ترويج لأقدم المعالم الدينية بالجزائر

مسجدا "أبو مروان" و’’سيدي غانم" ضمن مسار السياحة الروحية

مسجدا "أبو مروان" و’’سيدي غانم" ضمن مسار السياحة الروحية
  • 165
سميرة عوام سميرة عوام

تفتح الجزائر أبوابها أمام نوع من السياحة الهادئة والعميقة، إنها السياحة الدينية، التي باتت تلقى اهتمامًا متزايدًا في السنوات الأخيرة، بالنظر إلى ما تزخر به البلاد من معالم إسلامية عريقة، تمزج بين الجمال المعماري والرمزية الروحية، ومن بين هذه الكنوز الثمينة، يبرز مسجد "أبي مروان الشريف" في عنابة ومسجد "سيدي غانم" في ميلة، كوجهتين سياحيتين فريدتين، تستحقان الاكتشاف والتثمين.

يقع مسجد "سيدي غانم" في قلب مدينة ميلة التاريخية، وقد شُيد سنة 678 م على يد القائد والصحابي أبو المهاجر دينار، ما يجعله أقدم مسجد في الجزائر، ومن أقدمها في المغرب العربي. ويتميز المسجد ببساطته العمرانية وروحانيته التاريخية، رغم أنه لا تُقام فيه الصلوات حاليًا.

يخضع المسجد اليوم، لعملية ترميم دقيقة، تهدف إلى تحويله إلى مركز بيداغوجي ومتحف إسلامي، يعرض تاريخ الفتوحات الإسلامية في المنطقة، ومراحل تطور العمارة الدينية. وهو ما يجعل الموقع مستقبلًا، نقطة جذب سياحي وتعليمي، خاصة للمهتمين بالتاريخ الإسلامي والمعماري.

زيارة مسجد "سيدي غانم" تمنح السائح فرصة التفاعل مع صفحات من تاريخ الإسلام في الجزائر، واستحضار مشاهد الفتح الإسلامي لشمال إفريقيا، في مكان حافظ على طابعه الأثري منذ أكثر من 13 قرنًا.

عبق التاريخ وروحانية الحاضر

أما في الجهة الشرقية من الجزائر، وتحديدًا في المدينة القديمة لبونة (عنابة حاليًا)، فينتصب مسجد "أبي مروان الشريف" كشاهد على استمرارية الحياة الروحية في أحضان التاريخ. بُني سنة 1033 م على أنقاض كنيسة بيزنطية قديمة، ويعد اليوم أقدم مسجد في الجزائر ما زال يُقام فيه الصلوات الخمس دون انقطاع، منذ أكثر من تسعة قرون.

يتميز المسجد بجمالية معمارية خاصة، تترجم تأثيرات العمارة الأندلسية والمغاربية في استخدام الأقواس، والأعمدة الرخامية، والزخارف التقليدية. ويقع في منطقة مرتفعة تُطل على البحر، ما يجعل زيارته تجربة روحانية وجمالية فريدة، تجمع بين الصفاء الداخلي والإطلالة الخلابة.

الموقع الجغرافي لمسجد "أبي مروان" يجعله من أبرز وجهات السياحة الدينية والثقافية في عنابة، خاصة مع توفر مرافق قريبة، تتيح للزوار الاستمتاع بجولة سياحية متكاملة، بين المدينة القديمة، ومقام الشهيد، وساحة الثورة، والواجهة البحرية.

نحو إدماج المساجد التاريخية ضمن خريطة السياحة الثقافية

تمثل المساجد التاريخية في الجزائر، إمكانات سياحية هائلة غير مستغلة بالكامل بعد. فإضافة إلى دورها الديني، تشكل هذه المعالم نقاط جذب ثقافي وروحي، خاصة في زمن يبحث الكثيرون عن السياحة التي تجمع بين التأمل والمعرفة.

إن إدماج هذه المساجد في مسارات سياحية منظمة، مع توفير الشروح باللغات الأجنبية، والخدمات الثقافية، يمكن أن يحولها إلى محطات سياحية دولية، ويضع الجزائر على خريطة السياحة الإسلامية العالمية، إلى جانب بلدان، مثل تركيا والمغرب وإيران.

كما أن تنظيم مهرجانات دينية، ومعارض تراثية، وندوات علمية في محيط هذه المساجد، سيعزز من قيمتها، ويربط بين ماضي الجزائر الحضاري وحاضرها السياحي.

الخصوصية التي تميز مسجد "أبي مروان" عن غيره من المعالم التاريخية، أنه ما يزال مسجدا حيّا. الزائر لا يكتفي بمشاهدة جدران وآثار صامتة، بل يدخل فضاءً نابضًا بالصلاة والدعاء والسكينة، ما يجعله تجربة روحية لا تنسى. وهو ما يعكس الروح المتجددة للجزائر، التي تحافظ على إرثها الإسلامي، وتفتحه أمام العالم في حلة سياحية راقية.