الخبير الدولي في التهديدات بمنطقة الساحل وتدفقات الهجرة لـ”المساء”:

التطبيع مع الكيان الصهيوني وسيلة للتوسع الاستعماري في الصحراء الغربية

التطبيع مع الكيان الصهيوني وسيلة للتوسع الاستعماري في الصحراء الغربية
الخبير الدولي في التهديدات بمنطقة الساحل وتدفقات الهجرة حسان قاسيمي
  • القراءات: 2425
 حاورته: مليكة خلاف حاورته: مليكة خلاف

❊ كيانات دول تخريبية تهدّد المصالح الاستراتيجية للجزائر

❊ خطوة البرلمان الأوروبي تسمح لنا بمعالجة الاختلالات للدفاع عن مصالحنا الاستراتيجية

أكد الخبير الدولي في التهديدات بمنطقة الساحل وتدفقات الهجرة حسان قاسيمي، أن الجزائر تتعرض لتهديدات متعددة الأوجه وبأشكال ملتوية وخطيرة للغاية، من خلال محاولة الإرهاب الاقليمي في منطقة الساحل إعادة الانتشار على الأراضي الجزائرية، بمساعدة ودعم بعض كيانات الدول التخريبية لمحاولة تهديد المصالح الاستراتيجية للجزائر، مضيفا في حوار لـالمساء أن التوتر المفاجئ بممر الكركرات في الصحراء الغربية، يعد  أيضا شكل  من أشكال الاستفزاز الذي يستهدف الجزائر مباشرة على مستوى حدودها  الجنوبية ـ الغربية، في الوقت الذي وصف التطبيع مع الكيان الصهيوني محاولة لفرض الأمر الواقع، كوسيلة للتوسع الإقليمي الاستعماري المغربي في الصحراء الغربية، مؤكدا في السياق امتلاك الجزائر الخبرة الكافية لإدارة هذه الأزمات الجديدة  واستعدادها بشكل كاف لمواجهة كل هذه التهديدات .

الجزائر لها خبرة في إدارة هذه الأزمات الجديدة ومستعدة بشكل كاف لمواجهة كل هذه التهديدات.

المساء: ماهي قراءتكم للأوضاع الأمنية التي تعرفها الحدود الجزائرية؟

قاسيمي: ما نسجله اليوم هو التحرك الخطير لبراميل البارود التي  تسيطر عليها الأنظمة البتروـ ملكية في الشرق الأوسط والتابعة للكيان الصهيوني باتجاه المغرب الكبير، وجعل الكيان يفرض إرادته على الأنظمة السياسية غير الشرعية، وتكليفها بمهمة شنّ حروب بالوكالة على الدول التي لا تزال تقاوم هيمنة العالم النيو ـ ليبرالي في ظل تهافت مختلف القوى وسعيها للسيطرة على مزيد من الأراضي التي تزخر بإمكانيات طاقوية ومنجمية ضخمة.

فحروب  ليبيا ومالي والصحراء الغربية هي في حقيقة الأمر إعادة للتكييف الوحشي لمناطق النفوذ، وما ينجم عنه من أزمات ونزاعات تكون في النهاية ذريعة  للقيام بتدخلات عسكرية. فالحروب التخريبية الجديدة لا تعتمد النهج الكلاسيكي للحروب الذي يعتمد على شنّ حرب على دولة، ولكن القيام بعمليات ممنهجة  لإضعافها وإسقاطها.

ولذلك فإن الجريمة العابرة للأوطان وشبكات التهريب والمتاجرة بالمخدرات وتجارة الأسلحة والهجرة السرية يتم اعتمادها  كأساليب جديدة للتخريب، مشكّلة بذلك تحديات جديدة  وإشكاليات مرتبطة أساسا بالحكامة والقدرة على تسيير الإقليم.

