الأديب ورئيس المجلس الوطني للفنون والآداب محمد ساري لـ "المساء":

إضفاء الصفة القانونية على بطاقة الفنان الجديدة

إضفاء الصفة القانونية على بطاقة الفنان الجديدة
الأديب ورئيس المجلس الوطني للفنون والآداب محمد ساري
  • القراءات: 1852
حاورته: لطيفة داريب حاورته: لطيفة داريب

تأسيس مركز وطني للترجمة ضرورةٌ

مارس الكتابة باللغتين العربية والفرنسية، كما ترجم العديد من الأعمال الأدبية التي راقت له ووجد فيها شيئا من نفسه، ومن ثم تَقلد منصب رئيس المجلس الوطني للفنون والآداب، هو الأديب محمد ساري، الذي استضاف "المساء" بمكتبه بالمكتبة الوطنية الجزائرية بالحامة، ورد على أسئلتها بصدر رحب.

ما هي حصيلة نشاطاتك منذ ترؤسك المجلس الوطني للفنون والآداب؟

❊❊ الفنان الجزائري لا يملك قانونا يحميه، فأول عمل باشرته يتعلق بهذا الموضوع؛ حيث عكفتُ رفقة أعضاء المجلس، على التحضير لقانون الفنان، وهو ما دعت إليه أيضا وزيرة الثقافة والفنون؛ إذ اشتغلنا على عدة نقاط؛ مثل تعريف الفنان وأصنافه، وتحديد المهن الفنية، وكيفية اشتغال الفنان من خلال العقود المحددة زمنيا وغير المحددة؛ فهناك الفنان الذي يشتغل لحسابه الخاص، وهناك من يشتغل لصالح مؤسسة إعلامية كبرى؛ مثل التلفزيون والإذاعة وغيرهما. وهناك من تجده موظفا في إدارة معينة، ويمارس فنه بصفة غير متقطعة، كل هذا أدرجناه في مهمتنا.

لكن، للأسف، هناك مسائل قانونية لم أكن أعرفها؛ فلا يمكن في الظرف الحالي، أن نصدر ما يسمى قانون الفنان؛ لأنه لا يملك قاعدة قانونية، حتى الدستور، حسبما يقول المختصون في القانون، لا يسمح بوضع قانون الفنان؛ لأن الفنانين لا ينتمون إلى قطاع مهني واحد؛ أي أن القوانين الخاصة الموجودة هي قوانين الوظيف العمومي، والتي تتفرع إلى قانون الأساتذة، وقانون الأطباء وغيرهما ممن ينتمون إلى وزارة واحدة وإلى قطاع واحد، في حين لا ينتمي الفنان إلا لنفسه ولفنه، ولهذا ظهرت هذه الصعوبة. وهكذا قمنا باتباع نصيحة القانونيين، الذين طلبوا منا استغلال قانون العمل لسنة 1990، الذي تناول علاقة العمل؛ فكل القطاعات لها مراسيم تحدد علاقات العمل إلا الفنان، لهذا قمنا بتكييف هذا القانون بطريقة تتشكل من محورين أساسيين، وهما التعريف بالفنان، والتعريف بطبيعة العمل الفني والمهن الفنية، ثم تعريف علاقة العمل، وهي عقود العمل التي يبرمها الفنان مع الجهات المستخدمة. والحمد لله، أنهينا عملنا، وننتظر صدوره في الجريدة الرسمية في الآجال القريبة.

  وماذا عن قانون الفنان، هل تم الاستغناء عنه؟

❊❊ أكيد لا، فينبغي على الجزائر أن يكون لها قانون الفنان مثل كل الدول. وقانون الفنان أوسع من المرسوم الذي حضّرناه، والذي يتحدث فقط عن علاقات العمل، بينما القانون يتحدث عن الحريات وأخلاقيات المهنة، وعن أشياء كثيرة تتعلق بحقوق وواجبات الفنان.

