تدفع إلى الاستهلاك المفرط

منصات التواصل الاجتماعي محركات للإسراف والتبذير

منصات التواصل الاجتماعي محركات للإسراف والتبذير
  • 143
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

تحولت وسائل التواصل الاجتماعي، خلال السنوات الأخيرة، من مجرد منصات للتواصل الاجتماعي إلى أدوات قوية، تؤثر، بشكل مباشر، في سلوكات المستهلكين حول العالم. وأصبحت هذه المنصات، مثل فيسبوك، وإنستغرام، وتيك توك، ويوتيوب، مساحة رئيسة للإعلان والترويج للمنتجات والخدمات، ما أدى إلى تغييرات جذرية في عادات الشراء، حيث لم تعد الحاجة وحدها هي ما يحرك المستهلك، بل الرغبة المثارة عبر المحتوى الإعلاني، والتفاعلي.

ولاعتمادها على خوارزميات معقدة، تقوم تلك المنصات بتحليل سلوك المستخدمين، واهتماماتهم، لتقدم لهم محتوى مخصصا يستهدف رغباتهم بذكاء عال. هذه الخوارزميات تخلق بيئة محفزة، تجعل المستهلك يتعرض باستمرار لصور ومنشورات تروّج لأحدث المنتجات والعروض، وهذا يخلق رغبة متجددة في الشراء، تكون، غالبا، تحوم حول تفضيلاته، وميولاته الاستهلاكية.

إضافة إلى ذلك، تلجأ هذه الوسائل إلى أساليب تسويق جديدة، تعتمد على "التأثير الاجتماعي"، حيث يستخدم المسوّقون "الإنفلونسرز" أو المؤثرين، لنشر تجربة استخدام المنتجات بطريقة جذابة ومقنعة. هذا النوع من  الإعلانات أكثر تأثيرا حسب ما يؤكد الكثيرون؛ لأنه يأتي من أشخاص يُنظر إليهم كقدوة، ما يخلق ضغطا اجتماعيا غير مباشر على المستهلك؛ للانضمام إلى هذا الاتجاه، وشراء المنتج مهما كان الفرد في غنى عنه ولا حاجة له فيه.

الإعلانات تدفع الى الاستهلاك المفرط

الإعلانات عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليست مجرد دعوات عادية للشراء، بل هي أدوات نفسية معقدة، تهدف إلى خلق احتياج صناعي. 

يقول صابر مولاي أحمد فراجي، خبير في الاقتصاد وأستاذ في التسويق، إن الإعلانات الحديثة تستهدف العواطف أكثر من العقل، وتغذّي الشعور بالنقص أو الحاجة المستمرة للامتلاك، ما يؤدي إلى استهلاك مفرط بعيد عن الضرورة الحقيقية؛ فكلما ظهر منتج جديد كلما توجهت الإعلانات نحو تحفيز العقل الباطني على الرغبة في امتلاكه، وأن المنتجات السابقة لا تفي بالغرض، بل ناقصة، مثلا، من حيث الفعالية، أو الجمال أو غير ذلك، ما يوهِم الفرد بأن ما لديه غير صالح، ولا بد من سرعة اقتناء المنتج قبل نفاده.

وهذا الاستهلاك المفرط لا يقتصر على فئة معيّنة من المنتجات، يقول الأستاذ، بل يمتد ليشمل الملابس، والإلكترونيات، ومستحضرات التجميل، وحتى المواد المنزلية، ما يؤدي إلى تراكم غير مبرر للأشياء، وزيادة كبيرة في الهدر والاستخدام غير الرشيد للموارد. واليوم، بذلك، نحن أمام ظاهرة الإسراف الشديد ليس فقط في الأغذية والأطعمة، بل، أيضا، في جميع المنتجات حتى الأغلى منها لكن دون قيمة حقيقية؛ أي ليست، مثلا، منتجات ذات قيمة حقيقية مثل المعادن الثمينة، وإنما، فقط، منتجات تم الترويج لها لتصبح باهظة الثمن دون قيمة فعلية؛ كحقائب اليد مثلا، أو الأكسسوارات من علامات فاخرة، أو حتى الماكياج ومواد التجميل التي تدعي احتواءها على مواد سحرية للقضاء على مشاكل البشرة أو الشعر أو غير ذلك.