  لقد راهن البعض عام  1990 على  انهيار  الدولة الجزائرية، مقابل إقامة نظام ثيوقراطي ـ ديني ولم يكتفوا بذلك، إذ قاموا باعتماد سيناريوهين تخريبيين سنة 2011  إثر سقوط نظام القذافي في ليبيا، وكان مصيرهما الفشل لأسباب مختلفة.

 

المساء: على ضوء حالة اللااستقرار هذه، كيف ستكون تداعياتها على الجزائر، وما يجب القيام به لمواجهتها؟

قاسيمي: التحديات الجديدة التي تواجه الجزائر والمرتبطة أساسا بحماية أمننا القومي معقدة ومتعدّدة، فهي تتطلب حشد موارد كبيرة  على الصعيد المالي واللوجيستي والبشري،  فضلا عن الوسائل المادية.

فعصرنة المصالح العملياتية، ذات الصلة بحماية الإقليم تبقى أهم العوامل التي تمكننا من ردع  كل التهديدات مهما كان شكلها، خاصة وأن الجزائر تتعرض لنوعين من التهديدات،  كلاسيكي ومتعدد الأوجه. وإذا كان الأول غير وشيك في الوقت الحالي، فإن التهديد الثاني  مازال قائما كونه يعتمد أشكالا ملتوية وخطيرة للغاية.

فقد راهن البعض على انهيار الدولة الجزائرية عام 1990 مقابل إقامة نظام ثيوقراطي ـ ديني ولم يكتفوا بذلك، إذ قاموا باعتماد سيناريوهين  تخريبيين سنة 2011  إثر سقوط نظام القذافي في ليبيا، وكان مصيرهما الفشل لأسباب مختلفة.

ويعود السبب الأول إلى امتلاك الجزائر لإرث تاريخي غير موجود في الدول الأخرى، حيث  يروي التاريخ مقاومة الشعب الجزائري الثائر والمحارب دوما للتدخلات الأجنبية وكل الغزاة، أما السبب الثاني فيعود إلى امتلاك الجزائر مؤسسات صامدة نجحت في كل مرة في تجنيد  الشعب ووقوفه إلى جانب الدولة ضد الهجمات الخارجية العنيفة والمدمرة وكان ذلك سببا دون انهيارها.

ويجب التأكيد هنا، أن تطوّر التهديدات مختلفة الأوجه يكون على مستوى الحدود وداخل البلاد، حيث توكل المهمة لجهات فاعلة في الداخل من أجل زرع الربيع الكئيب في بلادنا، من خلال اعتماد مسار مدمر وتخريبي جديد. ولأن الجزائر في مفترق الطرق وتعيش في محيط  معادي، فإن  تعزيز الجبهة الداخلية يفرض نفسه بقوة، ما يستدعي بناء دولة القانون واعتماد حكامة عصرية ينخرط فيها المواطن وتحظى بدعمه.

الكيان الصهيوني يحاول فرض إرادته على الأنظمة السياسية وتكليفها بمهمة شنّ حروب بالوكالة.

المساء: تعاني الجزائر لسنوات من مشاكل الهجرة غير الشرعية جراء تدهور الأوضاع في مالي وليبيا، واليوم الوضع في الكركرات ينبئ بأزمة إنسانية أخرى ستتحمّل الجزائر بلاشك تبعاتها، كيف تقرؤون ذلك؟

قاسيمي: التدخل  الغربي في ليبيا عام 2011  أدى إلى انهيار الدولة الليبية، ما أدى إلى نقل ترسانة أسلحة الجيش الليبي المنهار إلى الميليشيات المسلحة في ليبيا وتلك الناشطة في دول منطقة الساحل. فوصول كميات الترسانة الصناعية إلى منطقة الساحل سمح بظهور عدد كبير من الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، أدت كنتيجة حتمية إلى انتشار حالة لا أمن وفوضى عارمة وكان ذلك مبرّرا كافيا لتدخل عسكري غربي واسع النطاق وأدى كل ذلك إلى عسكرة المنطقة بشكل كبير، عبر إقامة قواعد عسكرية أجنبية جديدة.

