نور الدين سعودي مدير دار أوبرا بوعلام بسايح لـ «المساء»:

الثقافة أولوية بامتياز والشق التجاري محفوظ

الثقافة أولوية بامتياز والشق التجاري محفوظ
  • القراءات: 13069
 حاورته: مريم .ن حاورته: مريم .ن

يقف مدير دار أوبرا بوعلام بسايح السيد نور الدين سعودي، في هذا اللقاء عند الانطلاقة القوية التي شهدتها دار الأوبرا خلال شهر رمضان من خلال برنامج «السهرات الموضوعاتية» مما دفع للتحضير لبرنامج صيفي لا يقل حضورا يستهدف في المقام الأول العائلات، حيث يطمح السيد سعودي، إلى جعل هذا الصرح واجهة للهوية الثقافية الجزائرية من خلال تفعيل حضور المشهد الفنّي العاكس لكل مناطق الوطن . 

شهدت الأوبرا خلال شهر رمضان برمجة ثرية فما تعليقك؟

❊❊ أظن أن دار الأوبرا جاءت في وقتها، حيث كان مجتمعنا في انتظار مؤسسة وصرح من هذا الحجم، وبالتالي كانت الانطلاقة قوية، وما لاحظناه هو الإقبال الكبير وشغف الجمهور المتعطش للثقافة والتراث وأيضا للتواصل، وهو ما نعتبره مؤشر خير يشجع على الذهاب بعيدا.

أشير أولا إلى أن البرمجة لا تقتصر على شهر رمضان، بل هي ضمن برنامج عام، كما احتضنت الأوبرا تظاهرات لجهات متعددة منها الديوان الوطني للثقافة والإعلام والوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي، وكذا عرض أفلام سينمائية منها مثلا «البئر» و»بن باديس» وكذا العديد من العروض الفنية منها الخاصة بموسيقى الجاز، وكذا بعض المغنيين في السوبرانو منهم أمل براهم جلول، كذلك الأمر بالنسبة لمحور الموسيقى الكلاسيكية وفي الأندلسي والبالي، حيث لكل منها حيز مهم في البرمجة.

بالنسبة لبرنامج شهر رمضان 2017 فأعتبره أول تجربة للأوبرا ولطاقمها الشاب منهم التقنيون، والبرنامج جاء بناء على مستوى طموحات وتطلعات الجمهور بما يحويه من تراث غني ومتنوع يستهدف في شكله العام مجتمعا ذوّاقا ومطلّعا.

أردنا هذا البرنامج أن يكون انعكاسا للتراث ولشساعة الجغرافيا من الجزائر إلى تمنراست ومن تبسة إلى مغنية.

اخترنا بعض العروض والأسماء، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الطريق طويل ولا يقتصر على رمضان فقط، وسيتواصل البرنامج العام في هذا القطب على مدار العام.

حرصنا عند تسطير البرنامج على إعطائه بعدا ثقافيا زيادة على عنوان عام يعكس ما يحويه من فقرات.

السهرة الأولى لسهرات رمضان افتتحها الأستاذ حمدي بناني، على اعتبار أنه فنان كبير وشخصية مميزة وصوت وعازف وبالتالي سميت سهرته بـ»صوت وكمان» ولاقت الإقبال الكبير، بعدها وفي ليلة أخرى وضمن هذه السهرات الموضوعاتية كان السفر إلى منطقة القنادسة ببشار وهي بمثابة محور ثقافي وحضاري يتضمن عدة طبوع فنية منها الأمازيغية والإفريقية والمتوسطية والشمالية وغيرها وأسميناها بـ»قعدة القنادسة» والتسمية تمثل روحا وبعدا حضاريا، جاءت بعدها ليلة التاسيلي مع الفنان المرح شغلي، وكانت بعنوان «نغم التاسيلي» تضرب بجذورها في عمق التاريخ، فهي المنطقة الأولى بالجزائر التي عمّرها الإنسان والجداريات والآثار تشهد على ذلك، كما كان هذا العرض تجربة أولى رافق فيها بالي الأوبرا المغني وأدت رقصة التندي وهي مقاربة ذات دلالات ناجحة.

تضمنت السهرات أيضا تكريم أعمدة الموسيقى الأندلسية منهم سي محمد خزناجي وهو شخصية بارزة وخص بوقفة تليق بمقامه الرفيع وتعكس تراثه الفني وتكوينه لأجيال الموسيقى الأندلسية، ومن ضمن المشاركين كان الفنان مقداد زروق، وفيصل بن كريزي من مستغانم وهو ابن مولاي بن كريزي، الذي رسخ الأندلسي بهذه المنطقة وكان تلميذا للخزناجي.

