الإسمنت يلتهم 9 آلاف هكتار بولاية الجزائر

قوانين صارمة لحماية العقار وتسهيلاتٌ لدعم الفلاح

قوانين صارمة لحماية العقار وتسهيلاتٌ لدعم الفلاح
  • القراءات: 6031
❊    رشيد كعبوب ❊ رشيد كعبوب

عندما تطل على العاصمة من مرتفعات الأطلس البليدي أو تقوم، مثلا، بتصفّح رقعتها الأرضية عن طريق خرائط غوغل، تلاحظ حجم الخرسانة والآجر اللذين التهما آلاف الهكتارات من أخصب الأراضي بسهل متيجة الذي يمتد إلى غاية حدود البليدة مع عين الدفلى غربا، وبومرداس شرقا. هذا السهل الذي كان، في وقت الاستعمار، يصدّر خيراته إلى أوروبا، تَسبب غزو الإسمنت له في انقراض جزء معتبر من المساحات الخضراء، لتدقّ السلطات العمومية بالعاصمة على غرار الولايات الأخرى، ناقوس الخطر، وتكثف عملية الرقابة على ما بقي من أراض لحمايتها من السطو والاعتداء، حيث شددت القوانين المعدّلة على منع البناء في الأراضي الفلاحية مقابل تشجيع العاملين في القطاع، على خدمة الأرض، وعدم تركها بدون استغلال.

تؤكد الأطراف ذات الصلة بموضوع حماية العقار الفلاحي وتطهيره، أن الأخطاء التي وقعت فيها السلطات العمومية لن تتكرر بالنظر إلى المخلّفات السلبية التي مست الأملاك العمومية، وأثرت على الإطار المعيشي للمواطنين، حيث أعطيت أهمية بالغة للاستثمار الفلاحي وتثمين العقارات التي لم تكن مستغلة من طرف أصحابها في إطار عملية التطهير، التي تم تدعيم ترسانتها القانونية وتحيين إجراءاتها التنفيذية، وهو ما أكده وزير الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري السابق عبد القادر بوعزغي أمام البرلمان؛ إذ تحدّث عن حماية العقار الفلاحي من النهب، وتحويله عن نشاطه الرئيس، مشيرا إلى اتفاقه مع وزير السكن والعمران والمدينة لضمان عدم التعدي على المساحات الصالحة للزراعة بغرض إنجاز البرامج السكنية. وكشف حينها أنّ عمل اللجان الولائية سمح باسترجاع 350 ألف هكتار من الأراضي الفلاحية غير المستغلة، وهو ما جعل الوزارة تحث المديرين الولائيين على تسريع عمليات التفتيش، ومتابعة مدى تقدم المشاريع الفلاحية.

مديرية الفلاحةالأراضي محمية أكثر من أيّ وقت مضى

في هذا السياق، أكد مدير الفلاحة بولاية الجزائر بوعزيز نوي لـ المساء، أن عملية تطهير العقار الفلاحي تجري بطريقة متسارعة لحل جملة المشاكل التي يواجهها المهنيون، سواء تعلّق الأمر باستغلالها أو حمايتها من اعتداءات البناء الفوضوي التي تطال العقار، وتُدخل أصحاب المستثمرات في خلافات اجتماعية وقضائية، مثلما حدث في العديد من بلديات العاصمة.

وذكر محدثنا في هذا الصدد، أنه تم تسجيل 233 حالة بناء فوضوي فوق الأراضي الفلاحية، وتدخلت السلطات العمومية لتطهير العقار من هؤلاء الشاغلين؛ عن طريق ترحيلهم إلى سكنات لائقة، ورد الأراضي لأصحابها، وهناك قضايا لاتزال معلقة، منها ما هو على مستوى العدالة. كما أشار مدير الفلاحة إلى أن إدارته ساهمت في حل 122 مشكلا تتعلق بمختف القضايا، منها التمويل بالتدخل لدى البنوك لتوفير الدعم المالي، والتنسيق مع السلطات العمومية لحلّ مشكل التعمير الذي صار من بين التحديات التي مست العقار الفلاحي، لاسيما بعاصمة البلاد التي تشهد كثافة سكانية كبيرة ومتزايدة.

