بسبب النقص الكبير في العرض
معاناة أصحاب المقاسات الكبيرة

- 1845

يواجه البدناء مواقف ترهقهم وتزيد من تعقيد مشاكلهم الصحية، لاسيما معاناتهم مع السكري وارتفاع الضغط الدموي، إلى جانب جملة المشاكل النفسية التي ترجع، حسب المختصين في الصحة، للعديد من العوامل، أولها نظرة الناس إليهم، وعدم الشعور بالرضا تجاه أنفسهم وفقدانهم الثقة، وحتى الانعزال والانطواء، لعدم الاحتكاك بالمجتمع، ورغم كل ذلك، تشعرهم بعض العوامل الخارجية بذلك الاختلاف، لاسيما خلال رحلتهم في سبيل البحث عن ملابس تليق بهم، وتناسب مقاساتهم.
في هذا الصدد، كان لـ"المساء"، جولة في بعض المحلات بالعاصمة، في محاولة البحث عن مدى توفير السوق لسلع خاصة بالأشخاص الذين يعانون من السمنة، حتى تكون المفاجئة، تقريبا، انعدام المقاسات "الكبيرة"، فغالبية المتوفرة منها تكون مقاساتها بين 36 و44، وأحيانا تصل في المحلات الرجالية إلى 52، أو ما يعرف بثلاث أضعاف العريض، إلا أن فوق ذلك هي مقاسات مختفية تماما في السوق.
عن هذا، حدثنا فوزي، بائع في محل الألبسة الجاهزة للنساء، قائلا "يعاني الكثير من الأشخاص البدناء، في إيجاد القطع المناسبة لهم، وهذا راجع إلى العديد من العوامل، أهمها غياب الوفرة في السوق"، مشيرا إلى أن محله لا يوفر المقاسات فوق 44 للنساء، لقلة الطلب عليها. وأضاف أن الكثير من زبوناته من ذوات المقاييس المتوسطة، الأمر الذي دفعه إلى توفير ما يتناسب معهن فقط، وقال "بين حين وآخر، تأتي بعض الزبونات للبحث عن قطع، وعادة لا يكون سؤالهن مثلا، هل لديك مقاس في القطعة هذه أو تلك، إنما ماذا لديك كقطع في مقاس كذا؟، وهو السؤال الذي يبين مدى فقدان الأمل في إيجاد قطع تتناسب مع مقاساتهن".
من جهة أخرى، قال مراد (بائع بمحل آخر)، إن المشاكل التي يواجهها عادة، هؤلاء الذين يعانون من البدانة، تعود مع كل فصل شتاء، خاصة عند البحث عن معاطف، وأحذية تترهل بسرعة في موسم الشتاء، بسبب الأمطار، مما يدفع البدين إلى البحث عن اقتناء زوج جديد من الأحذية في كل مرة، وهذا ما لا يوفره السوق، موضحا أن بعض المحلات تخصصت في بيع تلك القطع.
أما محمد (صاحب محل بالرويبة)، فأشار إلى أنه لا يوفر تلك القطع، خوفا من كسادها، لأن الطلب عليها قليل، مؤكدا أنه لا يمكنه توفير تلك السلع لفئة قليلة من الزبائن، لأن بائعي الملابس بالجملة، يشترطون على زبائنهم "تجار التجزئة"، اقتناء ما يسمى بالسلسلة الكاملة للمقاسات، والتي تكون من 34 إلى 44، وعادة يتم توفير قطعة أو اثنتين فقط من أكثر المقاسات رواجا، وهي 38 و42 و 44، إلا أن باقي المقاسات التي تتراوح بين 44 و52 قد تكون أكثر بكثير من ذلك، كنوع من طرح فائض السلع، وإذا طلب بائع التجزئة مثلا، مقاسا خاصا لزبون معين، يفوق تلك المقاسات، سيشترط عليه كذلك اقتناء سلسلة كاملة للمقاسات الكبيرة.
غياب ثقافة الترويج للسلع الفئوية
على صعيد ثان، تخصصت محلات أخرى في توفير مقاسات البدناء، ورغم قلتها وتقريبا ندرتها، إلا أنه يبدو أن عناوينها محفوظة جيدا لدى هذه الفئة، وهو حال منصف من بلدية الهراوة بالرويبة، الذي تخصص لأكثر من 20 سنة، في عرض وبيع ملابس بمقاييس تصل إلى 60، حيث قال، إن فكرة التخصص في هذه التجارة لم تكن نابعة من عبقرية خاصة، إنما لغياب محلات خاصة ببيع ملابس بمقاسات كبيرة في السوق الجزائرية، موضحا أن عددها يحسب على أصابع اليدين لا أكثر، وكانت الانطلاقة من تجربة شخصية، حيث أن ابنه كان يعاني السمنة في صغر سنه، وكان هو وزوجته يعانيان في إيجاد قطع لباسية تليق بحجمه.