  هل وجد السيد ساري نفسه أمام تحدٍّ آخر بعد توليه رئاسة المجلس؟

❊❊ نعم، التحدي الآخر يتعلق بقضية بطاقة الفنان. وقد أصدر المجلس في فترة عبد القادر بن دعماش حوالي 10 آلاف بطاقة فنية، واتضح أنها لم تكن تملك ما يسمى بـ "التجذير القانوني"؛ لأن المرسوم الذي أسس هذا المجلس لم يشر إلى بطاقة الفنان، تكلم فقط عن البطاقة الوطنية للفنان، التي هي ليست بطاقة الفنان، ولهذا عملنا على سد هذا النقص من خلال تقديم مرسوم يعدّل ويتمم مرسوم 2011، الذي ينص على تنظيم وتسيير المجلس الوطني للفنون والآداب، وقُدم للحكومة وصدر في الجريدة الرسمية في 12 أكتوبر 2020، وهو الذي يمنح الصفة القانونية للبطاقة الفنية، فهذا المرسوم يقر صراحة، بأن بطاقة الفنان يمضيها ويسلّمها رئيس المجلس الوطني للفنون والآداب، إضافة إلى إنشاء لجنة ثالثة للمجلس، تهتم ببطاقة الفنان؛ أي أنها تدرس ملفات الترشح، وتضع شروط الترشح لبطاقة الفنان وغيرها. ونحن الآن ننتظر فقط حل المشكل المادي لإصدار البطاقة الجديدة، ونريدها أن تكون بطاقة إلكترونية بلاستيكية، كي تصبح بطاقة رسمية واضحة للفنانين عامة.

دستورنا الحالي لا يسمح بوضع قانون الفنان، فلجأنا إلى مرسوم يعرّف بالفنان، ويحدد علاقات العمل

 بماذا تتميز البطاقة الجديدة؟

❊❊ من ناحية الشكل هي أفضل بما أنها لن تكون ورقية، إلا أن ما يهم أكثر هو وجود مرسوم تنفيذي، يتحدث عن بطاقة الفنان، وبالتالي يمكن لأي فنان يشتغل لحسابه الخاص، أن يذهب إلى وزارة المالية، ويسجل نفسه، ويتحصل على ما يسمى "رقم التسجيل الجبائي"، ويشتغل لحسابه الخاص في مؤسسته بختمه؛ أي باسمه كفنان، فيشتغل ويبرم العقود باسمه الخاص. ولم يكن هذا متوفرا من الناحية القانونية، فالكثير من الفنانين كانوا يشتكون من هذا، ويقولون: "نحن نشتغل ولا نملك الصفة القانونية التي تسمح لنا بإبرام العقود". وبعضهم يبرم اتفاقيات ظرفية أي محددة.. وعموما، فالبطاقة بعدما أصبحت قانونية يمكن للفنان أن يستغلها ويشتغل بشكل جيد.

متى ستتوفر هذه البطاقة الجديدة؟

❊❊  في حدود السداسي الأول سنحل المشكل المادي لهذه البطاقة.

البطاقة الجديدة إلكترونية وقانونية

هل كل من يُصدر كتابا يحق له أن يتحصل على بطاقة فنان؟

❊❊ هناك شروط لقبول الملفات خاصة في الكتابة؛ لأن القطاعات الفنية عندنا معروفة، وهي الفنون الموسيقية، والفنون المسرحية، والفنون البصرية والتشكيلية، والفنون الكوريغرافية، وفنون الفرجة؛ مثل السيرك والعرائس، والفنون السمعية البصرية؛ أي كل ما يتعلق بالسينما والتلفزيون، وأخيرا الفنون الأدبية. وفي هذه الأخيرة يُطرح مشكل؛ لأن في الكتابة هناك من يعتقد أنه إذا ألّف كتابا في أي موضوع يحق له الانتساب إلى المجلس، ومن ثم الحصول على البطاقة. ونحن نجيب بأن الآداب التي تُعتبر من الفنون هي الشعر والقصة بما فيها الحكاية والرواية والمسرحية والترجمة الأدبية والنقد الفني والأدبي، لا مقالات وتغطيات لنشاطات فنية، وكتب عن قواعد اللغة العربية والتاريخ.