وساهم ضعف دول المنطقة وتراجع دورها ونطاق سلطاتها في تشجيع الجماعات المسلحة والمنظمات الإرهابية على احتلال أراض كبيرة يضاهي حجمها، مساحة دول قائمة، ضمن  عوامل خارجية شكلت دافعا لإطلاق  موجة هجرة واسعة النطاق في أفريقيا.

وتعد الجزائر إلى جانب ليبيا من أكبر الدول التي استقبلت أعدادا كبيرة من المهاجرين القادمين من أكثر من 42 دولة إفريقية، غير أن تحديد مفهوم الهجرة في الجزائر تغير، خاصة وأننا أصبحنا اليوم أمام هجرة أشخاص يبحثون عن إقامة دائمة في الجزائر، بل يمكن القول إننا أصبحنا أمام هجرة عرقية  لقرى بأكملها.

فعلى الجزائر مواجهة ظاهرة الهجرة الجديدة والتي تعكس في جانبها الإنساني عدم قدرة الدول الأفريقية على تلبية الاحتياجات الأساسية لسكانها، من خلال التحرك لتفادي كل تعارض بين الهجرة والأمن، وإبقائها في أفضل مستوياتها المحتملة، فضلا عن تعزيز مكافحة تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر، حتى لا تكون الجزائر أرضية  لتدفق المهاجرين، مثلما تمنى ذلك الاتحاد الأوروبي الذي يبقى المسؤول الأول على تشجيع مثل هذه الظاهرة في بلادنا.

المساء: ظلت الجزائر لسنوات منطقة عبور للمهاجرين الافارقة، لكن سرعان ما استقروا بها بعد أن دخلوا في نشاطات غير مشروعة، حيث تفيد تقارير أمنية بضلوعهم في شبكات الاتجار في المخدرات والتنقيب عن الذهب في صحراء الجزائر، لصالح جهات مافياوية في الداخل والخارج، ماهو تعليقكم؟

قاسيمي: الجزائر التي كانت لسنوات دولة عبور للمهاجرين، في طريقها الآن لأن تكون بلدا مضيفا، بسبب صعوبة وصول المهاجرين إلى دول الاتحاد الأوروبي، إثر غلق حدودها الخارجية. فوصول رعايا أكثر من 42 جنسية إفريقية إلى الجزائر، يشكل مصدر قلق خطير ويستدعي من السلطات العمومية التدخل سريعا، لإعادة إطلاق وتعزيز مكافحة الهجرة غير الشرعية، وسط مؤشرات قوية لتدفق سيول بشرية جديدة من دول الساحل والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا باتجاه الجزائر، ما يحتم الاستعداد لمواجهة هذا الشكل الجديد من النزوح تماما مثل  ما تفعله دول الاتحاد الأوروبي.

كما أن العلاقات الجيدة للجزائر مع دول الاتحاد الإفريقي يجب ألا تكون مبررا للتباطؤ في معالجة ملف الهجرة، إذ لابد من تحديد شروط دخول الأجانب وتنقلهم واستقرارهم على التراب الوطني،  بموجب القانون الموجود في كل بلد، والذي يلزم الجميع  باحترامه وتنفيذه.

فشبكات استغلال الأطفال النيجيريين والماليين للتسوّل هي شكل من أشكال الاتجار بالبشر، بما يحتم على السلطات العمومية مكافحتها بشدة، خاصة وأن الجزائر سبق لها أن صادقت سنة 1989 على الاتفاقية الدولية الخاصة بهذه الظاهرة والتي تنص على منع تحت أي ظرف من الظروف  هذا النشاط  المعرض للعقاب.

كما أن استقرار شبكات الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين فوق التراب الوطني، أدى إلى تنامي الجريمة بين أوساط القادمين من منطقة جنوب الصحراء والذين قدموا إلى بلادنا، تحت غطاء الهجرة، وهم في حقيقة الأمر منضوون، في شبكات ومنظمات إجرامية قد تهدّد أمننا القومي.

