فيما يتوقع تساقط كميات أخرى من الثلوج على مرتفعات الشريعة
“الرداء الأبيض”... تفاؤل بموسم فلاحي واعد
- 118
رشيدة بلال
يشكل تساقط الثلوج بولاية البليدة، رمزاً راسخاً في وجدان الساكنة، لاسيما في المناطق الجبلية، حيث يستقبل السكان هذا الزائر الأبيض بكثير من التفاؤل أملاً في موسم فلاحي غني بالخير. فبالنسبة لهم، لا تعدّ الثلوج مجرد منظر طبيعي أو كتلة من الماء المتجمد، بل مخزوناً مائيا يغذي الأرض ويروي المزروعات ويُنعش ينابيع الشريعة التي تعد شرياناً مائياً لسهل متيجة، وعلى الرغم من برودة الطقس وصعوبة الحركة بالنسبة للمقيمين في أعالي جبال الشريعة، إلا أنهم اعتادوا إعداد العدة مسبقاً لاستقبال فصل الشتاء، وكلهم أمل في أن يكون عاما مليئا بالخيرات.
صنعت أولى التساقطات الثلجية على مرتفعات الشريعة، فرحة عارمة لدى سكان البليدة، والزوار القادمين من الولايات المجاورة، حيث قصد الكثيرون المنطقة نهاية الأسبوع الماضي للاستمتاع بالمناظر البيضاء، واللعب بالثلوج والتقاط الصور وسط أشجار الأرز النادرة. ورغم الانخفاض الكبير في درجات الحرارة، إلا أن ذلك لم يثنِ من عزيمة العائلات التي حرصت على أن تعيش أجواء الشتاء الأولى مرتفعات الشريعة الخلابة.
وإذا كانت فرحة الزوار مرتبطة بجمال المناظر وتغيير الجو، فإن سكان المناطق الجبلية عبروا عن فرحتهم بشكل مختلف، إذ يرون في الثلوج “فأل خير” ورمزاً لسنة فلاحية مباركة. ويؤكد بعضهم أن الثلوج، رغم قسوة البرد الذي يصاحبها والحاجة إلى تحضير تخزين المئونة، إلا أن ذلك لا يساوي شيئا أمام ما تُبشر به الثلوج من مخزون مائي يغذي الأرض ويوفر حاجتها من المياه.
وعن علاقة البليدة التاريخية بالتساقطات الثلجية يقول الباحث في تاريخ المنطقة يوسف أرواغي في حديثه لـ«المساء”، بأن تساقط الثلوج ليس حدثاً جديداً على المنطقة، بل هي معروفة منذ القدم ببرودة شتائها، خصوصاً على مرتفعات الشريعة التي كانت تسجل في الماضي تراكمات تتجاوز ثلاثة أمتار. إلا أنه خلال السنوات الأخيرة، وبسبب عدة عوامل مناخية، تراجع سمك الثلوج ليصل في أحسن الأحوال إلى سبعين سنتيمتراً فقط. ويضيف أن سكان البليدة، خاصة القاطنين في المرتفعات، كانوا يستعدون للشتاء مسبقاً بتخزين المواد الغذائية مثل العجائن، الكسكسي، البركوكس، واللحم المجفف (القديد)، إضافة إلى تصبير الخضروات والفواكه، وهي عادات ما تزال حاضرة لدى البعض رغم تغير الظروف.
ويشير الباحث إلى أن الفرحة قديماً لم تكن بالخروج للعب في الثلج، بل بالنظر إليه على أنه مصدر بركة ورمز خصوبة. وما يزال سكان البليدة، حتى اليوم يرددون عند رؤية الثلوج عبارة: “عام السنة يكون فيه الخير”، في إشارة إلى أن الثلوج تعني وفرة مياه تغذي ينابيع الجبال والآبار الممتدة عبر أعالي الشريعة. وعبر أرواغي، عن أسفه للتراجع الملحوظ في تساقط الثلوج، موضحاً أن آخر كميات معتبرة شهدتها الولاية تعود إلى سنة 2012، حيث باتت الثلوج تتركز الآن في القمم فقط وتذوب سريعاً بفعل حرارة الأرض وحاجتها للمياه.
وعبّر المتحدث عن أمله في أن تستمر التساقطات هذا الموسم لتنتعش ينابيع المياه الطبيعية العذبة، مما ينعكس إيجاباً على الأراضي الفلاحية سهل متيجة المعروف بخصوبته وجودة مزروعاته.
كما لفت المتحدث، إلى أن سكان المناطق الجبلية يسارعون مع أولى الثلوج لتحضير أطباق تقليدية لها رمزية خاصة بالشتاء وموسم الخير، مثل البركوكس الحار، البطاطا “فليو” الحارة”، وطبق “سعيد وقسول” المحضر بالعجين والحرور، وهي أطباق توفر الدفء وتجمع أفراد العائلة حول مائدة دافئة.
ويختم الباحث بالتأكيد على أن فصل الشتاء في البليدة، من أكثر المواسم التي يتفاءل بها السكان، لأنه يحمل بشائر الخير ويغذي الأرض وينعش الحياة الفلاحية في واحدة من أغنى المناطق الزراعية في البلاد.