قالمة عاصمة الحمامات و"المتقاعدين"

حدائق ومعالم أثرية في طريق الشرق

حدائق ومعالم أثرية في طريق الشرق
  • 183
وردة زرقين وردة زرقين

تحظى مدينة قالمة بمعالم تاريخية هامة، تكشف عن تعاقب الحضارات بها، ويطلق عليها الشعراء اسم مدينة "المتقاعدين"، نظرا لهدوء ولطافة جوها، ورقة طباع أهلها، وانتشار المساحات الخضراء والحدائق والأشجار في كل أرجائها، بحيث تعد الحدائق والمساحات الخضراء المتنفس الوحيد والقلب النابض للمدينة، إذ تمنح فرصة التأمل في هذا الهدوء والسكينة.. فـ«كالاما"، كما سميت قديما، أو قالمة حديثا، هي مدينة جميلة بمعالمها الأثرية والثقافية والدينية، وبحدائقها الخضراء، إذ تقع في مفترق الطرق بين المدن الكبرى للشرق الجزائري، في حوض وادي سيبوس الخصب، محاطة بجبال "ماونة" و"هوارة" و"الدباغ".

نظرا لأهميتها الاستراتيجية، كانت قالمة محل اهتمام مختلف الحضارات المتعاقبة على المنطقة، حيث استقر بها الإنسان منذ فجر التاريخ، فكانت من أهم مدن نوميديا، مركزا تجاريا هاما للفنيقيين، ثم صارت مدينة رومانية وبيزنطية مزدهرة. 

تشهد الحدائق والمساحات الخضراء بقالمة يوميا، توافد المواطنين من داخل وخارج المدينة، وحتى الزوار، للتأمل والاستراحة، وتبادل أطراف الحديث، لما تتوفر عليه من اخضرار، ومعه الأزهار الجميلة في أرجاء الفضاء الطبيعي، للاسترخاء والتأمل والاستراحة، وتبادل أطراف الحديث، تحت زقزقة العصافير وهواء الأشجار النقي، ومن بين الحدائق والمساحات الخضراء التي تشهد توفدا كبيرا، خاصة في المساء وفي الليل، مع ارتفاع في درجة الحرارة، تزامنا والفترة الصيفية، نذكر: 

حديقة "مصطفى سريدي"... تراث مادي شاهد على حضارات متعاقبة

يعتبر سكان قالمة، حديقة "مصطفى سريدي"، الواقعة بجانب الثكنة القديمة بوسط المدينة، إحدى أهم وأعرق الحدائق والمساحات الخضراء على مستوى مدينة "كالاما"، القلب النابض للمدينة، فهي حديقة يسودها جو من الهدوء والراحة والسكينة، خاصة بعد أن استعادت الحديقة الأثرية جمالها وظلال أشجارها وألوان أزهارها الزاهية، عقب خضوعها لعملية ترميم شاملة. فحديقة "مصطفى سريدي" أو كما تسمى "السكوار"، تعد تراثا ماديا هاما، وشاهدا على الحضارات المتعاقبة، من خلال القطع الأثرية، التي كانت موزعة لعقود من الزمن، قبل أن يتم تحويلها إلى حديقة "كالاما"، المتواجدة بجانب المسرح الروماني، والتي تُعد نموذجا مصغرا عن حديقة "الحامة" بالجزائر العاصمة، حيث راحة البال، وهدوء الأعصاب تحت ظل الأشجار، التي يُسمع من فوقها زقزقة العصافير، فهي تستقطب الكثير من الشغوفين بعالم الطبيعة، نظرا لجمالها، وكثافة أشجارها، إذ يلاحظ المتجول في عاصمة ولاية قالمة عبر شوارعها وساحاتها وحدائقها، جمالها الذي يضاهي جمال ساحات وحدائق أوروبية شهيرة. 