 اللوبيات الفرانكو ـ مغربية والصهيونية  ناورت في كواليس البرلمان للإضرار بمصالح الجزائر

المساء: مازالت منطقة الساحل تشكل أرضية خصبة للجماعات الإرهابية، ورغم ذلك أفرجت فرنسا مؤخرا عن عدد من الإرهابيين، ألا يعد ذلك تناقضا في الموقف الفرنسي، في الوقت الذي تطالب فيه باريس دولا كالجزائر بترحيل أشخاص من أصول مغاربية تورطوا في نشاطات ارهابية؟

قاسيمي: لقد تحوّلت منطقة الساحل تحت غطاء مكافحة الإرهاب إلى أرضية مواتية للتدخلات الأجنبية، بغرض الاستيلاء والسيطرة على ما تكتنزه أراضيها من معادن ومواد طاقوية، كما أن عسكرة دوله هي في الواقع انعكاس لعقيدة غربية يسعى أصحابها لاقتحام إفريقيا من أجل احتلال أراضيها، بذريعة زائفة بدعوى محاربة الإرهاب أو التعاون لتحقيق التنمية المستدامة في هذه الدول. ويكفي أن نذكر هنا التدخل الغربي في ليبيا الذي فجر الإرهاب في الساحل وجعله قاعدة خلفية للإرهاب الدولي.

فالسيناريو المتعمّد لزعزعة استقرار قارة بأكملها وليس المنطقة المغاربية وحدها، يؤكد على مؤشرات قوية وشرسة بين تحالفين استراتيجيين متعارضين في تكرار لصراع الحرب الباردة، بين الدول الليبرالية والتحالف الصيني الروسي.

فقد اعتمدت الدول الغربية وبعض الدول الاستعمارية لغة متناقضة وغير شفافة للغاية، عبر وضع مسبكين على نار واحدة، لخلق التفرقة  التي تعد سلاحا تخريبيا بامتياز.

كما أن دفع الفدية مقابل إطلاق سراح الإرهابيين دليل آخر يكشف أكاذيب الغرب، في الوقت الذي كانت فيه الجزائر أول من اقترح تجريم  هذا الفعل، بالنظر لما يدره من أرباح  كبيرة للترويج لغسيل الأموال.

فالإرهابي المسمى مصطفى درار الذي لم يسلم من المراقبة منذ تسلله الحدود، تحدث عن فدية بقيمة تراوح ما بين 10 و30 مليون أورو راحت إلى جيوب الجماعات الإرهابية، وإطلاق سراح  أكثر من 200 إرهابي مقابل الإفراج عن ثلاثة رهائن أوروبيين وهذا يعد شكلا من أشكال تمويل الإرهاب في منطقة الساحل، وانتهاك صارخ للاتفاقيات الدولية.

فليست هذه المرة الأولى التي تقدم فيها فرنسا على مثل هذا التصرف، إذ سبق لها، أن دفعت نحو 60 مليون أورو للإفراج عن رهائنها نتذكر هنا انتقاد الرئيس الامريكي السابق، باراك أوباما عبر صحيفة نيويورك تايمز لفرنسا عام 2014 بسبب دفعها فدية للإرهابيين، كون ذلك يشكل تمويلا غير مباشر لهم.

وفيما يتعلق بطلب باريس ترحيل مزدوجي الجنسية المتابعين بتهمة الأعمال الإرهابية، فإن هذا الاقتراح لم يحظ بموافقة السلطات الجزائرية.

