لمواجهة تذبذب توزيع الماء
الصهاريج البلاستيكية تجارة مزدهرة بقسنطينة

- 150

تحولت أزمة المياه التي تعرفها ولاية قسنطينة، خلال السنوات الأخيرة، إلى هاجس حقيقي، دفع الكثير من العائلات إلى البحث عن حلول بديلة، تضمن لهم الحد الأدنى من الاستقرار المعيشي، حيث لم يعد امتلاك خزان مائي في المنازل خيارا إضافيا، بل ضرورة قصوى لمواجهة الانقطاعات المتكررة وتذبذب توزيع المياه.
وقد تركت أزمة المياه بصمتها على ملامح الأحياء والعمارات، حيث لم يعد غريبا أن تعلو الأسطح والشرفات خزانات بلاستيكية ضخمة، متعددة الألوان والأحجام، والتي تحولت اليوم إلى "منقذ"، يضمن للمواطن كميات معتبرة من الماء، عند انقطاعه المفاجئ، حتى وإن شوه المشهد العمراني وزاد من أعباء الأسر.
الطلب يتضاعف والأسعار تلتهب
تصاعدت حمى اقتناء الخزانات البلاستيكية بشكل واضح، مع بداية كل صيف، حيث سجل التجار ممن تحدثت إليهم "المساء"، أرقام مبيعات قياسية، مقارنة ببقية فصول السنة، حيث أكد باعة الجملة، أن الطلب على هذه الخزانات، ارتفع إلى ثلاثة أضعاف خلال العامين الأخيرين، بفعل توسع العمران وظهور أحياء وتجمعات سكانية جديدة، تفتقر إلى شبكة توزيع مستقرة، على غرار المدينة الجديدة علي منجلي، والقطب الحضري "نحاس نبيل" و"ماسينيسا"... وغيرها، مشيرين إلى أن هذا الإقبال رافقه قفزات في الأسعار تجاوزت 30 بالمائة، ما جعل الخزان يتحول من حل بسيط إلى عبء ثقيل على جيوب العائلات. فخزان بسعة 500 لتر كان لا يتجاوز 5500 دينار قبل سنوات، وبات اليوم يعرض بـ10 آلاف دينار، فيما ارتفعت أسعار الخزانات ذات الطبقات المتعددة، من 12 ألف دينار إلى 20 ألف دينار في ظرف وجيز. أما المضخات، فقد شهدت هي الأخرى، قفزات في أسعارها، حيث فاقت 25 ألف دينار بالنسبة للمستوردة الألمانية أو الإيطالية عالية الدفع، وهي الأكثر طلبا.
تجارة تعرف ذروة خلال فصل الصيف
لاحظت خلال جولة "المساء"، بمحلات بعض تجار الجملة لبيع الخزانات، على مستوى منطقة سيساوي والمدينة الجديدة علي منجلي، اكتظاظ هذه المناطق منذ دخول فصل الصيف، حيث يعرض التجار سلعهم على الأرصفة وفي واجهات المحلات، مستخدمين لافتات دعائية، تحاول إقناع الزبائن بأن الخزان أصبح ضرورة يومية لا غنى عنه. ولا يقتصر الأمر على بيع الخزانات فقط، بل يشمل أيضا المضخات والحوامل المعدنية والأنابيب، وصولا إلى خدمات التركيب التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من الصفقة، وهو الانتعاش التجاري، حسب إجماع المواطنين، الذي جعل من صيف قسنطينة "موسم الحصاد" لتجار الخزانات، الذين باتوا يحققون أرباحا معتبرة في فترة قصيرة.
