إعادة إدماج المحبوسين بعد الإفراج
مسار إصلاحي تدعمه شراكة بين عدة قطاعات
- 149
رشيدة بلال
شكّل تفعيل الآليات التي وضعتها الدولة لتسهيل اندماج المفرج عنهم وتمكينهم من العودة إلى الحياة الطبيعية بعيدًا عن الجريمة، محور يوم دراسي نظمته جمعية “أميرة” الولائية لحماية وترقية حقوق الطفل بالبليدة، مؤخرا، بالتنسيق مع مصالح الخارجية لإعادة إدماج المحبوسين بالبليدة. وخلصت أشغال اللقاء إلى ضرورة تفعيل كل الاتفاقيات المبرمة مع إدارة السجون في إطار السياسة الوطنية، الرامية إلى ضمان إعادة إدماج المحبوسين بعد الإفراج عنهم، وتثمين التجربة الجزائرية التي تُعد نموذجًا لسياسة إصلاحية حديثة، تقوم على التعليم، والتكوين المهني، والتأهيل الديني والأخلاقي، والدعم الاجتماعي والمهني بعد الإفراج. وفي إطار الجهود الرامية إلى تحويل السجن إلى مؤسسة إصلاح وإعادة تأهيل لا مجرد مكان لتنفيذ العقوبة، بما يفتح أمام المحبوسين آفاق حياة كريمة، وفرصًا جديدة داخل المجتمع.
أكدت رئيسة الجمعية نعيمة تفاحي أن هذا اليوم الدراسي جاء تتويجًا لمسيرة تجاوزت سبع سنوات من العمل داخل وخارج السجون في إطار تفعيل الاتفاقيات المبرمة مع إدارة السجون؛ لتسهيل إدماج المحبوسين في المجتمع. وأوضحت أن الطبعة الثانية من هذا اليوم الدراسي، جاءت لتسليط الضوء على السبل الكفيلة باستقطاب المفرج عنهم، ومرافقتهم.
وأضافت أن التعديلات التي جاء بها قانون الإجراءات الجزائية، خصوصًا المادة 14/2025 المتعلقة بالإفراج المشروط وكيفيات التكفل بالمحبوس أو المفرج عنه، منحت إطارًا قانونيًا أوضح لمتابعة هذه الفئة. وكشفت أن الجمعية منذ توقيع الاتفاقية مع المديرية العامة لإعادة الإدماج، أصبحت تتعامل مباشرة مع المحبوسين لمدة ستة أشهر قبل الإفراج عنهم، ومثلها بعد الإفراج، سواء كانوا رجالًا أو نساءً أو أحداثًا، وحتى مع عائلاتهم؛ لتحديد السبل التي تضمن إدماجهم، وتجنب جرائم العود. وأبرزت أن الجمعيات بحكم الاتفاقيات المبرمة مع إدارة السجون، تعمل على احتضان المفرج عنهم، والاستثمار في مختلف المكتسبات التي تحصلوا عليها داخل المؤسسات العقابية، سواء عبر شهادات التأهيل المهني، أو تعلم الحرف، أو مواصلة الدراسة للحصول على شهادات علمية.
وعرف اليوم الدراسي مشاركة واسعة من عدد من القطاعات؛ على غرار التربية، والتكوين المهني، والصناعات التقليدية، والشؤون الدينية وغيرها، وهي قطاعات عرضت تجاربها في التعامل مع المحبوسين داخل المؤسسات العقابية، وتمكينهم من اكتساب مهارات مختلفة، تساعدهم على الاندماج في المجتمع بعيدًا عن مسار الجريمة. ومن بين هذه القطاعات يبرز قطاع التربية الذي حقق قفزة نوعية من خلال الأرقام المسجلة، والتي تعكس توجه عدد كبير من السجناء نحو التعليم، والحصول على شهادات تمنحهم آفاقًا واعدة بعد نهاية العقوبة، أو عند الاستفادة من الإفراج المشروط أو للنفع العام.
وفي السياق، أوضح محمد بركون المدير الفرعي لبرامج إعادة الإدماج، أن المنظومة العقابية الجزائرية تتبنى فكرًا قائمًا على الدفاع الاجتماعي، معتبرة العقوبة السالبة للحرية وسيلة لحماية المجتمع. وفي الوقت نفسه، فرصة لإصلاح المحبوسين، وإعادة إدماجهم وفق منهج علمي. وأكد أن هذا التوجه أثبت فعاليته من خلال المتابعة الدقيقة للمحبوسين قبل الإفراج وبعده؛ لضمان عودتهم كأفراد صالحين بعيدين عن الجريمة.
وأضاف أن التعاون الوثيق مع اللجنة الوزارية المشتركة لتنسيق نشاطات إعادة الإدماج التي تضم 21 قطاعًا وزاريًا، أعطى نتائج إيجابية، لا سيما في التعليم والتكوين داخل السجون؛ إذ سجل نجاح 4441 محبوس في شهادة البكالوريا العام الماضي، و2268 في شهادة التعليم المتوسط، فيما التحق خلال الموسم الدراسي الحالي 7242 محبوس بمقاعد الدراسة. أما إجمالي عدد المحبوسين الملتحقين بالتعليم فبلغ 36339 محبوس في مختلف الأطوار، إضافة إلى 2702 محبوس في التعليم الجامعي (2629 ليسانس و13 ماستر عن بعد). كما سجل 7516 محبوس في التكوين المهني، و1325 في التكوين المتخصص، إضافة إلى استفادة 1255 محبوس من التكوين في الحرف التقليدية والصناعات اليدوية داخل المؤسسات العقابية.
وفي السياق ذاته، أوضح مدير غرفة الصناعات التقليدية والحرف، آيت عيسى زروق، أن قطاع الصناعات التقليدية يلعب دورًا محوريًا بموجب الاتفاقية المبرمة منذ 2009 مع مديرية السياحة والصناعة التقليدية وإدارة السجون. وتتمحور حول الإعلام والتحسيس بأهمية اكتساب حرفة، والحصول على بطاقة حرفي. وأضاف أن القطاع يساهم كذلك في تأهيل المسجونين داخل المؤسسات العقابية من خلال إرسال مؤطرين؛ لتعليمهم عددًا من الحرف، وتمكينهم من الحصول على شهادات تسمح لهم بالعمل بعد الإفراج، إلى جانب الاستفادة من دعم مؤسسات مثل “نسدا” ، وغيرها من أجهزة المرافقة. كما تتواجد ورشات تكوينية داخل السجون؛ كالخياطة، والخشب، والنحاس بإشراف حرفيين مكونين، مع الإشارة إلى أن أهم مرحلة في مسار الإدماج هي المرافقة بعد الإفراج؛ حيث يتم توجيه المفرج عنهم نحو الغرفة أو المؤسسات المتعاقدة؛ لتسهيل إدماجهم، وتمكينهم من الاستفادة من مختلف التسهيلات.