الجزائر رفضت اقتراح باريس لترحيل مزدوجي الجنسية المتابعين بتهمة الأعمال الإرهابية إليها

المساء: الجزائر رفضت دوما التفاوض مع الارهابيين، لكن الوزير الأول الانتقالي في مالي مختار وان، قال في حوار صحفي مؤخرا، إن ذلك يعكس إرادة الماليين وهو ما لا يتوافق مع مقاربة الجزائر، ما هو تعليقكم؟

قاسيمي: عندما يصرح الوزير الأول الانتقالي بهذا الكلام وكأنه يعتبر نفسه ناطقا رسميا باسم شعبه، وهو في الحقيقة غير مخوّل للتعبير عن إرادة الشعب المالي، لأنه لم ينتخب بالاقتراع العام كما أنه وصل إلى السلطة بالقوة بدعم من عرابيه الذين وضعوا هذا البلد تحت الحماية الاستعمارية.

لقد اتخذت السلطات الانتقالية المالية هذا الإجراء، دون التشاور مع السلطات الجزائرية، التي اعتبرته قرارا غير ودي وعدائي، وعليها تحمّل تبعاته، كونه يهدّد أمن مالي والأمن الإقليمي. وقد أدانت الجزائر بشدة دفع فدية مقابل إطلاق سراح الإرهابيين، من منطلق أن هذا الفعل لا يزيد فقط من مخاطر الاختطاف، بل يشكل أيضا عملا مخالفا للشرعية الدولية ومصدرا رئيسيا لتمويل الإرهاب.

ويبقى الغرب أول من دفع فديات كبيرة مقابل إطلاق سراح الرهائن، ما يشكل مصدرا مباشرا لتمويل الإرهاب في منطقة الساحل، التي تضم ما لا يقل عن 21 جماعة إرهابية تتفرع إلى عدة مجموعات أخرى تتحرك بحرية تامة إلى درجة يصعب تحديد مواقعها وكشفها.

وللقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ميزانية سنوية تقدر برهاء 15 مليون أورو سنويا، منها 18 مليون دولار تأتي من مختلف أساليب التهريب من خطف للأجانب إلى تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر وصولا إلى تهريب المخدرات وتهريب الأسلحة ودفع الفدية.

أما الجماعات الإرهابية التي تخصّصت في هذه الأنشطة غير المشروعة، فتتمثل بشكل رئيسي في القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي والمرابطون  وجماعة بوكو ـ حرام  ونصرة الإسلام والمسلمين.

المساء: هناك قوى خارج المنطقة تسعى لغرس قواعد عسكرية على الحدود الجزائرية مثلما هو الحال في منطقة الجرادة مع المغرب وقاعدة أخرى في النيجر بتمويلات من بعض الدول، ناهيك عن الفوضى وتعدّد الأجندات الأجنبية في ليبيا، ألا تعتقدون أن ذلك يجعلنا محاصرين من كل جانب؟

قاسيمي: تبلغ مساحة دول منطقة الساحل 10 ملايين كيلومتر مربع أي بحجم قارة، ما جعلها محل تهافت من قبل القوى الغربية، التي تلجأ لعسكرتها بشكل مفرط والدليل على ذلك المواجهات المتزايدة في المنطقة فيما بينها بهذه المنطقة عبر شنّ حروب بالوكالة. يأتي ذلك في وقت دخل فيه برنامج الأمم المتحدة لأفاق 2030 حول التنمية المستدامة في الساحل، طي النسيان دون أن يحقق للأسف الأهداف الإنمائية للمنطقة بأكملها.

فقد استقبلت النيجر أكثر من 10 قواعد عسكرية أجنبية، تقع على الحدود الجنوبية مع الجزائر، زد على ذلك التدخل العسكري الفرنسي في مالي الذي أدخل هذا البلد في حالة اللاأمن من شمال إلى جنوب البلاد، لتنعكس تداعياته أيضا على النيجر وبوركينا فاسو. كما أن الجزائر التي أقامت تحالفا استراتيجيا مع روسيا والصين، يجعلها هدفا رئيسيا لمختلف الاشكال العدائية على مر الزمان.

