخرى ضمن حلقات، تخصّص للطبخ التقليدي في القصبة، أو الموسيقى، أو أيّ جانب آخر في ثقافة وتاريخ القصبة.

❊ هل كانت لكم تجارب سابقة؟

❊ نعم؛ قمنا سنة 2018 بإنجاز مشروع عن معلَم في تيبازة، خاص بملعب المصارعة اليونانية، علما أنه على الأرض لم يكن سوى بقايا هذا المعلم فقط، ليقوم المرشد بإعطاء معلومات نظرية، لكنّنا أعدنا بناءه بتقنية ثلاثي الأبعاد، وبالتالي يتمكّن السائح بتقنية التصوير في هاتفه المحمول، من تسليط الضوء على الموقع برمز معيّن، فيرى المعلَم منصوبا أمامه بكلّ تفاصيله. وحاولنا، بالمناسبة، تعميم ذلك على كلّ المواقع الأثرية ببلادنا، علما أن الكثير منها ليس بها مرشدون سياحيون.

❊ هل تحصلتم على جوائز بعد عروضكم ؟

 ❊ تحصّلنا على جائزة "إيكروم" بالشارقة ضمن الثلاثة الأوائل. واقتنصنا الجائزة الأولى وطنيا ضمن 70 مشاركا في مسابقة من تنظيم المعهد الوطني للبحث في التربية، الذي يضم خبراء أكفاء، ومختصين في هذا المجال، شهدوا لنا بالكفاءة.

❊ هل تعاملتم مع جهات أخرى في إطار هذه المشاريع؟

❊ ننجز مشاريعَ تحت الطلب، وهو ما كان مع "جامع الجزائر" بمشروعين؛ الأوّل خاص بالإعجاز العلمي في القرآن العظيم، عن الكواكب والمجرات. قدّمنا للحضور في هذا اللقاء، قناعا إلكترونيا ليشاهدوا بأم أعينهم الكون، ويسبحوا فيه. وعرف نجاحا باهرا.

المشروع الآخر كان بمناسبة الذكرى الأولى لافتتاح "جامع الجزائر"؛ حيث تم الحديث عن منطقة المحمدية التي أراد المستعمر تنصيرها فسماها "لافيجري"؛ نسبة إلى رجل الدين الفرنسي ممثل الكنيسة الكاثوليكية الذي قال: "أين أنت يا محمد؟"، ليرد عليه عميد المسجد: "نحن أبناء محمد. وأين أنت يا لافيجري؟!"، وكان ذلك بتقنية الأبعاد الثلاثة طبعا.

❊ حدّثنا عن تقنية "الهولوغرام" المعتمَدة في بعض مشاريعكم؟

هي تقنية حديثة تُستعمل بمشهد ثلاثي الأبعاد دون استعمال النظارات الخاصة. وهي موجودة في التلفزيونات الجديدة المسوَّقة حاليا، علما أنّ النظارات ذات أبعاد ثلاثية، والقناع الإلكتروني بـ360 درجة. وهذه التقنية تجعل أيّ شخصية واقفة أمامك في الواقع، وتحدثك دون شاشة، ودون وسيط؛ وكأنها حاضرة وحية. واستعملناها مع مصطفى باشا، الذي يُحدّث الجمهور عن تاريخه.

❊ ماذا عن تجربتكم، أيضا، في مجال التعليم والبيداغوجيا؟

❊ في مجال التعليم لنا تطبيق خاص بنا شعاره "تعلّم بـ4 دي" أو ما يُعرف بالإنجليزية بـ«ليم". واستعملنا هذه التقنية في التعليم خاصة في المواد التجريبية؛ مثل العلوم والفيزياء ضمن الطور المتوسط من الأولى حتى السنة الرابعة. وقمنا بمحاكاة التجربة العلمية؛ مثلا تفكيك محرّك ميكانيكي من الداخل، وهو أمر لا يستطيع المعلّم فعله، وبالتالي يفهم التلميذ. وما عليه سوى فتح الكتاب وصفحة التجربة. وبمجرد وضع الكاميرا عليها يتم محاكاتها بـ 3 دي؛ بمعنى أن يضغط التلميذ على الهاتف ليختار الكتاب المعنيّ والصفحة والتجربة، فتظهر له بـ360 درجة بفضل الذكاء الاصطناعي.

وقمنا، أيضا، في كلية علم الأرض بجامعة باب الزوار، باستعمال هذه التقنيات الحديثة، وكذلك مع المدارس الخاصة بمنطقة الحميز؛ حيث تم تطوير وسائل الدراسة إلى درجة لمس التلميذ بيده، وسائل التجربة مع شرح الأستاذ. 

كما قمنا بمشروع لتدريس مادة التاريخ في المدارس الجزائرية. واخترنا الشهيد عمر ياسف، الذي يأتي من الماضي إلى القاعة التي تعجّ بالحضور، منهم عائلته، التي بكت كثيرا لحضوره بتقنية الهولوغرام. وكانت صحفية من الواقع تحاوره وهو يجيبها، وحتى السادة الوزراء والحضور والتلاميذ تأثّروا جدا؛ ما يعكس فعالية هذه التقنيات للذكاء الاصطناعي.

أشير، فقط، إلى أنّ تجربتنا في المجال البيداغوجي والثقافي كانت الأولى في العالم. انطلقت حين إنجازنا مشروع تعاون مع تركيا بطلب منها. ثم قدّمنا تجربتنا في معرض بالصنوبر البحري، وقف عليه رئيس الجمهورية حين زيارته المعرض. وقال لنا: "سيكون هذا ثورة في مجال التعليم". كذلك ثمّن تجربتنا معهد التربية، واحتضنَنا، واعتمد تجربتنا. والآن نقوم بالدعاية للمشروع. ولقينا تجاوبا من المدارس الخاصة، التي أصبحت تتبع أحدث الأساليب في انتظار تجاوب وزارة التربية.