فيرمة "ليكا" بباتنة

معلَم تاريخي شاهد على بشاعة المستعمر

معلَم تاريخي شاهد على بشاعة المستعمر
  • 707
ع. بزاعي ع. بزاعي

تضم مدينة باتنة عددا من المواقع الأثرية والتاريخية والمعالم الطبيعية التي تُحقق معدلات جذب في بعث الحركة الثقافية الداعمة للنشاط السياحي. ومن هذه المعالم التاريخية التي تبقى شاهدة "فيرمة ليكا"، والمعلم التاريخي "دار الإخوة بن شايبة"، الذي شهد توزيع الأفواج والأسلحة ليلة الفاتح من نوفمبر 1954 بإشراف الشهيد الرمز مصطفى بن بولعيد بدشرة أولاد موسى ببلدية إيشمول. وغارُ بن شطوح الذي استشهد فيه 118 شهيد في رمضان مساء 21 مارس 1959، عندما بلغ مسامع العدو الفرنسي الغاشم، وجود مغارة (ملجأ) كبيرة تحوي مجاهدين وفدائيين بجبل تارشيوين ببلدية تاكسلانت.

وقامت إدارة الاستعمار الغاشم بحشد قواتها الغاشمة، وتمشيط كامل المنطقة؛ حتى تمكنت من اكتشاف هذا الغار بواد سحيق، كان قبل ذلك مسكن المسمى بن شطوح، الذي أُخذت منه التسمية، وذلك مساء، كما كان يحوي ورشة لخياطة ألبسة وبذلات المجاهدين. وإذ نستعرض اليوم "فيرمة ليكا" كمعلم تاريخي يضاف للمواقع التاريخية التي تزخر بها ولاية باتنة والتي تروي قصة أمة مقاومة ثارت في وجه المستعمر وذلك للتذكير بويلات الاستعمار؛ إذ لم يكتف الاستعمار الفرنسي بحرب الإبادة والمجازر الجماعية والفردية في حق الشعب الجزائري، بل وسعتها السلطات الفرنسية من سياسة القمع والتنكيل إلى الاستعانة بوسائل أكثر وحشية، فقد طبقت أساليب التعذيب بأنواعه؛ إدراكا منها أنها أنجع الوسائل لتركيع أمة بأكملها رفضت الاستعمار جملة وتفصيلا. فنموذج "فيرمة ليكا" المعلم التاريخي الضارب في عمق التاريخ، يروي مرارة المعاناة من المستعمر الفرنسي الغاشم، وشاهد على همجية الاستعمار، الذي جعل منها مركزا لتعذيب الجزائريين، والقهر الجسدي. وتكمن هذه البشاعة في بقايا رفاة الشهداء التي ترقد بداخل أقبيتها، التي تظل شاهدة على هذه الممارسات الدنيئة.

وكانت "المساء" في عدة مناسبات وطنية، رصدت انطباعات مجموعة من مجاهدي المنطقة، الذين عايشوا الثورة التحريرية للوقوف عند هذه المزرعة، التي كان الاستعمار يوظفها كمركز تعذيب في عمليات الاستنطاق والجرائم البشعة، لإسكات الأصوات المنادية إلى التحرر وإخماد نار الثورة المظفرة.

وتعود تسمية هذه "الفيرمة" المزرعة للمستعمر الفرنسي "ليكا"، الذي كان يستغلها، في الأعمال الفلاحية وتربية الماشية والأبقار؛ حيث تتوفر المزرعة في الوقت الحالي بعدما خضعت لعمليات ترميم وحُولت إلى معلم تاريخي، على 3 أضرحة تضم رفاة 15 شهيدا، فيما تم نقل 124 رفاة أخرى عثر عليها تحت الأرض وفي مختلف أركان "الفيرمة"، إلى مقبرة الشهداء في وقت سابق.

ولهذه المزرعة حكايات طويلة مع التاريخ الذي نسجت خيوطه الأولى قصة الشهيد مسعودي العايب، الذي دُوّن اسمه باللوحة الرخامية عند مدخل المزرعة.

وبحسب رواية مجاهدي المنطقة، فإن منطق الجلادين الذين تداولوا على المجاهدين والمناضلين الفدائيين، اصطدم بطعنة خنجر كان تلقاها "ليكا" من أحد رعاة المنطقة، وهو الشهيد مسعودي العايب بعد ملاسنة كلامية دارت بينهما، بعدما منعه من الرعي بالمنطقة. وقد أجمعت روايات المجاهدين على أن الشهيد بعدما طعن "ليكا"، التحق، مباشرة، بالمجاهدين في الجبال إلى أن استشهد في إحدى المعارك. كما كان الجلادون يستعملون غرفة مطبخ المساجين بهذه المزرعة، كأول مكان لتعذيب الجزائريين المسجونين. وتجاورها غرفة أخرى على شكل إسطبل، وُظفت لاحتجاز ما يفوق 300 سجين في تلك الحقبة من الزمن. كما تتوفر على برج مراقبة صغير بقاعة السجن المطلة على الخارج.

ويُعد المجاهدان أحمد بن ساسي الذي سجن بفيرمة "ليكا" سنة 1956 والمجاهد خلفي أحمد... وغيرهما من المجاهدين الأحياء، أهم الشواهد الحية على همجية معاملة المساجين الجزائريين من قبل سفاحي فرنسا الاستعمارية.

وفضلا عن ذلك، تتجسد هندسة بناء المزرعة في توظيف الحجارة المصقولة القديمة في جدرانها، في شكل هندسي من ثلاث ساحات رئيسة؛ الأولى تطل على الأضرحة، وفناء صغير يتوسط الساحة الأولى، والثانية تحيط بها مجموعة من الغرف التي كانت تُستعمل كمكاتب، ومطبخ صغير للجنود الفرنسيين من الجهة اليمنى. وفي الجهة المقابلة، مجموعة إسطبلات وباب خلفي يطل على المزارع والحقول المجاورة، إضافة إلى بئر رميت بها العديد من الجثث. كما توجد نافورة حجرية كبيرة بها منبع صالح للشرب، يعود تاريخ بنائها إلى سنة 1948. أما الطابق الأول فقد وظفه القبطان وزوجته مقرا لسكنهما، وبرجا صغيرا لمراقبة تحرك المساجين.