كما أن تدمير ليبيا، الذي قاده التحالف العسكري الغربي غير الشرعي، هو عملية تخريبية تمتد خطورتها إلى الحدود الشرقية للجزائر، في الوقت الذي يشكل فيه التوتر المفاجئ بممر الكركرات في الصحراء الغربية  أيضا شكل آخر من أشكال الاستفزاز الذي يستهدف الجزائر مباشرة على مستوى حدودها  الجنوبية ـ الغربية.

ويجب التأكيد هنا أن هذه التهديدات المتزايدة  على مستوى حدود الجزائر، غير جديدة لكن حدتها ازدادت مؤخرا بتحرك براميل البارود من الشرق الأوسط إلى المغرب العربي .

وبلا شك فإن هذه السيناريوهات الجديدة تهدف إلى تحويل طبيعة الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، لتشجيع حل سلام الشجعان ومن ثم التطبيع مع الكيان الصهيوني، والقبول بسياسة الأمر الواقع وضمان التوسع الإقليمي الاستعماري المغربي في الصحراء الغربية.

لكن الجزائر التي لها خبرة في إدارة هذه الأزمات الجديدة، مستعدة بشكل كاف لمواجهة كل هذه التهديدات.

المساء: أمام انشغال العالم بتداعيات فيروس  كوفيد19”، هل ستستغل الشبكات الإرهابية الظرف الصحي لإعادة تنظيم نفسها خصوصا في منطقة الساحل، وما هي رؤيتكم الاستشرافية حول التحدي الأمني لما بعد هذه المرحلة؟

قاسيمي: الساحل منطقة  قاحلة  لا تسير تحت طائلة  القانون، وفيها تلتقي منظمات إجرامية مختلفة، والجماعات المسلحة والميليشيات العرقية والمنظمات الإرهابية بأشكال تقليدية وعلاقات قبلية وعائلية، حيث تتطوّر فيها هذه الكيانات في غياب الدولة والأمن، وبالنسبة للتنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل، فإنها تعيد هيكلة نفسها وفق التحالفات والمصالح.

ونشير إلى أن أكثر من 12 منظمة إرهابية تابعة للقاعدة، اتحدت مع المنظمة الإرهابية الجديدة أنصار الإسلام والمسلمين، تحت قيادة إياد غالي. كما تحالف تنظيم داعش والقاعدة في منطقة الساحل، وفق استراتيجيات تكتيكية  لإطلاق الجهاد الإقليمي برعاية من عرابي الإرهاب الدولي.

فتنظيما داعش والقاعدة، يبقيان بمثابة المعلم الغربي الذي يدير الإرهاب الدولي وهو نفسه الخليفة الذي يترأس هذه التنظيمات لمحاربة الإسلام وقتل المسلمين، كما يعمل على توسيع دائرة اللاأمن في منطقة الساحل لتبرير التدخلات الاجنبية الغربية في إفريقيا، في الوقت الذي تحالف فيه التنظيمان على مستوى منطقة دول غرب إفريقيا إيكواس من أجل السيطرة على جزء كبير من أراضي دول غرب إفريقيا، وبسط نفوذهما على مناطق واسعة في مالي والنيجر وبوركينا فاسو.

وسيزيد فيروس كوفيد ـ 19” من إضعاف الدول التي تعاني من آثار تراجع النمو الاقتصادي العالمي، ما ينذر بأزمات في الميزانية، من حيث الموارد والإنفاق العام، والتي من المحتمل أن تطال أيضا البطالة والفقر، فالإرهاب يتنامى حيث يتوطن الفقر، كما هو الحال في بلدان الساحل، حيث ستتدفق الهجرة نحو الجزائر وأوروبا.

وسيحاول تنظيما القاعدة و”داعش اللذان يسيطران على الإرهاب الإقليمي في منطقة الساحل الوضعية الصحية العالمية لإعادة الانتشار على الأراضي الجزائرية، بمساعدة ودعم بعض كيانات الدول التخريبية لمحاولة تهديد المصالح الاستراتيجية للجزائر التي اتخذت بالمناسبة، كل الإجراءات لإحباط مثل هذه السيناريوهات.