كثر الحديث عن مزايا الترجمة في ظل غياب سياسة جدية للدفع بها إلى مصاف أعلى؛ ما الذي يجب القيام به لتصحيح الوضع؟

❊❊ الحديث عن الترجمة مهم جدا، وتأسيس مركز وطني للترجمة ضرورة، وقد تحدثت عنه مرارا؛ لأن الترجمة هي التي ستدخل اللغة العربية إلى الحداثة؛ إذ نترجم كتبا من اللغات العالمية خاصة الإنجليزية والألمانية والفرنسية، وهذه اللغات قد أنتجت علوما ومعارف متعددة، والعالم العربي واللغة العربية بحاجة إلى أن تُستوعب هذه المعارف في مضامينها وشكلها وقاموسها؛ فاللغة العربية تطورت بفعل احتكاكها مع الغرب، وهذا لا يخص الجزائر فقط، وهنا أيضا لا أتكلم عن الترجمة إلى اللغات الأخرى، فهذا تحصيل حاصل؛ فكل كاتب يريد أن تترجم أعماله إلى اللغات الأخرى لكن الترجمة إلى اللغة العربية هي الأهم، وكل العالم العربي معني بهذه النقطة. هناك بعض ومضات هنا وهناك من دول الخليج التي قدّمت ترجمات جيدة، لكن عموما، العالم العربي والجزائر ضمن هذا العالم، فقير جدا في هذه الترجمة؛ فما يترجمه العالم العربي بكل بلدانه لا يساوي ما يترجمه بلد مثل إسبانيا أو جمهورية التشيك!

تشهد الساحة الأدبية النقدية تباطؤا من ناحية مواكبتها جديد الكتب في الجزائر، إلامَ يعود ذلك؟

❊❊ يعود إلى الكسل، يُفترض أن المعرفة النقدية موجودة في الجامعة، لكنها انغلقت على نفسها ضمن ما يقدَّم من رسائل ومذكرات جامعية، وبقيت تشتغل في برج عاج لا يخرج إلى وسائل الإعلام. هناك رسائل متعددة ومذكرات بقيت في الأدراج منسية ومغلقة.

الجانب الآخر الذي أريد أن أتحدث عنه هو الجانب الإعلامي، أو ما يسمى بالوسائل الإعلامية المكتوبة والبصرية والسمعية؛ إذ أرى أن هناك كسلا كبيرا في إطارها؛ لأن كل أهلها يشتغلون في وتيرة سريعة جدا لا تسمح لهم بقراءة الأعمال الأدبية. وأقدم مثلا عن الأديب الراحل مرزاق بقطاش؛ ففي السنوات الأخيرة نشر تقريبا أربع روايات جيدة، لكن لم نر مواكبة الصحافة لهذه الروايات، حتى المشتغل في هذه الوسائل لا يهمه إلا مواكبة النشاطات الخفيفة. كما أن هذه الوسائل لا توفر ظروفا جيدة للجامعيين كي يساهموا في هذا النقد، فأغلب الصحف لا تقدم أي مقابل للكتابات الأدبية.. صحيح أن هناك من يقوم بهذا العمل؛ لأنه مهووس بالأدب، لكن أغلب الأساتذة لا يضيّعون وقتا ولا يبذلون جهدا فكريا من دون مقابل مادي. وبالمقابل هناك مجلات عربية تدفع لمن يكتب عن آدابها؛ لهذا تجد الكثير من الجزائريين يكتبون عن آداب تلك الدول، وهو أمر مشروع.

وبالمقابل، همّشت النخبة الجزائرية كُتّابها، لكن هناك فئة مهمتها ترويج الأعمال الأدبية، وهي الصحافة التي لا تقوم بدورها؛ فبقطاش ومولود عاشور كتبا أشياء كثيرة، وحينما توفيا اندفع الكل لتقديم التعازي، وأرى في هذا الكثير من النفاق والاستعجال. كما لاحظت أن الكل كتب عن رواية بقطاش "طيور في الظهيرة" التي كتبها في السبعينات ولم تُذكر كتبه الأخيرة، هذا أمر غير صحي! وأظن أن ثقافة فايسبوك ثقافة سريعة جدا، فحينما تنشر نصا لا تجد استجابات كثيرة، لكن بنشرك صورة ستتحصل على العديد من "الإعجابات"!

الإعلام والنخبة الأدبية همَّشا مثقفينا الكبار!