وأضاف المتحدث، أن السوق الجزائرية لا تزال تعاني النقص الفادح في هذه التجارة، والمحلات الموجودة توفر كمية غير كافية من الملابس المطلوبة، كما لا تعرض دائما النوعية، ولا تمنح كذلك الخيار الكبير، حيث تجد أنها قطع جد بسيطة، لا خيار في الألوان، ولا في التفاصيل، ولا حتى الموديلات، ليكتفي الفرد باقتنائها ضمانا لقطعة تليق بمقياسه لا غير. وقال إن الكثير من الأشخاص الذين يعانون من السمنة، رجالا أو نساء، يتجهون اليوم نحو الخياطة حسب الطلب، سواء باقتناء قماش وحياكته مباشرة عند خياط خاص، أو اقتناء قطع ومحاولة تعديلها، وعادة تكون بالنسبة للأقمصة بمقاسات متوسطة، إذ لا يمكن تعديلها إذا فاقت أكثر من مقاس، وهذا ما يجعل هؤلاء الأشخاص غير متعلقين بالموضة، ليس بسبب عدم حبهم مواكبة الموديلات الجديدة، إنما لعدم توفر الخيار في السوق.
وعن عدم الإقبال على هذه التجارة، قال منصف، إن ثقافة الترويج للسلع الفئوية غائبة تماما في الجزائر، مثل تخصيص محلات لقصار القامة، أو الذين يعانون السمنة، أو حتى المصابين بالهزال أو النحافة، إذ أنها فئة قليلة مقارنة بمتوسطي المقاس، وهنا يرى التجار أنها غير مربحة، وقد يؤدي تخصصهم فيها إلى الإفلاس، بسبب كساد سلعهم، مما يجعلهم يتجنبون التخصص فيها، خوفا من المخاطرة.
مشكل صحة عمومية يحتاج للجدية
دق خبراء الصحة ناقوس الخطر، بسبب الانتشار الكبير لظاهرة السمنة في الجزائر، في هذا الصدد، قال الطبيب العام مراد عكتوش، إن أكثر من نصف الجزائريين يعانون من الوزن الزائد أو السمنة المفرطة، حسب ما تشير إليه إحصائية رسمية، تفيد بوجود 55.6 بالمئة من البالغين، يزيد وزنهم عن الوزن الموصى به، من بينهم 48.3 بالمئة من الرجال و63.3 من النساء. وهذا ما يعادل 20 مليون جزائري، إضافة إلى شريحة الأطفال الذين يعاني 18 بالمائة منهم من البدانة، مشيرا إلى أن السمنة ليست دائما واضحة، لاسيما إذا كان الفرد طويل القامة، فالبدانة تحتسب على أساس نسبة الكتلة الدهنية المتواجدة في الجسم.أشار الطبيب إلى أن السمنة، قد تتسبب في الإصابة بأمراض عديدة جسمية ونفسية، مثل السكري وأمراض القلب والشرايين ومشاكل الهضم والكبد، إلى جانب مشاكل نفسية، كفقدان الثقة في النفس، التي تؤدي إلى الانعزال والانطواء على النفس، لذا لابد أن يؤخذ هذا المشكل بجدية، للعمل بالتدابير الوقائية، من خلال التوعية ورفع الثقافة الغذائية في المقام الأول.
وحسب الطبيب، فإن السمنة المفرطة أو البدانة، هو نتاج عدم التوازن ما بين الطاقة التي يحصل عليه المرء وحرقها، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة في الكتلة الدهنية، بالتالي يترتب عنه مضاعفات عديدة، مشيرا إلى أن النظام الغذائي المتزن والسليم، وممارسة نشاط رياضي بشكل منتظم، من أكثر سبل الوقاية من السمنة، لاسيما الوقاية من الأمراض والمشاكل الصحية المصاحبة لها، على غرار تقلص متوسط العمر المتوقع، بسبب أمراض مرتبطة خصوصا بارتفاع ضغط الدم، والموت المفاجئ بسبب الجلطات الدماغية.