المساء: اللائحة الأوروبية حول حقوق الإنسان في الجزائر تندرج في إطار سياسة الابتزاز التي تنتهجها فرنسا بسبب المواقف السيادية للجزائر إزاء القضايا الدولية، برأيكم ما يجب على البرلمان الجزائري القيام به للرد على مثل هذه المناورات؟ وهل سنشهد قريبا تحركا في هذا الإطار؟

  قاسيمي: إن فرنسا الاستعمارية واللوبيات الصهيونية التي تحاول التأثير بشكل كبير على مصير هذا البلد قد جعلته للأسف متأهبا دوما  لمجابهة المعارك، فهي تشنّ حروبا مفرطة على دول أخرى في العالم كالشرق الأوسط والمغرب الكبير ومنطقة الساحل. وفرنسا تخوض الحرب بالوكالة لتصبح الدركي الذي يفتقد  للشرف والمدافع عن القضايا الجائرة والظالمة.

إن الرد السريع للإرهاب في هذا البلد هو رد فعل طبيعي كان قد توقعه الرئيس الفرنسي الراحل، جاك شيراك، الذي رفض الانضمام إلى تحالف عسكري دولي ظالم ضد العراق حتى لا يعرض بلاده للانتقام ومن ثم استهداف السكان المدنيين.

وإلى النقيض منه فقد دفع الرئيسان الأسبقان، نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند، تدخلاتهما العسكرية في العالم إلى أقصى الحدود، ما عرض الشعب الفرنسي لأعمال انتقامية خطيرة كانت متوقعة.

ولا ريب في أن لائحة البرلمان الأوروبي الأخيرة بشأن الجزائر قد تمت صياغتها وفق منطق استعماري محض، اتخذ من المساومة والضغط السياسي غير الأخلاقي هدفا لتحويل طبيعة الصراع في الصحراء الغربية وتسهيل احتلال ملك المغرب لممر الكركرات.

غير أن هذه اللائحة التي لم يتم اعتمادها بالأغلبية قد قوضت على مستوى البرلمان الأوروبي، كونها جاءت في وقت غير مناسب وبطريقة غير عادية، فعدد كبير من البرلمانيين الأوروبيين يعتبرون أن موضوع اللائحة يقع خارج نطاق اختصاص البرلمان، من منطلق أن مسائل حقوق الإنسان للبلدان غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تبقى من اختصاص الأمم المتحدة.

هذه الخطوة المؤسفة للبرلمان الأوروبي تسمح لنا بمعالجة الاختلالات للدفاع عن مصالحنا الاستراتيجية.

فعلى الجزائر أكثر من أي وقت مضى إعادة  التموقع بقوة في الخارج واعتماد دبلوماسية أكثر نفوذا وهجومية، من خلال تجنيد كافة الوسائل، وفق استراتيجية تضع حدا لسياسة الكرسي الشاغر أو  التقاعس على مستوى الهيئات الإقليمية والدولية.

والأمر متروك للدولة الجزائرية للرد على مثل هذه النشاطات العدائية بالوسائل المناسبة، من خلال إقناع دول الاتحاد في إطار ثنائي، بالنأي بنفسها عن هذا القرار.

ومهما كان الأمر، فعلى الجزائر استباق الأحداث في علاقاتها الدبلوماسية الإقليمية والدولية، لترسيخ مكانة بلدنا في إطار تحالفات قوية، من شأنها حماية الجزائر من المناورات الخفية التي قد تضر بمصالحنا، من خلال تجنيد أفضل المهارات والاستثمار بشكل مستدام في استراتيجيات التأثير الجديدة.

ولا يمكن لأي منظمة غير حكومية أو بلد في هذا الإطار لوم دولة ما على تنفيذ تشريعاتها الخاصة، كون ذلك له علاقة بالنظام العام والأمن.