وقال الخبير: " من منظور اقتصادي، يبدو أن الاستهلاك المفرط يعزز النمو الاقتصادي؛ من خلال زيادة المبيعات والإنتاج. لكن هذا النمو غير مستدام "، موضحا أن الاقتصاد الذي يعتمد على الاستهلاك المفرط يخلق مشاكل مثل تراكم الديون الشخصية، وزيادة النفايات، وإهدار الموارد التي قد تؤدي إلى أزمات اقتصادية طويلة الأمد، وبذلك يسبب مشاكل في الاقتصاد أكثر من نفعها. ويضيف: " فالزيادة المستمرة في الإنفاق على المنتجات غير الضرورية، تؤدي إلى إضعاف القوة الشرائية للأفراد على المدى الطويل، ما يمكن أن يسبب مشاكل اجتماعية مثل الفقر، والديون".

ظاهرة لا تخلو من مضاعفات بيئية

الأثر البيئي لهذا الاستهلاك لا يقل خطورة. تقول ليلى محياوي عضو بجمعية بيئية، إن كل عملية إنتاج واستهلاك تترك بصمة بيئية، بدءا من استخراج المواد الخام، مرورا بالتصنيع والنقل، ووصولا إلى التخلص من المنتجات بعد استخدامها؛ فالاستهلاك المفرط يعني زيادة الطلب على المواد الخام؛ ما يؤدي إلى استنزاف الموارد الطبيعية مثل المياه، والطاقة، والمعادن، بالإضافة إلى زيادة إنتاج النفايات الصلبة التي تلوث التربة والمياه. كما تؤدي ظاهرة الاستهلاك السريع إلى زيادة انبعاثات الكربون، ما يفاقم مشكلة تغير المناخ.

وتضيف المتحدثة: "ومن اللافت أن ظاهرة الاستهلاك المفرط والإسراف لم تعد تقتصر على المواد الغذائية فقط، بل تشمل مواد مثل الملابس والإلكترونيات، وحتى أدوات التجميل، حيث تدفع الإعلانات المستهلكين إلى تجديد مقتنياتهم بشكل متكرر رغم صلاحيتها؛ بدافع الموضة، أو الإعلان المستمر عن منتجات أحدث، وأفضل" ؛ فهذا السلوك يؤدي إلى تراكم نفايات إلكترونية، ونفايات نسيجية يصعب معالجتها بيئيا. كما يضع ضغوطا على مدافن النفايات، وأنظمة إعادة التدوير، التي غالبا ما تكون غير مجهزة بشكل كاف للتعامل مع هذه الكميات الضخمة.

ولمواجهة هذه التحديات هناك حاجة ماسة إلى رفع الوعي المجتمعي، تقول المتحدثة، من خلال حملات تثقيفية تعتمد على وسائل التواصل نفسها؛ لتشجيع الاستهلاك الواعي، والاقتصاد الذي يعتمد على إعادة التدوير؛ حيث يعاد تدوير المنتجات، واستخدامها بدلا من الإسراف وتبذيرها، الى جانب تبنّي سياسات تنظيمية تفرض معايير صارمة على الإعلانات، تمنع الترويج المضلّل، وتحفّز الشركات على تبنّي ممارسات إنتاج مستدامة، مع تشجيع الابتكار الأخضر، وتطوير منتجات صديقة للبيئة وقابلة لإعادة الاستخدام، وتقليل الاستهلاك غير الضروري لها. وفي الأخير تعزيز دور المجتمع المدني ومنظمات البيئة والاقتصاد؛ إذ يمكن أن تلعب دورا فعالا في مراقبة ومحاسبة الشركات والمصانع التي لا تحترم تلك المعايير.