المسرحي وحيد عاشورلـ"المساء":

التكوين الأكاديمي والموهبة والأخلاق المهنية مفاتيح نجاح الفنان

التكوين الأكاديمي والموهبة والأخلاق المهنية مفاتيح نجاح الفنان
المسرحي وحيد عاشور
  • القراءات: 3507
دليلة مالك دليلة مالك

يعد الجزائري وحيد عاشور، أحد المسرحيين الأكفاء، وصاحب قيمة فنية عالمية في التمثيل والإخراج، غير أن وزارة الثقافة والفنون لم تمنح له الفرصة، لاستغلال تجاربه العالمية في نهضة المسرح الجزائري، وتستفيد من دائرة معارفه، إذ يعيش حالة بطالة خانقة لا تحتمل الانتظار، سخر حياته للتحصيل المعرفي حتى نسي نفسه، وأضحى دون عمل يكفل حياة كريمة، وإلى كتابة هذه الأسطر، بقي هذا الفنان متفائلا بأن تستجيب الوصاية لندائه العاجل.

لمن لا يعرفك، من هو وحيد عاشور؟

❊❊ وحيد عاشور ابن مدينة قسنطينة، فنان، كاتب، مخرج وممثل مسرحي وتلفزيوني، بدأت مسيرتي الفنية عام 1978، بعد انضمامي لمعهد الموسيقى والتمثيل بقسنطينة، وتتلمذت على يد الراحل الأستاذ الشيخ حسن الغول، ومنذ ذلك العام، وأنا أمتهن المسرح بشكل مستقل خارج مسارح الدولة. أخرجت العديد من الأعمال المسرحية، منها "أش كلبك مات"، "اللقاء"، "الشيطان"، "نسيم أربعة" ومثلت في العديد منها، مع مسرح "البليري"، ومسرح قسنطينة الجوي، ومسرح بجاية الجهوي، وفي مسرح العلمة وقالمة الجهويين، اشتغلت مخرجا، وعملت في مسرحيات عديدة في تونس وألمانيا. فقد اشتغلت ممثلا محترفا في ألمانيا، ومخرجا وممثلا ومؤطرا في المركز التونسي للفنون الدرامية بالكاف. تحصلت بعض من أعمالي المسرحية على جوائز وطنية ودولية، ونالت في الإخراج والتمثيل والسينوغرافيا والموسيقى والعرض المتكامل. وأنا عضو مؤسس بجمعية "البليري" في قسنطنة، وأعمل مديرا فنيا للجمعية ومخرجا فيها.

من الضروري وجود نقابة تحمي حقوق الفنانين

اشتغلت في مسارح الدولة في ألمانيا وتونس، حدثنا عن هذه التجارب؟

❊❊ تجارب رائعة وجميلة، استفدت منها كثيرا، لاسيما في ألمانيا، حيث لاحظت الفرق الشاسع في الاهتمام بين الممارسة المسرحية في ألمانيا، وتلك الموجودة في الجزائر، واندهشت خاصة في انضباط الممثلين والفنانين في ألمانيا، والشيء الذي تعلمته هناك، هو أن النجاح ليس له سر، إلا العمل المستمر والدائم، على الممثل أن يشتغل على نفسه وعقله وذاته الداخلية، حتى يقدم أداء راقيا. في تونس اشتغلت مخرجا.. وفي الحقيقة يبقى العمل سر النجاح، وهذا ما آلمني، لديهم نفس العقول مثلنا، لكن على مستوى الأعمال هناك فرق كبير بيننا، وسر ذلك أن المسرحيين التونسيين يعملون بجدية أكثر وحرفية عالية، ومجتمعهم يحترمهم جدا، لذلك تجد أعمالهم فيها الكثير من الإبداع والإدهاش. تجربتي في تونس، من 2002 إلى 2009، كانت متنوعة، شاركت خلالها في العديد من الأعمال في المركز التونسي للفنون الدرامية والركحية في الكاف، هذا النوع كان في الشكل والمضمون، فإلى جانب اشتغالي ككاتب نص ومخرج، أديت أدوارا أولى، واشتغلت إلى جانب المخرج المسرحي الراحل عبد المجيد لكحل، كمساعد مخرج. وكنت في المركز مؤطرا قارا، أقوم بتكوين الممثلين التابعين لهذه الهيئة المسرحية. 

