مواقع التواصل الاجتماعي غيّرت عادات أكل بعض الشباب
وعي صحي أم نزعة عالمية سُميت بـ "النباتيّين"؟
- 148
نور الهدى بوطيبة
تشهد الجزائر خلال السنوات الأخيرة، موجة التوجُّه نحو النظام الغذائي النباتي بين الشباب. هذه الظاهرة لم تأت، على ما يبدو، من فراغ، بل فرضتها مواقع التواصل الاجتماعي، التي أصبحت، اليوم، المصدر الاساسي للمعلومات، وحتى التوجيه في ما يخص نمط الحياة. وبينما كانت في السابق العادات الغذائية للشباب الجزائريين تعتمد اساسا على المأكولات التقليدية الغنية باللحوم ومشتقاتها، تحولت بين البعض الى اعتماد كل ما هو نباتي إلى درجة التخلي عن كل ما له علاقة بالحيوانات، وذلك مع انتشار المحتوى العالمي على المنصات الرقمية؛ إذ بدأ كثيرون يعيدون التفكير في ما يضعونه في أطباقهم كخيار لا نقاش فيه.
ساهمت صور الأطعمة النباتية الملوّنة وتجارب المؤثرين الذين يتحدثون عن الطاقة والنشاط بعد ترك اللحوم، في جعل فكرة النباتيين تنتشر بسرعة وسط فئة الشباب، خصوصا في المدن الكبرى. حيث إن البعض تبناها بدافع الصحة. وآخرون من باب التجربة، أو حتى التفاخر باتباع أسلوب حياة مختلف تماما عما هو سائد عموما أو بالأحرى طبيعي، من حيث التنوع وسط موروثاتنا الغذائية.
وفي حديثها إلـى "المساء" قالت الأخصائية في التغذية نورهان بن منصوري، "إن الكثير من الشباب الذين يقصدون عيادتها، أصبحوا، اليوم، يناقشونها حول النظام النباتي كخيار صحي عصري، متأثرين بما يشاهدونه على مواقع التواصل الاجتماعي"، مضيفة: "المشكلة أن أغلبهم لا يملكون معرفة كافية بكيفية تطبيق هذا النظام بشكل متوازن. وغالبا ليست لديهم دوافع حقيقية لذلك التقليد" . وقالت إنهم يقلدون، فقط، المشاهير، والمؤثرين دون وعي علمي، وهذا قد يسبب لهم، حسب المختصة، نقصا في عناصر غذائية أساسية عديدة، مفيدة لصحتهم، ولسلامتهم من معادن وفيتامينات يحتاجها جسمهم؛ مثل الحديد، والزنك، وفيتامين ب وغيرها".
العقلية النباتية موضة وتحدٍّ اجتماعي
مواقع التواصل الاجتماعي، حسب المتحدثة، تلعب دورا مزدوجيا. فمن جهة، ساهمت في رفع الوعي بأهمية تقليل استهلاك اللحوم؛ لأسباب، ربما، بيئية وصحية، لكن من جهة أخرى، حولت العقلية "النباتية" إلى موضة، أو تحدّ اجتماعي أكثر منها قناعة صحية. فكثير من المحتوى الذي يُنشر لمتبنّي ذلك النظام، لا يعتمد على مصادر موثوقة، بل على صور جميلة، وأطباق ملونة تشجع الشباب على التقليد دون إدراك المخاطر، أو حتى البحث عن بدائل نباتية، مثلا البروتين أساسا.
وتوضح الأخصائية في التغذية أن التحول نحو النباتية ليس دائما خطأ، بل يمكن أن يكون مفيدا إذا تم تحت إشراف مختص في ظل ارتفاع نسب السمنة، ومشاكل الهضم بين الشباب، لكن غالبا ما يتم النصح به كروتين غذائي ظرفي، يُعتمد لفترة، مثلا، لتخفيف الوزن، أو علاج مشكل هضمي دون تغيير نمط الحياة تماما. وحذرت، كذلك، من الانقطاع المفاجئ عن المنتجات الحيوانية دون تعويض؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى التعب المستمر، وضعف التركيز، وحتى مشاكل في المناعة؛ فالجسم في حاجة مستمرة للبروتين، وهو غالبا الغذاء الأساسي للعضلات، وهو ما يبني جسما متوازنا؛ فسحبه من الصحن هو بمثابة تعريض الجسم للنقص باستمرار؛ فالبروتين، أيضا، هو المسؤول عن إشباع الجسم. وعدم استهلاكه يُشعر الجسم بلا وعي، أنه لم يأكل أبدا، وبالتالي يبحث باستمرار عن الأكل؛ ما يدفع الفرد أحيانا الى الأكل بشراهة، وأي شيء؛ بحجة أنه لم يشبع؛ ما يؤدي غالبا الى التوجه نحو مواد مضرة بالصحة من باب سد الجوع؛ كالسكريات والأكلات الخفيفة السريعة، فالتخلي عن البروتين ـ تشدد ـ أمر خاطئ، وشائع بين "جاهلي " أساسيات هذا النظام؛ لأنه قد يكون هناك بدائل جيدة لبروتينات حيوانية، وهي بروتينات نباتية.
وعن حداثة الظاهرة قالت الخبيرة: "إن النباتية موجودة منذ زمن، لكن ما نراه اليوم هو موجة عاطفية، مرتبطة بمنصات التواصل الاجتماعي. وقد تختفي مع ظهور موجات جديدة، كما حدث سابقا مع أنظمة أخرى؛ مثل الصيام المتقطع الذي استُمد من صيامنا كمسلمين لكن بأساليب مختلفة، تبنتها شعوب غربية بعيدة عن الدين الإسلامي".
الطعام لا بد أن يكون متوازناً
وشددت المتحدثة على أن الشباب الجزائريين خاصة في المدن الكبرى، يتبنّون هذه الموجة؛ بحثا عن هوية عصرية، وشعور بالانتماء إلى ثقافة عالمية، والخروج من الانتماء المجتمعي؛ لأسباب مختلفة، غالبا بحثا عن صورة مختلفة. فالصورة التي يقدمها النباتيون على الإنترنت تبدو مثالية مثل أجسام رشيقة، وبشرة نضرة، وحياة منظمة، لكن الواقع ليس دائما بهذه البساطة، وبهذا الجمال.
وفي الأخير أشارت المختصة بن منصوري الى أنه يمكن القول إن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت تشكل علاقة الشباب بالطعام، توجههم نحو خيارات جديدة، أحيانا جيدة، وأخرى سيئة، لكنها في الوقت نفسه تخلق ضغوطا نفسية لمجاراة الموضة، فالنظام النباتي قد يكون خيارا صحيا، لكن فقط عندما يكون مبنيا على معرفة، لا على تأثير المؤثرين، مشددة أن كل طعام لا بد ان يكون فيه توازن وإن كان لا بد من التخلي عن مادة معيّنة في سلوكياتنا الغذائية، فلا بد من البدء بالتخلي عن السكريات، والاعتماد، فقط، على الطبيعي منها التي تحتويها الفواكه.