"الكور" و"الكورنيش" يصنعان الفرجة في ليالي الصيف
عنابة تعيش أجواء الفرح

- 125

تتدفق العائلات العنابية كل مساء صيفي، إلى ساحة الثورة وفضاء "الكور"، حيث تنبعث الحياة من جديد بعد نهار حار وطويل، لتبدأ الليالي المفعمة بالهدوء والفرجة والمذاقات المنعشة.. عنابة، هذه المدينة الساحلية الدافئة، تتحول في الصيف إلى فسحة ممتدة من الراحة الاجتماعية والترفيه الأسري.. فور غروب الشمس، تتجه الأنظار نحو وسط المدينة، وتحديدا إلى "الكور" وساحة الثورة، اللذان يُعدان قلب الحياة الليلية، ليس فقط لسكان المدينة، بل أيضًا للمغتربين والزوار الوافدين من الولايات المجاورة، الذين يقصدون عنابة للاستمتاع بأجوائها الخاصة.
يمتد "الكور" بمحاذاة البحر، وتغمره أشجارٌ وارفة تُظلل الممرات، وتُضفي على المكان طابعًا هادئًا يشبه حدائق أوروبية، تطل على ميناء مفتوح. يجلس الزوار على الكراسي المطلة مباشرة على الميناء، يحتسون الشاي أو القهوة، بينما تُقدَّم لهم المثلجات بأنواعها المختلفة، والتي أصبحت سمة المكان الأساسية. ويأتي "كريبوني" في صدارة اختيارات الزوار، وهو مثلج غني الطعم، اكتسب شهرته من مقهى "الدب القطبي"، الذي أسسه المرحوم برابح، الاسم الذي أصبح علامة فارقة في المشهد السياحي المحلي، وتعدت شهرته حدود المدينة، لتصل إلى مختلف ولايات الوطن.
يتحول "الكور" ليلًا، إلى فسيفساء مضيئة، حيث تنعكس الألوان من الفوانيس والمصابيح المتنوعة، فتخلق أجواءً شاعرية توحي للزائر بأنه في مكان مصمم بعناية لإسعاده. الأسر تأتي بأطفالها، وتحرص على الجلوس لساعات طويلة، يلهو فيها الصغار بالألعاب المتوفرة، أو يلتقطون صورًا تذكارية فورية لدى المصورين المنتشرين بالمكان، ليعودوا إلى بيوتهم بصور تُجسد لحظة فرح تبقى في الذاكرة.
ساحة الثورة.. القلب النابض للأمسيات الصيفية
تمتاز ساحة الثورة بخصوصية، تجعلها محببة لدى العائلات. فهي لا توفر فقط جلسات مريحة تحت الأشجار وبين أضواء الشارع، بل تمنح الزوار شعورا بالأمان والسكينة. تتوفر فيها مساحات كافية لركن السيارات، وهي محاطة بمقاهي وأماكن تقدم مشروبات باردة وساخنة بأسعار مناسبة، ما يجعلها وجهة مثالية لكل من يبحث عن الاسترخاء، بعد يوم طويل من العمل أو الحرارة.
ما يميز هذه الساحة أيضا، كونها مقصدا دائمًا للمغتربين عند زيارتهم الصيفية، حيث يجدون فيها ذكريات الطفولة وروح المدينة القديمة، ويصطحبون عائلاتهم إليها، بعيدا عن صخب المدينة وازدحام أماكن الترفيه الأخرى.
"الكورنيش".. البحر يهمس بنسيمه وسحره
إذا كان "الكور" القلب الهادئ، فإن الكورنيش هو الرئة المنعشة للمدينة، على امتداد الشريط الساحلي، تبدأ الحركة بعد الثامنة مساءً، حيث تتجه العائلات نحو شواطئ "شابي" و«سانكلو" للاستمتاع بنسيم البحر ليلاً، تمتد الطاولات والكراسي على طول الواجهة البحرية، يُؤجرها أصحابها للعائلات بأسعار معقولة، أقل مما هو عليه نهارا، حين تشتد حرارة الشمس ويزدحم الشاطئ بالمصطافين.
هنا، تختلط أصوات البحر بأحاديث العائلات، وتتنقل البهجة بين الباعة المتجولين الذين يقدمون الشاي الساخن، والمكسرات، والحلويات التقليدية التي تُنعش الحلق وتُعيد الحيوية بعد عناء النهار.
النزهات المسائية على الشاطئ.. متعة بسيطة بطابع خاص
من المشاهد اللافتة في ليالي عنابة، اختيار الكثير من العائلات تناول العشاء مباشرة على الشاطئ، أو في المساحات الخضراء القريبة من البحر، إذ تقوم ربات البيوت بتحضير أطباق تقليدية، ثم تتوجه العائلة بأكملها نحو أحد الشواطئ، وهناك تُفرش الطاولات، وتُوضع الكراسي المستأجرة، ويبدأ الجميع بالاستمتاع بجو طبيعي منعش، بعيدا عن ضيق المنازل، والرطوبة الخانقة، وضجيج الحياة اليومية، وتستمر السهرة في كثير من الأحيان حتى ساعة متأخرة من الليل، حيث يتشارك الجميع الأحاديث والنُكات والضحكات.
لقاءات الشباب.. طقوس صيفية لا تغيب
الشباب أيضًا لهم نصيبهم من هذه الأجواء، حيث يفضل الكثير منهم تنظيم "لقاءات جوارية" على الشاطئ، يجتمعون فيها، أصدقاء أو أبناء حي واحد، ويشاركون بعضهم في جلب أطباق متنوعة ومشروبات، لتتشكل مائدة جماعية تعكس روح التفاهم والحميمية. تلك اللقاءات لا تحتاج إلى دعوات رسمية أو ترتيبات كبيرة، يكفي التفاهم والمودة، وبعض الأطباق البسيطة، ليصنعوا ليلة لا تُنسى.
صيف عنابة.. طقس اجتماعي بامتياز
في عنابة، لا يُنظر إلى فصل الصيف على أنه مجرد تقلب مناخي، بل يُعاش كطقس اجتماعي يومي، يبدأ مع غروب الشمس ولا ينتهي إلا بطلوع الفجر. المدينة تعرف كيف تستقبل زوارها، وتمنحهم فسحة من الراحة والسكون والجمال.
"الكور" و"الكورنيش" لا يقدمان مشاهد جميلة فقط، بل يمنحان الناس شعورًا بالانتماء، ويعيدان للعائلة الجزائرية جوها الحميم، ويمنحان للشباب فسحة تعارف ولقاء، تحت سماء صافية، وعلى ضوء مصابيح لا تطفأ، ونسائم بحر لا تتوقف.