الحال كان نفسه مع فن الشعبي بحضور كل تياراته منها النوع العنقاوي مع الفنان القبي، ومع النوع الشعبي المتمثل في مدرسة العنقيس وحسن السعيد مع شاعو، ثم مع رضا دوماز الفنان والباحث إضافة لقراءات شعرية مع ياسين أوعابد وسميت السهرة «قعدة وسط الدار» كناية عن ليالي القصبة الزاهية، قسنطينة مثّلها الأستاذ سليم فرقاني، وهو اليوم  من شيوخ المالوف وقد أطربنا في ليلة «هوى قسنطينة» لمدة ساعتين تنوعت بين الزجل والنوبات والمحجوز.

كان للفرقة السيمفونية 18 تجربة مع الأوبرا وتحديدا مع أمين قويدر، وعزفت في الشعبي ولاقت نجاحا كبيرا وستعاد بطلب من الجمهور، ورافقت فنانا في طبع الأندلسي وهو كمال عزيز الذي عمل مع جمعية «السندسية» ثم جمعية الفنون الجميلة وذي موهبة خارقة للعادة ومع أسماء علاّ ذات الأداء والحضور ومازاري زهير الذي هو شبه منتمي للأوركسترا السيمفونية.     

كان هناك أيضا عرض للجوق الجهوي لقسنطينة وهو ينتمي لدار الأوبرا وقدم رائعتي «صالح باي» و»قالوا العرب قالوا» مع مرافقة الحكواتية سهام كنوش مما أعطى نكهة جديدة للحفل .   

حضرت الصحراء بمواويل «الياي ياي» بعنوان «قمر الليل» وكانت تكريما للراحل خليفي أحمد، الذي شهد له كبار الفنانين منهم عبد الوهاب بالصوت القوي ، وقد نشط السهرة لزهر الجلاّلي، ومحمد لعراف وعويسي وبعض الشعراء الذين استعرضوا البيئة الصحراوية الأصيلة، وهنا أشير إلى أن الأوبرا أعادت للجمهور هذا الفن الراقي والأصيل الذي غاب عن المشهد وقد شارك الباليه برقصة النايلي الشهيرة، وختام البرنامج الرمضاني كان بحضرة روحية مع زين الدين بوشعالة .

كيف وجدتم إقبال الجمهور؟ 

❊❊ دار الأوبرا لها جمهور وهي الآن في طور إنماء مسارها وروحها، وهي أيضا تغذّي تاريخها من خلال هذه البرمجة، وقد وجدنا الجمهور متعطشا وله دراية بالفن ويجد راحته عندما يدخل هذا الصرح خاصة مع توفر الاستقبال الحسن وجودة العروض وتوفر الخدمات منها حظيرة ركن السيارات وقاعة العروض ذات 1400 مقعد والتي لا يقل فيها الحضور عن النصف وهذا مؤشر إيجابي.

دار الأوبرا ذات مهمة ثقافية محضة والشق التجاري محفوظ ومهم لكن تبقى الثقافة هي الحاضرة والأولوية بامتياز، وما يقدم هنا لا نجده في فضاء آخر خاصة من حيث خصوصية المواضيع المقترحة والتقديم الراقي للعروض، والإقبال دليل على أن الجمهور متفاعل وأن المجتمع حي من خلال كل شرائحه، علما أن الأوبرا لا تقتصر على الفئة الراقية ولكنها مكان يستقبل كل ذواق للفن ليجد فيه راحته، والاستقبال شجّع العائلات على المجيء، وهنا أقف لأقول أن كل هذا ينبئ بمستقبل أفضل للفن ببلادنا، وأن مسار الثقافة على السكة الصحيحة لأن الثقافة هي من تخرج الجزائر إلى بر الأمان إذ بإمكانها نقل الإنسان إلى آفاق وتطلعات جديدة وبالتالي يبقى المجتمع يطلبها.

هل هناك برامج أخرى في الأفق ؟

❊❊ بالنسبة لبرنامج الصيف فهو قيد التحضير، ومن خلال التجربة أصبحت البرمجة اليوم تسير نحو برامج 3 أشهر ونحو السنة القادمة مع مراعاة التحكم في أمورنا وتقنياتنا المتوفرة وكذا التواصل مع الجمهور العريض الوفي، ونفكر في بطاقات الاشتراك بعد أن لاحظنا من يتردد على الأوبرا في كل سهرة وسنضع هؤلاء في مرتبة «أصدقاء الدار»، كما نسعى إلى إصدار تذاكر إلكترونية وسيتحقق ذلك قريبا.

هل من المهم أن يكون فنان على رأس صرح الأوبرا ؟

❊❊ أشير أولا إلى أن لي تجربة في مجال التسيير وكنت قبلها مدير مركز بحث، وبالتالي فإن المهمة ليست جديدة لكن الجانب الفني حاضر في التسيير خاصة في هذا الصرح الثقافي وعلى اعتبار أنني فنان فأنا أقدّر الفنانين وأقيّم العروض وذلك رفقة الطاقم الذي أعمل معه طبعا. وأجد أن الأمور الفنية تطغى أكثر من الإدارية، وطموحي يبقى في أن لا نتخلى عن الطبوع الفنية الأصيلة ولا عن ثقافة بلادنا لتتصدر المراتب العليا، وأن تدخل طبوعنا من أندلسي وصحراوي وقبائلي وشاوي وغيرها العالمية.