زبائن بين الحاجة والدهشة
أكد العديد من المواطنين، ممن التقت بهم "المساء"، في محلات بيع الخزانات البلاستيكية، أنه ورغم ارتفاع أسعارها، إلا أنهم باتوا يلجأون إلى اقتنائها، لأن الحاجة تفرض نفسها، حيث أكد السيد ندير، أحد سكان المدينة الجديدة علي منجلي، وتحديدا بالوحدة الجوارية 18، أنه اضطر إلى شراء خزان بسعة ألف لتر، لتأمين حاجيات أسرته من الغسيل والتنظيف، غير أنه فوجئ بأن السعر تضاعف مقارنة بالعام الماضي، فيما جاء زبون آخر من نفس المقاطعة بالمدينة الجديدة علي منجلي، بحثا عن خزان صحي مخصص للشرب، رغم تكلفته العالية، بعد أن اقتنع بأنه يضمن سلامة المياه من التلوث، غير أنه لم يجد طلبه في أي مكان.
الحرفيون.. "الرصاصون" عملة نادرة
أجمع عدد كبير من مقتني الخزانات البلاستيكية، أنه يضاف إلى عبء السعر، مشكلة أخرى لا تقل ثقلا، وهي ندرة الحرفيين المختصين في تركيب الخزانات والمضخات، حيث قالوا، إنه أصبح العثور على "مرصص" مهمة شاقة، تتطلب البحث والانتظار، فضلا عن التكلفة الباهظة التي يفرضها هؤلاء. ويشير مواطنون، إلى أن تكلفة تركيب الخزان والمضخة ولوازمهما، قد تتخطى 40 ألف دينار، وهو مبلغ يفوق قدرة الكثير من العائلات، لكنهم يضطرون إلى دفعه تحت ضغط الحاجة. من جهة أخرى، وأمام ندرة الحرفيين وارتفاع تكاليفهم، لجأ بعض الباعة والتجار إلى استحداث خدمة جديدة لاستقطاب الزبائن، حيث لم يعد الأمر يقتصر على بيع الخزان فقط، بل يشمل عرض كل المستلزمات الضرورية، من أنابيب وحوامل معدنية، وحتى توفير "مرصص" يتكفل بالتركيب في نفس اليوم. وبذلك، يجد المشتري كل ما يحتاجه في مكان واحد، ما خفف عنه عناء البحث، وفي المقابل، يضمن للتجار مبيعات أكبر.
من المعدن إلى البلاستيك
من جهة أخرى، كشف التجار وبائعو هذه الخزانات، أن البلاستيك اليوم، تفوّق على المعدن الذي كان سائدا في الماضي. فالخزانات البلاستيكية باتت ـ حسبهم ـ أكثر أمانا وصمودا، بفضل تعدد طبقاتها التي تمنع أشعة الشمس من اختراق المياه، وتحد من انتشار الجراثيم، وتختلف أنواعها، حسب عدد الطبقات، إذ يفضل سكان الشرفات الخزانات ذات الطبقتين، بينما يختار أصحاب العمارات والمصانع خزانات ذات سبع طبقات، تقاوم الحرارة والبرودة، وتضمن نوعية أفضل للمياه.
المضخات.. الرفيق المكلف
أما عن المضخات، فأكد مقتنوها، أن الخزان دون مضخة، يتحول إلى أداة ناقصة، وهو ما جعل الطلب عليها يتزايد بشكل موازٍ. وتعرض الأسواق، مضخات محلية وصينية وأوروبية بأسعار تتراوح بين 5 آلاف و25 ألف دينار، حسب بلد الصنع وقوة الدفع، مشيرين إلى أن أغلب المواطنين، خاصة سكان العمارات، يقبلون على اقتناء المضخات الكاتمة للصوت، لتفادي الإزعاج الليلي، فيما يفضل أصحاب المصانع الأنواع الألمانية والإيطالية نظير قوتها العالية، وقدرتها على ضخ المياه لمسافات طويلة. ليبقى الخزان البلاستيكي اليوم، بالنسبة للمواطن القسنطيني، "خطة الضمان" الوحيدة أمام أزمة متجددة، في انتظار حلول جذرية من السلطات، تعيد المياه إلى الحنفيات بانتظام، وتضع حداً لتجارة انتعشت على حساب حاجة أساسية لا غنى عنها.