في آخر ثلاثة أعوام الأخيرة لي في تونس، عملت مكلفا بالدراسات في المركز نفسه بالكاف، وهو ما يعادل في الجزائر مديرا فنيا، ومهمتي تتمثل في إقامة دورات تكوينية خاصة بالممثل، هذه الدورات إلزامية للإطارات القارة، وهناك تكونت في الرقص المسرحي وصناعة اللحى والشوارب، كما تلقيت ثلاثة تربصات في فن الممثل، أشرف عليها مسرحيون دوليون. إلى جانب كل هذه المهام، ينظم المركز مهرجانا فريدا من نوعه، وهي تظاهرة عالمية تسمى "24 ساعة مسرح"، حيث تعرض مسرحيات دون توقف خلال يوم كامل، بمشاركات دولية. هذا التنوع جعلني أتعلم أشياء جديدة في عالم المسرح، بما في ذلك صناعة الأقنعة والشعر المستعار، والرقص المسرحي، وهذا ما زاد في رصيدي المعرفي وتكويني الفني، الأمر الذي ساعدني لاحقا على  إعدادي كمخرج بطريقة غير مباشرة، فضلا عن تجاربي السابقة في المسرح الهاوي في الجزائر، كلها خبرات مهدت لي طريق الإخراج المسرحي، فالمخرج يجب أن يكون مثقفا وملما بكل المدارس المسرحية الموجودة، ومعرفة نظرية وأكاديمية وتطبيقية أيضا، من أجل تجسيدها في الأعمال المسرحية. وقد وفقت كثيرا في الأعمال التي قدمتها، وكانت بمستوى فني عال، والدليل على ذلك، كمية الجوائز التي نلتها، بما في ذلك مهرجان المسرح المحترف.

لا أعرف مهنة غير المسرح            

حدثنا عن التكوين الذي حصّلته، وما هي درجة الاحترافية التي وصلت إليها؟

❊❊ تكونت على أيادي محترفين، أساتذة في المسرح من الجزائر، تونس، المغرب، ألمانيا وإسبانيا، ومن بين الأسماء التي نهلت منها؛ الأستاذ طوني كوتس، الذي يعد أحسن تلامذة الأستاذ المسرحي العالمي بيتر بروك، وكانت تجربتي معه ثرية جدا، من خلال أسلوبه في تكوين فن الممثل، الذي كان يقدم لنا تمارين مسرحية مختلفة تماما عن التي عرفتها سابقا، بعيدة جدا عن الطريقة الستايفسكية والبرشتية، وهو أسلوب جديد يعتمد على الإعداد البدني والنفسي والذهني، وهذا أمر مهم جدا، ثم انتبهت لاحقا لأمر هام جدا، لا تهتم به المسارح العالمية، يتعلق بالذات والروح، والكثير من المسارح تلغي هذا الشيء، رغم أنه جانب مهم في الإنسان، ولولا الروح لا يشتغل الجسد ولا الذهن. هذه النظرية التي استخلصتها واكتشفتها من التجارب والتكوين السابقين، طبقتها في الكاف في تونس وفي الجزائر، وقد أتت أكلها، ولاحظ الممثلون الذين اشتغلوا معي أنها طريقة جديدة لم يروها من قبل في تكويناتهم وأعمالهم السابقة، وقدمت أعمالا مميزة جدا تلقت جوائز مهمة على إثرها.   

لحسن حظي، كل المسرحيات التي شاركت فيها مميزة جدا، ونالت جوائز، على سبيل المثال، مسرحية "البعد السابع"، التي دامت تحضيراتها عامين، فضلا على اشتغالي في مسرح الشباب الجديد بمدينة درزدن في ألمانيا، واحتكاكي بممثلين عالميين، على غرار أنكا آرت، إضافة إلى اشتغالي بمركز الفنون الدرامية والركحية في الكاف التونسية، وهو صرح تخرج منه العديد من المخرجين والممثلين المهمين في تونس، جعلني مخرجا متنوعا وثريا، وأتيت بهذه التجارب إلى الجزائر. 

على الممارسة المسرحية أن تؤول إلى الفنانين المؤهلين   

رغم مسيرتك الفنية الحافلة، وما يمثله تكوينك وخبرتك من قيمة فنية، إلا أنك بطال، لماذا؟

❊❊ للأسف لا أشتغل في أي مسرح، رغم أنه الشيء الوحيد الذي أتقنه، وليس لدي أي راتب مالي معين ولا أشتغل أي مهنة أخرى، عدا عملي كمخرج في بعض المسرحيات، أو عملي كممثل في بعض المسلسلات. انغمست في تكويني الشخصي وإخراج أعمال مسرحية جيدة، حتى نسيت نفسي، وعند كبري، تذكرت أنني دون مأوى أو راتب ولا حماية اجتماعية. وكنت أعتقد أن أعمالي ستشفع لي لدى وزارة الثقافة والفنون، وتلتفت لي وتقوم بواجبها نحوي، من خلال تأمين مورد قار في مسرح قسنطينة الجهوي، لكن هذا الأمر لم يحدث.

