أولاد الشبل لم تخرج من "الظل"

نقائص بالجملة والعقار أكبر مفرمل للمشاريع المحلية

نقائص بالجملة والعقار أكبر مفرمل للمشاريع المحلية
  • 982
رشيد كعبوب رشيد كعبوب

تسجل بلدية أولاد الشبل الواقعة في أقصى جنوب ولاية الجزائر، العديد من النقائص التي أثنتها عن تحقيق متطلبات السكان، الذين أكدوا أن بلديتهم لم تخرج بعد من "الظل"؛ إذ كلما طالبوا بتوفير مرفق عمومي اصطدموا بأزمة العقار، الذي صار أكبر مفرمل لتجسيد المشاريع المحلية، التي هم بأمسّ الحاجة إليها.

تُعد أولاد الشبل بلدية فلاحية بامتياز حيث تتميز بحقول الحمضيات والخضروات؛ لكونها تقع في قلب سهل متيجة الخصب، لكن زحف الإسمنت الذي ظل منذ العشرية السوداء يلتهم أجزاء كبيرة من الأراضي الفلاحية بالمنطقة، أخفى العديد من البساتين الخضراء، حيث توسعت دائرة النسيج العمراني غير المنتظم، لتتمدد نحو الأحواش والمزارع القديمة، التي غُرست بها مئات السكنات الفردية.

وفي زيارة "المساء" لهذه المنطقة "البعيدة عن أعين المسؤولين" على حد تعبير مواطني المنطقة، وقفنا على جملة من النقائص، التي تستوجب التعجيل لاستدراكها؛ لإزالة المعاناة والمتاعب المترتبة منذ سنوات، تتصدرها الهياكل التربوية والصحية، وخدمات النقل والتسوق.

اكتظاظ "رهيب" في المؤسسات التربوية والحل غائب!!

يُعد مشكل الاكتظاظ المسجل في المؤسسات التربوية بالأطوار الثلاثة، أكبر هاجس يواجهه تلاميذ المنطقة وأولياؤهم على حد سواء. ولنتصور بلدية بكثافة تقارب الأربعين ألف نسمة، لا تحتوي إلا على مدرستين بوسط المدينة، ومتوسطة تستقبل ضعف طاقتها، حسب ما ذكر لـ "المساء" أحمد عراش رئيس جمعية "حي الشهيد عمر عراش"، الذي رافقنا في زياتنا نحو العديد من الأحياء، مؤكدا أن المتوسطة الوحيدة بالبلدية لم تعد تستوعب العدد الكبير من التلاميذ؛ إذ يصل العدد اليوم إلى قرابة 1700 متمدرس، في حين لا تتعدى الطاقة الحقيقية 800 متمدرس.

وذكر لنا أحد التلاميذ أن عدد المتمدرسين يفوق 45 تلميذا، بل يتعدى 50 تلميذا في بعض الأقسام الأخرى، مؤكدا أن الأساتذة يجدون صعوبة كبيرة في شرح الدروس وتمكين التلاميذ من التحصيل العلمي؛ فلا الكراسي والطاولات كافية، ولا المرافق الأخرى تستجيب للمتطلبات الحقيقية، يقول التلميذ، مشيرا بيده إلى تلك الجحافل الكبيرة من التلاميذ الذين امتلأ بهم الشارع الكبير المؤدي إلى المتوسطة، والشارع الرئيس للمدينة.

كما يجد تلاميذ الطور الابتدائي صعوبة في تلقي الدروس بأقسام مكتظة؛ إذ لم تعد ابتدائيتا "الإخوة خليل" والمدرسة الجديدة كافيتين؛ لكون الأحياء مترامية الأطراف كحي الشهيد عمر عراش البعيدة عن مركز المدينة، لا تتوفر على ابتدائيات. وقد لاحظنا عددا كبيرا من التلاميذ الذين يقطعون مسافات طويلة للوصول إلى المؤسسات التربوية؛ حيث يتنقلون مشيا على الأقدام، في ظل غياب النقل المدرسي عبر طرق غير مهيأة، خالية من الأرصفة؛ ما يهدد حياتهم. كما تتعقد الوضعية بشكل مقلق خلال موسم الأمطار، وما يتسبب فيه من أوحال وانزلاقات.

