سكيكدة تثمّن موروثها الفلاحي
جهود لتطوير إنتاج فراولة روسيكادا
- 142
بوجمعة ذيب
كشف محافظ الغابات للولاية، حبيب الله بن حمو، في تصريح لـ"المساء"، عن تخصيص مصالحه 100 هكتار من الأراضي الغابية لزراعة الفراولة المحلية في إطار كراء هذه المساحات داخل الملك العمومي الغابي، من خلال تثمين الفراغات الغابية الملائمة، وخطوط الوقاية من حرائق الغابات، وفق مسار قانوني مضبوط، موضحا أن هذه المبادرة تأتي دعما لفراولة سكيكدة المحلية. وقد جاء ذلك خلال يوم دراسي علمي احتضنته دار الثقافة بسكيكدة نهاية الأسبوع الماضي، خُصص لزراعة فاكهة الفراولة المحلية المعروفة باسم "لمكركبة" أو فاكهة روسيكادا.
وقد أكّد في هذا السياق مدير المصالح الفلاحية للولاية، أنّ تنظيم هذا اليوم الذي جاء بناء على توجيهات الوالي بهدف دراسة ومعالجة انشغالات المنتجين ومنه العمل على تنمية وتطوير هذه الزراعة باعتبارها موروثا ثقافيا للولاية لا سيما، كما أضاف، أنّ فراولة "لمكركبة" دخلت إلى الشاطئ الكبير، ومنه إلى سواحل سطورة حوالي سنة 1920، ليتأقلم هذا الصنف مع الوسط الطبيعي؛ حيث عرف استقرارا ملحوظا بفضل خصائصه الوراثية، لتمتد هذه الزراعة مع الوقت إلى أقاليم بلدية عين الزويت، وكذا بلدية تمالوس، وبالضبط على مستوى منطقتي عين الشرايع وسيدي منصور، وكذا ببلدية بوشطاطة.
وأشار مدير المصالح الفلاحية للولاية الربيع حمزاوي إلى أنّ الفراولة بسكيكدة وخلال الموسم الفلاحي 2024 ـ 2025 توزّعت على بلديات تمالوس، وسكيكدة، وعين الزويت، وببلديات بني بشير، وبني زيد، وعين قشرة داخل البيوت البلاستيكية على مساحة تقدّر إجمالا بـ 540 هكتار، فيما بلغ الإنتاج خلال السنة الفلاحية الأخيرة، 4560 قنطار.
وتمّ خلال هذا اليوم الدراسي تقديم العديد من المداخلات من قبل الهيئات المشاركة؛ كمديرية المصالح الفلاحية التي تطرّقت لميزة صنف فراولة “روسيكادا” المعروفة محليا باسم “لمكركبة”، بينما قدّمت ممثلة محافظة الغابات للولاية عرضا مفصّلا، تمحور حول الرخص الاستثنائية لاستغلال المنشآت الخاصّة بمكافحة الحرائق التي استفادت منها الولاية، والموزّعة على بلديات عين الزويت، وسكيكدة، وتمالوس وكركرة، كما أوضحت، بناء على معايير تقنية محدّدة، على أن يتم إخضاع المستثمرين الراغبين في استغلال تلك المساحات عن طريق الكراء لمدّة 3 سنوات، لدفتر شروط، يحدّد، بدقة، كيفية استغلال التربة، ونوعية التدخلات الفلاحية المسموح بها، وآليات حماية الوسط الغابي، ناهيك عن التدابير الوقائية، الواجب اتّخاذها لتفادي أي تأثيرات بيئية أو تدهور محتمل.
أمّا الدكتور عمار فوفو مدير مخبر الأبحاث الزراعية بجامعة 20 أوت 55 بسكيكدة، فتحدّث عن الخصائص الجينية، وقدرة نبتة الفراولة على التأقلم مع الوسط الطبيعي لمنطقة سكيكدة من حيث المناخ، وظروف التربة، وكمية تساقط الأمطار إلى جانب عوامل أخرى؛ كالشمس، والحرارة وغيرهما، مضيفا أنّ الفراولة في منطقة سكيكدة ساهمت في الوسط الريفي، في خلق مناصب شغل، كما ساعدت على إدماج المرأة الريفية في الشغل، ناهيك عن تثبيت سكان الريف في مناطقهم؛ ما سمح بخلق ثروة، إلى جانب إعطاء حركية وديناميكية اقتصادية لتلك المناطق بوجه عام. وتمّ على هامش هذا اليوم الدراسي إقامة معرض للإنتاج الفلاحي بمشاركة منتجين ومؤسسات بنكية وجمعيات متخصصة، احتضنه بهو دار الثقافة والفنون أحمد سرّاج.
هذا تاريخ فراولة سكيكدة
وحسب مصادر مختلفة جمعتها “المساء”، فإن أول منتوج للفراولة عرفته مدينة سكيكدة، كان سنة 1885، وبالضبط بمرتفعات سطورة الجبلية المطلة على البحر، وبالضبط على مستوى الشاطئ الكبير. وتشير الروايات المتواترة إلى أنّ أوّل من أدخل هذه الفاكهة القادمة من أوروبا إلى سكيكدة أحد المعمرين الإيطاليين، قام بزراعتها في منطقة سطورة؛ حيث أثمرت، وحقّقت نتائج كبيرة إنتاجا ونوعية.
وفي غفلة من هذا المعمّر الإيطالي قام أحد السكيكديين من أهالي المنطقة بأخذ إحدى الشتلات من تلك النبتة العجيبة ذات الذوق المميز واللون المائل إلى الاحمرار، بتمريرها داخل حذائه البلاستيكي؛ خفية عن صاحب الأرض الذي كان يُخضع كل عماله للتفتيش عند مغادرة المزرعة، ليقوم بغرسها. ولم يكتف بذلك، بل راح يوزع الشتلات على باقي الفلاحين. وبعد نجاح التجربة أصبحوا هم أيضا يعرضون منتوج الفراولة المحلية في أسواق المدينة، ما فاجأ المعمر الذي وجد بالسوق منافسين له.
ومن هنا بدأت حكاية فاكهة الفراولة في الانتشار من نصف هكتار سنة 1885 إلى حوالي 900 هكتار خلال سنة 2024، موزعة على بلديات سكيكدة، وعين الزويت، وبوشطاطة، وتمالوس. وحسب الأرشيف الكولونيالي، فإن 14 عائلة إيطالية فقط اشتهرت خلال تلك الحقبة بزراعة الفراولة السكيكدية.
وفي سنة 1970 وفي إطار الإرشاد الفلاحي الذي اعتمده معهد تنمية زراعة محاصيل الخضر، تم إدخال نوعين جديدين من الفراولة، هما “التيوغا” التي أصبحت نسبة إنتاجها محليا تقدر بحوالي 10 بالمائة، و"الدوغلاس” أيضا بـ 10 بالمائة. وما يميزهما عن الباقي حجمهما الكبير نوعا ما، وشكلهما الجميل، لكنهما تحملان نسبة عالية من الحموضة، لتبقى من إيجابيات هذين النوعين قدرتهما على مقاومة النقل، وتحمُّل مدة التخزين التي تصل إلى أربعة أيام. وفي سنة 2006، قامت مصالح مديرية الفلاحة للولاية، بإدخال نوع جديد من توت الأرض يسمى “الكوندونغا” التي تم تجريبها لأول مرة في نواحي المصيف القلي، داخل بيوت بلاستيكية.