بين التقليد الأعمى والتخلي عن الهوية
مظاهر احتفالات غريبة تغزو المجتمع!
- 132
نور الهدى بوطيبة
ظهرت في السنوات الأخيرة ومع اقتراب نهاية كل عام، عادات احتفالية غريبة عن المجتمع الجزائري؛ إذ برزت مظاهر احتفال جديدة تسللت إلى بعض البيوت والشوارع؛ إحياءً لرأس السنة الميلادية، وأعياد أجنبية لا صلة لها بالمرجعية الدينية للمجتمع؛ إذ باتت تزيَّن البيوت والمحلات بالأضواء، بنصب أشجار مزيّنة، وتحضير أكلات خاصة، وتبادل الهدايا، بل وحتى الخروج للسهر في أماكن عامة.. المتاجر، من جهتها، انساقت وراء هذا التوجه، بطرح عروض تخفيضات على سلعها، وغيرها من الصور الاحتفالية... كلها مظاهر أصبحت تثير الجدل، وتطرح أسئلة عميقة حول هوية المجتمع، واتجاهاته.
هذه الظاهرة وإن كانت تشمل بعض فئات المجتمع، إلا أن بروزها بشكل واضح، يدفع إلى طرح عدة استفهامات حول الموضوع. فبين من يراها مجرد "فرحة عابرة" أو "مواكبة للعصر"، يراها آخر تقليدا أعمى، يهدد القيم الدينية، والاجتماعية، خصوصا أن المجتمع، اليوم، يقف أمام تحول ثقافي يحتاج لتدخل خبراء الاجتماع؛ للبحث عن أسباب تلك التحولات الفكرية، خصوصا وسط فئة معيّنة من المجتمع.
احتفال في قالب مسموم!
يرى عبد المجيد بن يوسف، أستاذ علم الاجتماع، أن هذه الممارسات لا يمكن فصلها عن تأثير العولمة، والانفتاح الإعلامي الواسع. فوسائل التواصل الاجتماعي، حسبه، تلعب، اليوم، دورا كبيرا في نقل أنماط معيشية غربية إلى الشباب الجزائري. وتتم من خلال صور معدلة؛ أي يحاول رواد تلك المنصات إعطاء صورة حسنة عن تلك الأعياد والاحتفالات، وبالتالي يرسم المتأمل فيها صورة في مخيلته، يعتقد أنها أجواء جميلة، وفيها متعة دون البحث في خلفياتها أو حقيقة تلك الاحتفالات. فتلك الصور الجذابة تكون غالبا مرتبطة بالفرح، والحرية، والنجاح، وهو هدف ناشريها.
ويؤكد أن الفرد في ظل الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، يبحث عن لحظات للهروب من الواقع، فيجد في الاحتفالات فرصة للشعور بالاندماج مع عالم مختلف حتى وإن كانت من مجتمعات لا تمتّ بصلة لدينها أو عاداتها وتقاليدها، وتختلف تماما عنها. ويضيف الخبير أن بعض المحتفلين لا يدركون البعد الثقافي أو الديني لما يقومون به، بل يتعاملون معه كسلوك استهلاكي لا أكثر، فشراء شجرة أو تبادل هدية لم يعد في نظرهم، فعلا له جذور عقائدية، بل مجرد صورة اجتماعية شبيهة بعيد ميلاد أو مناسبة عائلية. غير أن هذا التبرير، حسب محدث "المساء"، يخفي أزمة أعمق، تتعلق بضعف الوعي بالهوية، وغياب مشروع ثقافي بديل، قادر على تقديم الفرح في إطار محلي أصيل، يتناسب مع أعيادنا الدينية، واحتفالاتنا الوطنية، وعادات وتقاليدنا الاجتماعية.
تنازل رمزي عن الهوية الإسلامية وتشبُّه بالكفار
هذا ما أكده الإمام محمد لعزوني، الذي قال إن الإسلام لا يعارض الفرح، لكن يرفض التقليد الأعمى للكفار، خصوصا أن الكثير من مظاهر تلك الاحتفالات يرتبط برمزية عقائدية، وإيمان بمعتقدات أجنبية عن الدين الإسلامي، بل إن أخرى تحمل شركا، وبعيدة عن التوحيد، مردفا: "على كل مسلم أن تكون له غيرة عن دينه، وأن يحمي عقيدته، ويحفظ خصوصية الأمة المسلمة".
وقال: "الاحتفال بأعياد الكفار هو إيمان بتلك المعتقدات، وهو محرم في الشريعة الإسلامية. واتباعه هو نتيجة ذوبان ثقافي. ويوحي بالتنازل عن الهوية الإسلامية". ويضيف الإمام أن "خطورة هذه الظاهرة لا تكمن فقط في الفعل نفسه، بل في تطبيعه داخل الأسرة، وتبنّيه كعادة طبيعية خاصة أمام الأطفال. فالطفل الذي ينشأ على رؤية شجرة رأس السنة والهدايا المرتبطة بها، قد يكبر وهو يعتقد أن هذه الممارسات جزء طبيعي من حياته دون تمييز بين ما هو ديني، وما هو دخيل"، وهذا، حسب قوله، "مسؤولية الأسرة قبل أي جهة أخرى"، مشددا على أن "الحل لا يكون بالتحريم الجاف، أو التوبيخ، بل بالتوعية، والحوار، وبإحياء الأعياد الإسلامية والاجتماعية بطريقة جذابة، تلبي حاجة الإنسان للفرح، والانتماء".