موقع استراتيجي يأسر الأبصار

فندق "المنتزه" بسرايدي.. ذاكرة معمارية تطل على الجمال

فندق "المنتزه" بسرايدي.. ذاكرة معمارية تطل على الجمال
  • 264
 سميرة عوام  سميرة عوام

تربّع فندق المنتزه بأعالي سرايدي، على عرش الضيافة الجزائرية منذ أكثر من نصف قرن، متحديا الزمن بجماله المعماري، وموقعه الطبيعي الأخّاذ. وصُمم هذا المعلم السياحي في أواخر ستينيات القرن الماضي، على يد المهندس الشهير فرناند بيليون، ليشكّل منذ ذلك الحين، نقطة التقاء بين عبقرية التصميم وروعة الموقع، جامعا بين الحضور الثقافي، والجاذبية السياحية، والتاريخ الوطني في إطار معماري نادر.

يقع الفندق في أعالي سرايدي. وهي بلدية جبلية تابعة لولاية عنابة. تتميز بطبيعتها الساحرة، وهدوئها البري الذي يضفي طابعا فريدا على الإقامة هناك. 

ما إن تصل إلى الفندق حتى تشعر بأنك انتقلت إلى عالم موازٍ، عالم تتعانق فيه السماء مع البحر. وتحتضن فيه الغابة الجبل.

الفندق يتربّع فوق هضبة جبلية، ما يمنحه إطلالة بانورامية آسرة، تمتد من الغابات الكثيفة إلى سواحل المتوسط البعيدة، في مشهد يجعل الزائر يقف مدهوشا أمام هذا التناسق الطبيعي البديع، الذي لا يقل في روعته عن أشهر الوجهات العالمية.

تحفة معمارية من توقيع بيليون

المهندس فرناند بيليون، المعروف بأسلوبه الحداثي الممزوج بالبساطة والوظيفية، ترك بصمته الواضحة في تصميم فندق المنتزه. 

البناء يُعدُّ مزيجا متناغما بين الطراز المعماري الأوروبي المعاصر في الستينيات، والعناصر الجغرافية والبيئية التي يفرضها الموقع. فقد استُخدمت مواد تتناسب مع طبيعة الجبال. كما راعى التصميم الانسجام مع التضاريس، فجاءت البنية متدرجة دون أن تفسد المشهد الطبيعي، بل تُكمله.

وكان الفندق يُعرف سابقا باسم "فندق القصر" . ولايزال إلى اليوم يحتفظ بهيبته المعمارية رغم ما مر عليه من عقود. التفاصيل الهندسية من الشرفات الواسعة إلى الواجهات الزجاجية، كلها تعكس فهما عميقا لفن الضيافة المرتبط بالمكان.

من ذاكرة الرؤساء إلى عدسة السينما

يحمل الفندق في ذاكرته العديد من اللحظات التاريخية. ويقال إنه كان من الفنادق المفضلة للرئيس الراحل هواري بومدين، الذي كان يقضي به بعض الوقت في خلوة، بعيدة عن ضوضاء العاصمة.

كما خُلد الفندق في الذاكرة السينمائية الجزائرية من خلال تصوير مشاهد من الفيلم الكوميدي الشهير "عطلة المفتش الطاهر" داخله، ما أعطاه بعدا ثقافيا، جعل منه أكثر من مجرد مكان للإقامة؛ لقد تحوَّل إلى رمز ثقافي وتراثي في ذاكرة الجزائريين.

تجربة سياحية متكاملة

الإقامة في فندق المنتزه بسرايدي لا تقتصر على الراحة في الغرف أو الاستمتاع بالإطلالة، بل تتعداها لتصبح تجربة متكاملة تتنوع بين الترفيه، والاستكشاف، والاستجمام.

ويمكن زوار الفندق ممارسة مختلف الأنشطة الجبلية كالمشي، والتخييم، والتسلق في غابات سرايدي المترامية، التي تُعد من أهم الغابات الساحلية في الجزائر. كما تتيح المنطقة لمحبي الطيور والحياة البرية، فرصة نادرة للمراقبة والتصوير. 

وبالقرب من الفندق تنتشر مسارات جبلية مهيأة للمشي لمسافات طويلة، تُكافئ الزائر بإطلالات تحبس الأنفاس.

أما في الفندق نفسه، فالمَرافق متنوعة، وتوفر مستوى من الراحة يجعل الزائر ينسى صخب الحياة اليومية. 

المطعم، بفضل موقعه المذهل، يقدم تجربة طعام لا تُنسى، خصوصا عند غروب الشمس، حين يكتسي الأفق بألوان دافئة تنعكس على البحر.

تصنيف ثقافي مرتقَب

حاليًا، يُدرج فندق المنتزه ضمن قائمة المعالم التي يتم اقتراحها للتصنيف الثقافي المحلي في ولاية عنابة، كخطوة أولى نحو الحماية القانونية، والتثمين السياحي. 

ويُعد هذا المسعى خطوة إيجابية نحو الحفاظ على هذا الإرث المعماري والسياحي الذي يحتاج إلى صيانة دورية، ورؤية استثمارية واضحة، تعيده إلى واجهة الفنادق الجزائرية الكبرى.

من جهة أخرى، يمكن أن يُستغل هذا المعلم في ترويج سياحة النخبة، والسياحة البيئية، وسياحة الاستجمام إذا ما تم تفعيل شراكات حقيقية بين القطاعين العام والخاص، وتحديث بنيته التحتية بما يواكب المعايير الدولية دون المساس بطابعه التاريخي.

الفندق بحاجة إلى رؤية جديدة

رغم أن الفندق اليوم لايزال تابعا لمؤسسة التسيير السياحي بعنابة، إلا أن ما ينقصه فعليا، هو خطة شاملة لإعادة تأهيله: من ترميم الغرف وتحديث الخدمات، إلى تحسين الترويج له على المنصات الرقمية العالمية، خاصة أنه يتمتع بكل مقومات المنتج السياحي الناجح.

إطلاق حملات رقمية، وإعداد محتوى ترويجي باللغات الأجنبية، وتنظيم مهرجانات أو فعاليات ثقافية فيه، كل هذه الأفكار يمكن أن تُعيد "فندق المنتزه" إلى الواجهة، لا كفندق فقط، بل كمنصة سياحية وثقافية.

حين تتكلم الجبال عن الجمال

فندق المنتزه ليس مبنى عاديا، إنه مرآة لذاكرة جماعية، ونافذة تطل على جمال الجزائر الطبيعي والثقافي. هو شاهد على فترة ذهبية من تطور السياحة في البلاد، وبوابة نحو مستقبل واعد إن توفرت الإرادة السياسية، والرؤية الاقتصادية.

إن حماية هذا المعلم ليست مسؤولية محلية فحسب، بل واجب وطني؛ فلكل لبنة في جدرانه قصة، ولكل زاوية فيه مشهد، ولكل من زاره ذكرى. فلنحفظ له مكانه في حاضرنا كما حفظ لنا مشاهد من ماضينا.