بإلغاء طبعة الصالون الدولي للكتاب وإلغاء كافة النشاطات الثقافية، قامت العديد من دور النشر بعرض جديدها من الكتب على مواقع التواصل الاجتماعي؛ كيف تقيّم ذلك؟

❊❊ بالنسبة للكتاب، أعتقد أن مرحلة كورونا أضرت به من جهة، ومن من جهة أخرى سمحت للثقافة الجزائرية بأن تستخدم وسائل افتراضية، إلا أنني أخاف أن تتحول الوسائل الافتراضية إلى شفافية جديدة، فنرى أن الكثير من المواقع تقيم ندوات متعددة لكنها شفهية، يعني أن تكتب مقالا لا يشبه أن تقول كلاما هكذا على الهواء، لكنني أراها مرحلة، وستزول، ويعود العالم إلى الملتقيات وما شابهها.

كتبت عن الإرهاب لمحاولة فهم ما حدث

كتبت أكثر من عمل عن الإرهاب، هل كان ذلك محاولة منك لقراءة وفهم ما حدث؟

❊❊ ما حدث في الجزائر في التسعينيات ليس بالأمر الهيّن أو الذي نمر عليه مرور الكرام؛ فكيف نفسر أن هذا المجتمع الذي خاض حربا ضروسا تمثلت في حرب التحرير، يدخل بعد ثلاثين سنة، في حرب أهلية؟! نعم أردت أن أفهم ما حدث.

كما لم أكتب عن فترة الارهاب بطريقة تجريدية أو فكرية نظرية؛ فأنا أعيش في هذا المجتمع، واستمعت إلى الكثير من الأطراف، وقرأت ما كتبته الصحافة يوميا خاصة في أثناء العشرية. أنا صاغ لآلام المجتمع، وعبّرت عنه في رواياتي؛ "الورم"، و"الغيث"، و"القلاع المتاكلة"، و"حرب القبور". حاولت أن أقدم نظرتي عما وقع في المجتمع. هناك من يريد أن نقلب الصحفة من دون أن نعرف تفاصيلها، هذه خطورة كبيرة؛ لأنك إذا طويتها من دون أن تدرسها وتعرف أسبابها، ستقع الجزائر في نفس التراجيديا! لذلك يجب دراسة ما حدث، وتحديد المسؤوليات على المستوى الفردي وعلى مستوى المؤسسات، حتى نتفادى مستقبلا ما حدث لنا؛ سواء من ناحية التنظيم السياسي أو من ناحية المجتمع، حتى لا نقع في نفس الأزمة مثلما وقع في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، والتي وضعتها في أزمة كبيرة؛ حيث مات أكثر من 50 مليون شخص. وبعد ذلك راح الأوربيون يدرسون ويكتبون أفلاما وروايات ودراسات كي تحدد المسؤولية ولا تقع أوروبا في نفس الخطأ، لهذا نراهم ينزعجون مما يسمى "اليمين المتطرف"، الذي يمكن أن يكون من ورثة هتلر، ويحاولون إبعاده من الوصول إلى الحكم؛ لهذا ينبغي أن لا نسمح بوصول الإسلامي المتطرف إلى الحكم، ولا أن نمنحه ولأمثاله أحزابا تعبّر عن آرائها المتطرفة ودعوتها إلى الجهاد والتطرف، مثلما كان عليه سابقا.

تناولت في كتابك "عيزر" الثورة التحريرية، إلامَ يعود ذلك خاصة أنك من مواليد 1958؟

❊❊ أنا من عائلة ريفية مجاهدة، لهذا رأيت أن في فترة ما كان يمكن أن أكتب عما وقع في سنوات التحرير. ما كتبته ليس فقط من ذاكرتي بل من ذاكرة عائلتي والسكان الذين عاشوا في تلك الفترة، فكتبت ملحمة منطقة معينة؛ كيف عشنا الحرب، وكيف قُمعنا، وساندنا الثوار، ومن ثم هجرتنا، وكيف دُمرت سكناتنا، وتجميعنا في محتشدات عسكرية بالحراسة إلى غاية الاستقلال. هذه شهادة للحديث عن مجزرة الاستعمار، وهي مساهمة في التعريف بالمجتمع الذي نعيش فيه.

جديدي.. "جسدي المستباح"

جديدك الأدبي؟

❊❊ عندي رواية جديدة اسمها "جسدي المستباح" كتبتها باللغة العربية، كانت ستصدر في أكتوبر الفارط لولا الجائحة، ولهذا ستصدر هذه السنة. وموضوعها عن المرأة بصفة عامة؛ واقعها، واضطهادها، ومقاومتها ضد تعسف عائلتها والذكور وغيرها.