منطقة تافرنت الجبلية بسيدي أعمر في سعيدة
فضاء تاريخي وسياحي بحاجة إلى تثمين

- 765

تعد منطقة تافرنت الجبلية، التابعة إقليميا لبلدية سيدي أعمر، والتي تبعد عن مقر الولاية الأم سعيدة بحوالي 22 كلم، من أكبر الجبال بالمنطقة، حيث تمتد على سلسلة الجبال المحيطة بها، إلا أنها لم تحظ بالعناية الكافية، والدراسة الكفيلة بتعزيزها ببرامج ومشاريع استثمارية في المجال السياحي، تعود بالنفع على المنطقة ككل.
تتميز منطقة “تافزيت” بمناظر خلابة شاسعة، مما جعل الجمعيات المهتمة بالبيئة تطرح العديد من التساؤلات، حول أهمية ومنفعة الثروة الغابية التي تتوفر عليها المنطقة، على غرار غابة سيدي “أحمد الزقاي” ببلديتي سعيدة وذوي ثابت، على مساحة حوالي 6600 هكتار، وهي المنطقة التي كانت تستقطب آلاف الزوار، ومن بينهم الأجانب في سابق أيام عزها، خاصة أن المنطقة يوجد بها موقع قريب من دوار أولاد زايد، إضافة إلى أنها تشمل جبالا ذات خصائص طبيعية تؤهلها لأن تكون قطبا سياحيا وترفيهيا بامتياز.
وحسب أحد سكان المنطقة، الذي صادفناه يعمل في أرضه، فإن جبل “تافرنت” الذي كان يدعى قديما باسم “برباطة” خلال الثورة التحريرية الكبرى، يعد معقلا للثوار والمجاهدين بالمنطقة، ومن بينهم الدكتور يوسف الدمرجي، الذي سقط في ميدان الشرف بهذا المكان، وكان أثناء نضاله بالمنطقة يتكفل بالمصابين والجرحى، حيث استعمل أحد البيوت المبنية بالطوب كمستشفى بالمنطقة، رفقة الممرض عبد الرحمان فريحي، ولم يبق من هذا المستشفى حاليا سوى بعض الجدران واقفة، تحكي تاريخ المنطقة، إضافة إلى وجود محكمة بجانب المستشفى، كان يستعملها المجاهدون، وهي عبارة عن بيوت مبنية بالطوب والتراب لا تزال جدرانها شاهدة إلى اليوم على بقايا هذه المنشآت، وهي المنطقة التي وقعت بها عدة معارك طاحنة مع الجيش الفرنسي. كما لا تزال آثار المخبأ بعمق 80 مترا، الذي كان يلجأ إليه المجاهدون للاختباء فيه، شاهدا على تلك الفترة.
مقومات سياحية مهملة منذ الاستقلال
رم شساعة المناطق الأثرية وتنوعها بمنطقة “تيفرنت”، يبقى استغلالها والحفاظ عليها غير كاف، وحسب المختصين في علم الآثار، فإن هذه المنطقة تتوفر على كل الإمكانات اللازمة، لكي تصبح قطبا سياحيا كبيرا في السنوات المقبلة، بفتح المواقع السياحية أمام المستثمرين، لتبقى الوسيلة المثلى لاستغلالها وجعلها مصدرا لمداخيل مالية هامة، من خلال فتح المواقع الأثرية والسياحية من أجل استثمارات الخواص، وإنجاز المنشآت والمرافق السياحية وتدارك التأخر الكبير الذي يشهده القطاع على مستوى الولاية، خصوصا أنها تتميز بشجرة الكاليتوس، وهي من أقدم الأشجار بالمنطقة، حيث يتجاوز عمرها القرن، ويبلغ علوها أكثر من 20 مترا، ونظرا لكثافة أغصانها، كان يستعملها الثوار في تلك الفترة كمكان لعقد اجتماعاتهم، والتخطيط لعملياتهم، لدحر شوكة العدو الفرنسي، وهي لا تزال شامخة تحكي للأجيال تاريخ المنطقة.
منابع المياه العذبة مقصد الزوار
تحتضن هذه المنطقة الأثرية المذكورة، حسب المختصين المعنيين، 4 منابع للمياه العذبة، التي تشكلت ـ حسب السكان ـ بسبب ضغط مياهها المتواجدة تحت الأرض، مؤكدين على ضرورة حفر هذه الأخيرة والتعمق فيها حتى تتكاثر المياه، لتموين أهل المنطقة بمياه الشرب، خاصة أن هناك رغبة جامحة لدى العديد منهم للعودة والاستقرار في المنطقة، بعدما هجرها سكانها خلال العشرية السوداء، علما أن هذه المنابع كانت بالأمس القريب قبلة للزوار والسياح، الذين يدفعهم شغف الفضول لمعرفة الموقع والمنابع المتواجدة بين الصخور، خاصة بعد انتشار معلومات تفيد بأن هذه المياه ليست حيوية فقط، إنما صحية أيضا، وأنها تعالج العديد من الأمراض المعدية والجلدية، شأنها في ذلك شأن مياه عين السخونة.
حوض علاجي بعين السخونة بحاجة إلى اهتمام
يقع الحوض المائي العلاجي ببلدية عين السخونة، التي تبعد عن مقر ولاية سعيدة بـ90 كيلومترا، في الجنوب الشرقي على مستوى الطريق الوطني رقم 92، في الحدود مع ولاية تيارات، حيث يصنف كمنطقة رطبة وطنيا، تختص أيضا بمعالجة الأمراض الجلدية التنفسية، وأمراض الروماتيزم، وتبلغ نسبة التدفق بالحوض ما متوسطه 90 لترا في كل ثانية، بدرجة حرارة قدرها 30 درجة مئوية، ويعد من أهم الاكتشافات النادرة في الطب السياحي. كما تتواجد بها أسماك “تيلابيا” التي تعالج الأمراض الجلدية، وهذا النوع لا يتواجد إلا في منطقتين؛ إحداهما في “عين السخونة”، والثانية في تركيا.
للإشارة، يعرف القطب المائي العلاجي الكثير من المشاكل، على غرار النقص المكترر في مستوى المياه، وغياب الاهتمام به من قبل المسؤولين في الولاية، على حد تعبير الكثير من سكان المنطقة، الذين صادفتهم “المساء”. كما ينتظر سكان البلدية تحسين إطارهم المعيشي من قبل السلطات الولائية، بسبب العزلة والتهميش التي طالت هذه المنطقة التي تفتقر إلى مختلف البرامج التنموية، خاصة المتعلقة منها بفرص التشغيل في القطاع الفلاحي، لأنه قطاع استراتيجي يشغل بال العديد من المواطنين، إضافة إلى مجال السياحة الحموية التي تحظى بالأولوية بالنسبة لهم، وهو ما جعل طموحات سكان البلدية تفوق الإمكانيات التي تتوفر عليها بلدية عين السخونة الهادئة، والتي تبقى فيها التنمية مرهونة بفتح الطريق الذي يربطها ببلدية الرقاصة بولاية البيض، التي تتقاسم معها الحدود الإقليمية بـ55 كلم، والنهوض بالواقع التنموي في المنطقة، والذي أصبح مرهونا بهذا الطريق.