ويفتقد طلاب الثانوي لمؤسسة تحويهم وتفك عنهم مشكل الاكتظاظ الذي لازمهم لسنوات طويلة؛ حيث تبقى ملحقة ثانوية "أحمد حميسي" الواقعة بالقرب من مقر البلدية، لا تفي بالغرض المطلوب؛ فهي تابعة للثانوية "الطاهر سرير" ببئر توتة، وبها اكتظاظ كبير، وبحاجة إلى مرافق واهتمام خاص من قبل السطات المحلية المعنية؛ إذ يطالب أبناء المنطقة بتجسيد مشروع الثانوية المقترح منذ سنوات، والذي تعطّل بسبب غياب العقار.

وفي هذا السياق، رافقنا رئيس الجمعية أحمد عراش نحو وعاء عقاري تابع لأملاك الأوقاف قريب من مركز الدرك الوطني، حيث يناشد السكان مديرية الشؤون الدينية والأوقاف لولاية الجزائر، التنازل عنه لفائدة البلدية؛ قصد تجسيد هذا الصرح التربوي لفائدة أبناء المنطقة.

كما أوضح رئيس بلدية أولاد الشبل عياش عامري، لـ "المساء"، أنه ينتظر الرد من المديرية المذكورة. ويأمل أن تساهم في حل هذا المشكل بما تملكه من عقار متاح.

خدمات صحية غير كافية ومعاناة الحوامل مستمرة

ولا تختلف وضعية الخدمات الصحية بهذه البلدية شبه الحضرية، عن الخدمات التربوية؛ إذ تفتقر المنطقة إلى عيادة متعددة الخدمات، تضمن للسكان ما يحتاجونه من خدمات قاعدية، لا سيما الحالات الاستعجالية. فالسكان - حسب لجان الأحياء - يضطرون للتنقل نحو البلديات المجاورة، بل حتى نحو ولاية البليدة المجاورة، لطلب أبسط خدمات التطبيب والتمريض.

ويشكل طب الأمومة والتوليد هاجسا كبيرا لسكان المنطقة، الذين يُجبرون على تحويل الحوامل على مسافات طويلة، نحو مستشفى الدويرة، غرب العاصمة، أو مستشفى بوفارك جنوبا بولاية البليدة.

وتأسف أحد المواطنين وجدناه بالقرب من قاعة العلاج بوسط المدينة، لحال أبناء البلدية، الذين، حسب قوله، يصعب عليهم إدخال نسائهم لوضع حملهن ببوفاريك؛ حيث ينتقدهم مستخدمو القطاع، ويتعجبون من كون عاصمة البلاد لا توفر خدمات كافية لمواطنيها.

ولم يَنف مواطنو أولاد الشبل أن الحي السكني الجديد بالشعايبية الذي يضم 3216 مسكن ويقطنه المرحّلون من مختلف بلديات العاصمة، به عيادة واحدة متعددة الخدمات، لكنها لا تكفي، ولا تتوفر على الاختصاصات الطبية الكافية.

ويطالب أهل المنطقة في هذا السياق، بجعل هذه العيادة تعمل على مدار الساعة مثلما هي الحال بالعديد من البلديات، وتجهيزها بكافة الضروريات المادية والبشرية؛ لتمكين السكان من الاستفادة من الخدمات الصحية التي تبقى غير كافية.