هذه فرصة أخرى لتوجيه نداء مستعجل لوزيرة الثقافة، عسى أن تلتفت لقضيتي. وهناك العديد من الفنانين الذين يعانون في صمت، نحن نموت في صمت رهيب، صحيح أن ندائي جاء متأخرا، ذلك أننا نحن الفنانون كرامتنا تجعلنا نستحي، بالنسبة لي، ندائي جاء بعد أن بلغ السيل الزبى، ولم أعد أستطيع البقاء على هذا الوضع. لابد من حل في أسرع وقت. وأنا مستعد للعمل في أي مسرح، وأرى أن لي الحق في ذلك، وأستغرب من المسارح التي توظف إداريين فقط، هذه المسارح تحتاج إلى مخرجين وسينوغرافيين وممثلين، هؤلاء من يجب أن يوظفوا، حتى يقدموا أعمالا راقية، وليس الذين ليس لهم علاقة بالفن.

أطلقت مؤخرا، نداءات موجهة لوزيرة الثقافة والفنون، للنظر إلى انشغالك، هل من ردود؟

❊❊ تواصلت وزارة الثقافة معي عن طريق المدير المركزي بالوزارة، السيد سنوسي، الذي طلب مني إيداع سيرتي الذاتية والشهادات التي تحصلت عليها على مستوى مصالحه، وتم ذلك، في انتظار رد سريع وسعيد، وصراحة حالتي لا يمكن أن تنتظر أكثر. 

أستغرب من بعض المسارح التي توظف إداريين وليس الفنانين

هل تعتقد أن واقع المسرحيين الجزائريين يستدعي وجود تمثيل نقابي؟

❊❊ نعم، هو أمر ضروري وجوهري بالنسبة لكل الفنانين، وليس قطاع المسرح فقط، ففي حالتي مثلا، لو كان هناك نقابة، لاستنجدت بها، عوض نشر ندائي على "الفايسبوك"، ومن شأن هذه النقابة أن تطرح مشكلتي بطريقة سلسلة وراقية ومتحضرة، ويمكن أن تجد الوزارة حلا. ومن شأن النقابة أيضا، أن تقف على المشاكل التي تشوب قطاع الثقافة والفن.

بالنظر إلى التجربة الدولية التي تتمتع بها، ما رأيك في حال المسرح الجزائري؟

❊❊ مريض لعدة أسباب متشابكة ومتداخلة، على الممارسة المسرحية أن تؤول إلى الفنانين المؤهلين، ولا أرى سوى هذا الحل، أن تمنح المسرح للذين أفنوا حياتهم من أجله والصادقين في عملهم، وخارج هذا لا يمكن أن نتطور. ويجب البحث عن حلول عميقة وليس ترقيعية آنية، لذلك لا بد من إعادة الاعتبار للفنان الحقيقي واحترامه.

هل تعتقد أن تخصصات التكوين الموجودة في المعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري ببرج الكيفان كافية؟ وما تعليقك على مستوى تكوين الممثل؟

❊❊ التكوين الأكاديمي لا يكفي وحده، وهذا شيء معروف حتى بالخارج، وشاهدت هذا الأمر في ألمانيا، وكان عندي لقاءات في معهد العالي لتكوين الفنانين في برلين، ويعد أهم المعاهد في أوروبا، وحدث أن طردوا طلبة لا يصلحون لهذه المهنة.. صحيح أن التحصيل الأكاديمي مهم، لكنه غير كاف، لأن أهم شيء هو جوهر الإنسان وروحه، وموهبته هي الأهم، والتي تحظى بقيمة كبيرة، بالإضافة إلى التكوين ليكون الفنان في المستوى.

الفنان المتكون من دون موهبة، سيكون مساره الفني أعرج، لابد أن تسير الموهبة مع التكوين الفني في مستوى واحد، فضلا عن عنصر آخر، غالبا ما نتغاضى عنه، وهو الأخلاق المهنية، ودون هذه الأخلاق لن ينتصر الفنان ولن ينجح في مشواره الفني. بالتالي يجب الجمع بين هذه العناصر الأساسية؛ الموهبة، التكوين والأخلاق المهنية.