بالنسبة مثلا للموسيقى الأندلسية فهي ذات حضور مهم ولها 3 مدارس وطبوع غير موجودة في باقي دول المغرب العربي، وبالتالي علينا المحافظة عليها للدخول إلى العالمية بشخصيتنا.

من جهة أخرى، ندعم الثقافة بتقنيات عالية سواء الفنية أو العلمية حتى تبقى الأوبرا قطب إشعاع ثقافي تجلب كل من له رغبة في التواصل مع الفن الراقي.

هل سجلتم نقصا في الجانب التقني خاصة فيما يتعلق بالكفاءات البشرية؟

❊❊ تم اقتناء طاقم شاب وجه بدفع شامل نحو التكوين، لكن المفاجأة كانت بإمكانيات هذا الطاقم الذاتية التي استوفت كل شروط التكوين مما حقق نتائج جيدة، والطاقم اليوم قليل العدد لكنه متحكم في كل التقنيات العالية للأوبرا، بل وأحيانا هم من يضيفون بعض الجديد من التقنيات للتقنيين الصينيين، إنه طاقم شاب له الرغبة في العمل والذهاب بعيدا في هذا المشوار لمسايرة جديد التقنيات، وقد يأتي تقنيون للتكوين عندنا للعمل في قاعات أخرى.

هل تلقى الأوبرا حقها من الرعاية الرسمية؟

❊❊ أنا بصدد تنظيم الإدارة والبرمجة والتطلع نحو الأفضل علما أننا لسنا في بحبوحة مالية لكن يجري العمل من أجل تحقيق الراحة.

الأنظار مصوبة نحو الأوبرا ومن أعلى مستوى وأعتقد أن نجاح دار الأوبرا هو نجاح لسياسة ثقافية شاملة وبالتالي أشعر بثقل المسؤولية، وهناك ميزانية للتسيير لكن متطلبات الأوبرا تحتاج الدعم.

من جهة أخرى فإن الأوبرا منبع للثروة إذا وصلنا لتسيير متوازن، وذلك باستغلال حظيرة ركن السيارات واستغلال القاعات والإشهار (التمويل) وفتح مقاهي ومدارس منها الخاصة بالباليه والأندلسي وكلها تحقق أرباحا ضخمة.

كيف هي علاقة الأوبرا مع باقي دور الأوبرا بالعالم؟

❊❊لي اتصالات مع دور الأوبرا في أوروبا وفي مصر وغيرها لكننا اليوم، في مرحلة الإنشاء وكل شيء في بدايته يكون صعبا ويتطلب وقتا.

أين الفنان سعودي من كل هذا ؟

❊❊ ليس لي خطة أمشي عليها في مشواري الفني، فأنا اهتم بكل شيء مهما كان بسيطا وأعشق التأمل، أتابع شؤون الفن من موسيقى وشعر وتأليف وتعليم وإبداع وغيرها، واستطعت أن أبدع نوبة سميت بـ»الزيرية» وهو الأمر الذي لفت الأستاذ بشيش فكتب «النوبة من زرياب إلى سعودي»، كما قدمت للإسبان قطعا موسيقية (عربية إسبانية)، ولي كتاب سيصدر قريبا بعنوان «الموسيقى الأندلسية».

ترجمت مسرحيات وعملت كثيرا مع شريف زياني عياد، حيث ترجمت «أمالا» من الفرنسية إلى الدارجة منها أعمال غارسيا لوركا وكاتب ياسين وأرزقي ملّال ومؤخرا ليلى عسلاوي.

اهتم كثيرا بترقية لهجتنا الجزائرية. علما أني وريث الكلمة الجزائرية الجميلة فأنا حفيد للشاعر بن قيطون صاحب رائعة حيزية (جد والدته)، واعتبر أن البلاد التي لا تواصل لغوي فيها فقيرة ولا تعيش لذلك فترجمتي تعتمد على لغة أقرب للمجتمع. علما أنني كتبت الزجل في قصيدة أهديتها لعبد الكريم دالي.

ماذا بقي أن تضيف؟

❊❊أنا فخور بطاقم عملي وفخر سلامي وشكري لهم إذ رفعوا التحدي معي.

أتمنى لدار الأوبرا أن تكون بمثابة قطب ساطع على المستوى الوطني، وأن يكون كل فنان يمر بها هو بمثابة تأشيرة له على النجاح، وأن تبقى مكانا للسعادة والتكوين.