المطامير الملوّثة خطر وأزيد من 75 حيا تفتقد للتهيئة

يشكو سكان العديد من الأحياء بأولاد شبل، غياب قنوات صرف المياه المستعملة؛ مثل حي "القواسمية" (الحاج قاسم)، وحوش التراب، وحي المحامدية. ولا يجد أصحاب البنايات الفردية المشيّدة منذ سنوات، حلا لهذا المشكل إلا اللجوء إلى المطامير العشوائية للتخلص من النفايات السائلة التي تغوص في باطن الأرض، لتختلط بالمياه الباطنية؛ ما يشكل خطرا على المنتوجات الفلاحية؛ حيث ينتظر سكان الأحياء المعنية تحرك مصالح البلدية؛ لدفع السلطات العمومية نحو حل هذه الإشكالية التي طال عمرها، ولم يجد لها السكان مخرجا.

وفي زيارتنا لأحياء البلدية رفقة أحد ممثلي المجتمع المدني، لاحظنا أن أغلب البنايات الفردية بالأحياء المنتشرة وسط وضواحي المدينة، لا تتوفر على التهيئة الحضرية؛ فلا طرق معبّدة، ولا أرصفة مهيأة للراجلين؛ حيث تمتلئ المسالك بالأتربة والأوحال. كما تتشكل جداول المياه خلال الأيام الماطرة، معرقلة حركة السكان، والوصول إلى وجهاتهم، خاصة التلاميذ، الذين يتسلحون بالجزمات البلاستيكية، ويقطعون مسافات طويلة للوصول إلى مقاعد الدراسة.

خدمات النقل خارج مجال الاهتمام والمراقبة

إلى جانب ذلك، يشكو من التقتهم "المساء" بعين المكان، من سوء خدمات النقل، التي وصفوها بـ "المتعبة"؛ حيث ذكر أحد الأولياء أن التنقل نحو بئر توتة عبر حافلات الخواص، صار من المهام الصعبة على المواطنين، الذين يستغلون حافلات يركنها أصحابها وسط الشارع الرئيس بالقرب من مقر البلدية، بسبب غياب محطة خاصة.

وقال أحد المواطنين: "إن خدمات النقل لا ترقى إلى المستوى المطلوب؛ فلا توجد محطة وأرصفة وأوقات منظمة لإقلاع الحافلات؛ فالناقلون يشتغلون حسب أهوائهم، ولا يقلعون إلا بعد أن تمتلئ الحافلات عن آخرها؛ ما يزيد في متاعب المواطنين، ويؤخرهم عن مواعيدهم وقضاء مصالحهم اليومية؛ ما يضطر البعض للجوء إلى سيارات "الكلوندستان" بأعباء مالية مرتفعة...". ويعترف رئيس البلدية بهذا النقص، مؤكدا أن جماعته المحلية تواجه مشكل غياب الأوعية العقارية، ولا تستطيع اقتراح أي مشروع مثل محطة النقل.

الملعب البلدي ينتظر التهئية والمركز الثقافي متنفَّس

ينتظر شباب المنطقة الإفراج عن مشروع إعادة تهيئة الملعب البلدي، بالانطلاق في تجهيزه وإعادة تفريشه، لا سيما أن هذا المرفق يُعد المتنفس الوحيد، يقول أحد الشبان. أضف إلى ذلك المركز الثقافي الذي يقدم خدمات جليلة للشباب، والذي يساهم في استقطاب الشباب العاملين على تنمية مهاراتهم، وممارسة بعض الرياضات القتالية.

وفي زيارة "المساء" المركزَ الثقافي بالمنطقة، اطّلعنا على أجنحته، المتمثلة في قاعة الرياضات الفردية، وقاعة المسرح والموسيقى بجانب قاعة الإعلام الآلي، التي تستقطب الشباب بكثرة، حسب ما ذكر أحد الموظفين، الذي أفاد بأن أبواب المركز مفتوحة للشباب لصقل مواهبهم، وتنمية قدراتهم الفنية في الاختصاصات المتوفرة؛ كالرياضات المختلفة، والرسم، والمسرح، والموسيقى، وترافقهم في ذلك جمعية مختصة في تنشيط الشباب، بما هو متوفر من وسائل.