من الأطفال من لا يعرف معناها ومغزاها
مكتبات مهملة وأخرى باتت إداراتٍ ومقرات جمعوية

- 1088

تسببت التكنولوجيا التي سهلت مهمة الحصول على المعلومة، في تراجع معدل المقروئية في الجزائر، وهجر المكتبات، التي كانت إلى وقت قريب، تجمع الكثير من طلبة العلم للقيام بالبحوث الفردية والجماعية، أو البحث عن بعض المراجع أو حتى للمراجعة؛ تحسبا للاختبارات؛ الأمر الذي جعل الجهات الوصية على المكتبات ممثلة في البلديات ـ بسبب إهمالها من قبل القراء وأمام التراجع المسجل في الطلب ـ تحوّل بعضها إلى مقرات جمعيات حتى تنشط فيها. والسؤال المطروح: "هل، حقيقةً، نعيش زمن انتهاء المكتبات؟!".
سمحت الجولة الاستطلاعية التي قامت بها "المساء" إلى بعض المكتبات الموجودة بولاية البليدة، بالوقوف على نوعين من المكتبات، بعضها لايزال يكافح من أجل البقاء؛ من خلال حرص المشرفين عليها وإبقائها مفتوحة رغم قلة الإقبال عليها من الطلبة وتلاميذ المدارس، وهو ما أكدته مشرفة على مكتبة ببلدية العفرون؛ قالت: "رغم التراجع الكبير في الإقبال على المكتبة، إلا أن بعض طلبة العلم من الذين لا يجدون مكانا في منازلهم للمراجعة، يقصدونها بحثا عن الهدوء، إلى جانب بعض طلبة الجامعة، الذين يبحثون عن بعض الكتب القديمة أو بعض العناوين لإنجاز أطروحات التخرج"، مشيرة في السياق إلى أن المكتبة تعرف إقبالا نوعا ما كبيرا عند اقتراب موعد الاختبار، حيث تتحول إلى مكان يجتمع فيه بعض التلاميذ والطلاب، للقيام بالمراجعة الجماعية.
وبعيدا عن هذا، فإن المكتبات تعرف، في السنوات الأخيرة، خاصة بفعل التكنولوجيا، تراجعا كبيرا. وغير بعيد عنها، زارت "المساء" مكتبة أخرى شُيدت مؤخرا، غير أن المفارقة كانت في أن المشرفة عليها جمعية، أوكلت لها مهمة استغلال المكتبة.
وعند الدردشة مع مسؤولتها أكدت أن المكتبة لا تحمل إلا الاسم، ولا تتوفر على كتب، وليست مخصصة لهذا النوع من النشاطات، وإنّما تستغلها الجمعية في القيام بنشاطاتها، المتمثلة في تقديم دروس الدعم، وبعض الأنشطة المرتبطة بالجمعية، موضحة أن المكتبة لا تعمل؛ لأن الجمعية حوّلتها إلى مقر تمارس فيه عددا من نشاطاتها، حسب ما رصدت "المساء" على ألسنة البعض. وهكذا حال عدد كبير من المكتبات بولاية البليدة، التي حُوّلت إلى مقرات للجمعيات، أو مرافق، أو ملحقات إدارية.
وحسب مصادر مطلعة، فإن ولاية البليدة وتبعا لعملية جرد مؤخرا، تحصي تسع مكتبات فقط، موزعة على عدد من البلديات؛ مثل الأربعاء، والعفرون، والشفة، وموزاية، وأولاد يعيش، وبوقرة، والصومعة وبني مراد، مع تسجيل نقص كبير في المعدات، وكذا في المورد البشري المكلَّف بتسييرها.
وحسب نفس المصالح، فإن رد الاعتبار للمكتبات يتطلب المحافظة على ما هو موجود رغم قلته، ومحاولة إعادة بعث واسترجاع المكتبات التي حُولت إلى مرافق إدارية، ناهيك عن سَن تعليمات ولائية للحفاظ على المكتبات وعدم المساس بها، وعدم الدفع بأن التكنولوجيا أنهت مهامها؛ لأن الدول المتقدمة ورغم التطور الكبير في عالم المعلوماتية، إلا أنها لم تستغن عن الدور المحوري للمكتبات، وجمعت بين ما هو رقمي وورقي.
المنظومة التربوية ساهمت في تهميش المكتبات
من جهته، أكد مدير الثقافة لولاية البليدة، الحاج مسحوب، أن تراجع الاهتمام بالمكتبات راجع، بالدرجة الأولى، إلى المنظومة التربوية، التي لم تعد تحث التلاميذ على الذهاب إلى المكتبات للقيام بالبحوث؛ الأمر الذي جعل تلاميذ اليوم، لا يأبهون للمكتبات، ويقصدون نوادي الأنترنت لطبع البحوث جاهزة، مشيرا إلى أنه في ما مضى كان الإقبال كبيرا على المكتبات من تلاميذ المدارس، إلى درجة الوقوف في طابور للظفر بفرصة الحصول على الكتاب المطلوب، أو مكان للمراجعة فيه".
رد الاعتبار للمكتبات يتطلب، حسب المسؤول، من المنظومة التربوية وتحديدا المعلمين، حث التلاميذ على البحث في بعض الكتب التي يُفترض أن تكون موجودة في المكتبات، لإعادة ربط التلميذ بالمكتبة؛ قال: "التكنولوجيا، حقيقة، سهّلت مهمة الحصول على المعلومة، غير أنها لا تقدّم المعلومة كما يجب؛ لأنها معلومة غير مراقَبة، على خلاف المعلومة المقدَّمة في الكتاب المودع في المكتبة، والتي يُفترض أن تكون مراقَبة. ومن هنا تظهر أهمية رد الاعتبار للمكتبات التي يتم المراهنة عليها لتشجيع المقروئية"، نافيا أن تكون التكنولوجيا وراء تراجع دور المكتبات؛ لأن الدول المتقدمة لاتزال فيها المكتبات تحظى باهتمام وإقبال كبير؛ لأنها تُعدّ بمثابة مدرسة للشعب.
ومن جهة أخرى، أكد المتحدث أن بعض المكتبات التابعة للبلديات مهملة، ولم تعد تحظى بأي اهتمام؛ الأمر الذي جعل الكثير منها يغلَق نهائيا، بينما تم تحويل دورها إلى مرافق إدارية ببعض البلديات. وحسبه، فإن المكتبات التابعة لمديرية الثقافة تعمل بطريقة نظامية، وفق برنامج خاص، يضمن استمراريتها بكل من بلدية العفرون، وبوعينان والأربعاء. ويقول: "يبقى الرهان على الطاقم البيداغوجي، الذي يعوَّل عليه لإعادة ربط الطالب بالمكتبة، من خلال حثه على البحث في الكتب المتوفرة فيها"، مؤكدا في السياق، أن مكتبة بوعينان تحتوي على مجموعة من الكتب النادرة التي لا تتوفر في أي جامعة، وتُعد مكسبا هاما لولاية البليدة.