يعود تاريخ نشأة حديقة "مصطفى سريدي"، إلى منتصف القرن التاسع عشر ميلادي، قبل أن تتحول إلى متحف في الهواء الطلق سنة 1904، أسسه الباحث في الآثار "شارل ألبير جولي"، الذي شغل حينها، منصب نائب رئيس البلدية في العهد الاستعماري، حيث جمع فيه كنوزا أثرية نادرة من مناطق مختلفة، على غرار خميسة ومادور وتيبيليس، وتتربع الحديقة العمومية على مساحة تزيد عن 9 آلاف متر مربع، تحتوي على تحف أثرية، وأنصاب جنائزية تعود إلى الفترة الرومانية، وتتميز بأصناف نباتية متنوعة، منها الورود والكاليتوس والتين والدردار وغيرها.

حديقة "كالاما" الأثرية... متنزه يستقطب السياح

تتوسط حديقة "كالاما" الأثرية مدينة قالمة، إذ تقع بمحاذاة المسرح الروماني، وتضم ما يقارب 200 قطعة أثرية، أغلبها يعود إلى العهد الروماني، والجزء الآخر يعود إلى العهد البوني الليبي، وتتنوع القطع بين نقوش جنائزية وتشريفية لأباطرة وشخصيات مرموقة وعناصر زخرفية من أعمدة ونصب وطاحونات رومانية وتماثيل، ويتمثل المخطط العام للحديقة في شكل مربع يحتوي على مساحات خضراء، تتخللها ممرات تؤدي إلى كل محور دائري الشكل متجانس مع محور المسرح الروماني المحاذي للحديقة، وكل رواق يؤرخ لمنطقة معينة.

ساحة "الشهداء"... القلب النابض لمدينة قالمة

توجد الساحة العمومية "الشهداء"، والمعروفة بـ«البلاصة" أي "السكوار" عند القوالمية، في قلب المدينة، بشارع "أول نوفمبر"، تقابلها عمارة "علي شوشنة" التي بُنيت في 1880، وفي الجهة الأخرى، كانت توجد كنيسة "سان بوسيديس" التي تحولت بعد الاستقلال، إلى مسجد "عبد الحميد بن باديس".

تشهد ساحة "الشهداء" توافد وتجمع الكثير من الناس منذ القدم، نظرا لجمالها وكثافة أشجارها، كانت تسمى في الفترة الاستعمارية بساحة "سانت أوغستين"، وفي الخمسينيات إلى غاية الثمانينات من القرن الماضي، كان يوجد بوسط الحديقة كشك للموسيقى، كما كانت توجد عربات "الكاليش" للتجول في المدينة، وتستعمل كوسيلة نقل حضري، وبعد التجول، كان ناس قالمة يرددون في كل مرة عبارة "مليح.. مليح.. معاودين.. معاودين".

حديقة "الصنوبر"... فضاء مناسب للعب الأطفال

توجد حديقة "الصنوبر" بالقرب من حي "الشامانوفر"، وحي "19 جوان"، هي حديقة جديدة، تم تهيئتها وفتحها في سنة 2023، بمناسبة الاحتفالات بعيد الاستقلال، تشهد يوميا، توافدا كبيرا للعائلات القالمية، باعتبارها متنفسا لهم، وفضاء مناسبا للعب الأطفال، إلى جانب ذلك، توجد حديقة الإخوة "بلمخ" بشارع "زعايمية عزالدين" يقابلها مقر الولاية.

الساحات العمومية... جمال وحنين إلى الماضي

من جهتها، تستقطب الساحات العمومية، الكثير من الناس، على غرار ساحة "8 ماي 1945"، المتواجدة بقلب مدينة قالمة، يوجد بها تمثال يرمز إلى المقاومة، وسابقا، كانت مقر مدرسة "سيفينيي" أثناء الفترة الاستعمارية، وبعد الاستقلال كانت تدعى مدرسة "ابن خلدون" المعروفة بـ«سكولة فرنسيس"، كما توجد بحي "عقابي" المعروف بـ"الكورس"، ساحة عمومية "الشهيد لخضر قبايلية"، وساحة "بايع راسو"، وبحي "الأمير عبد القادر" المعروف بـ"جيرودان" في الناحية الشمالية للمدينة، توجد ساحة "بايع راسو"، ولإبراز جمال المدينة، تم إنشاء العديد من المساحات الخضراء في السنوات السابقة، في كل من حي "الباتني"، وحي عمارات "الملعب القديم".