وطمأن السيد بوعزيز الفلاحين في ولاية الجزائر، بكون الدولة التي دعمت الترسانة القانونية لحماية العقار الفلاحي والأملاك العمومية عموما، لن تتأخر في تنفيذ القوانين المنظمة لهذا القطاع عن طريق الديوان الوطني للأراضي الفلاحية، الذي يراقب سير المزرعات والمستثمرات الفلاحية، ووجود 13 قسمة فلاحية تضم 43 عونا لمراقبة العقار، والتبليغ عن أيّ اعتداء، خاصة مع مفتشي التعمير بالبلديات، الذين يقومون (بقوّة القانون) بتحرير محاضر المخالفة في مدة لا تتعدى 48 ساعة، يقوم المير خلالها بإجراءات هدم أي بناء فوضوي أو نشاط آخر على الأراضي الفلاحية. ويساهم في حل المشاكل التي تعترض هذا القطاع، ويحاسب الفلاحين الذين لا يستغلون أراضيهم، ويدفعهم نحو خدمتها، فيما يسترجع الديوان الأراضي المهملة، ويضيفها إلى محفظة العقار الفلاحي لإعادة منحها لمستثمرين آخرين يثمّنون هذه الأملاك.

وقال مدير المصالح الفلاحية إن إداراته لا تفوّت أيّ فرصة للقاء الفلاحين من أجل تحسيسهم بإعادة تنظيم وحماية أراضيهم عن طريق تسييجها، ونزع الأحزمة والحواجز القصبية المضروبة على الأطراف، كي تظهر المساحات الخضراء وما هو مغروس فيها من أشجار أو خضروات. وأكد المتحدث أن مساحة الأراضي الفلاحية بالعاصمة التي تقدّر بحوالي 29 ألف هكتار منها 18 ألف هكتار مسقية بنسبة 56 بالمائة، لن تطالها مشاريع التعمير من الآن فصاعدا، داعيا الفلاحين إلى الاستفادة من مزايا قانون الامتياز الفلاحي، الذي يتيح للفلاحين بناء مشاريع ذات جدوى في مختلف الشعب الفلاحية والصناعات التحويلية الغذائية، وإشراك أصحاب رؤوس الأموال في العملية، والاستفادة من القروض المقدمة من طرف البنوك، والتوجّه نحو الشباك الموحد لتسهيل الاستثمار، واختيار نشاطات فلاحية؛ كإنتاج الخضروات في الحقول وداخل البيوت البلاستيكية، وإنتاج البيض والمشاتل وتربية الأبقار وغرف التبريد وغير ذلك. وأفاد السيد بوعزيز بأن ولاية الجزائر تضم جزءا كبيرا من سهل متيجة الخصب، الذي لايزال، رغم زحف الإسمنت، يدرّ بخيراته. وتحتل العاصمة مراتب متقدّمة في عدة شعب فلاحية؛ منها إنتاج الحمضيات والبطاطا والبيض وغير ذلك، لاسيما أن أكثر من نصف مساحة الأراضي الفلاحية مسقية

الغرفة الفلاحية 9 آلاف هكتار التهمتها الخرسانة

لم ينف مسؤولو الغرفة الفلاحية بولاية الجزائر، أن النسيج العمراني التهم مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة بالعاصمة، وصلت إلى حدود 9 آلاف هكتار، منها 3 آلاف في عهد المندوبيات التنفيذية، و6 آلاف هكتار خلال فترة الوالي محمد عدو، حيث تشكلت العديد من الأحياء السكنية الجديدة جراء اقتطاع مساحات أرضية واسعة، وتحويلها إلى تجزئات.

وأكد الأمين العام للغرفة الفلاحية بولاية الجزائر جمال بوسطيلة لـ المساء، أن هذه الهيئة التي تُعد عضوا فاعلا في ميدان تنظيم وترقية وحماية الأراضي الفلاحية، تسعى لمساعدة المهنيين في مختلف الشعب، ومرافقتهم في عملية الإنتاج، وتقديم استشارات لتحسين المردود.

وقد صادف وجودنا في مقر الغرفة الفلاحية بعض الفلاحين الذين جاءوا للاستفادة من توجيهات وإرشادات لاستغلال أراضيهم، خاصة تلك التي أحاط بها العمران من كل الأطراف وضاقت رقعتها، مما يتطلب استغلالها ضمن نشاطات خاصة تراعي الظروف البيئية والاجتماعية للسكان المجاورين.